القائد الحقيقي والقائد المزيف

      التعليقات على القائد الحقيقي والقائد المزيف مغلقة

أ.د أحمد كاظم بريس
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية
مقال شهر تشرين الثاني_ 2023
القيادة والقائد، كلمتان طالما سحرتا الناس على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم وأعراقهم وأهدافهم، وشغلت بالهم منذ الأزل، ووضعوا لها نظريات، بعضا منها عدَّت القائد بمنزلة الهبة الإلهية، ووضعوا لها أنماطًا تفرعت وتشعبت حتى يكاد من الصعب الاحاطة بها، بل ويصعب الفصل بين تلك الأنماط في أحيان كثيرة.
جاذبية هذه الكلمة دفعت الكثير من الأفراد إلى أن يطلقوا على أنفسهم لقب قائد، وسعوا بكل قوة إلى إثبات هذا اللقب لأنفسهم، مهما كانت الأساليب والطرق التي يمكن انتهاجها. لكن يبرز هنا تساؤل مهم، وهو: من هو الذي يمكن أن نطلق عليه لقب قائد؟
أشار (Peter Drucker)، وهو واحد من أهم منظري الفكر الإداري، في كتابه المعنون (إدارة المستقبل.. التسعينات وما بعدها)، إلى أنَّ أهم ما يميز القائد الحقيقي عن القائد المزيف خمس فقرات، أول فقرتين تختصان بالقدرة المعرفية والتفكير الاستراتيجي للقائد ومهاراته الموضوعية، في حين ركزت النقاط الثلاث الأخيرة في أمور تختص بالجانب السلوكي والانساني للقائد، وعلى النحو الآتي:
1- من أولى مهام القائد وأهمها أن يحدد وبدقة تامة ما هي رسالة المنظمة التي يقودها، بمعنى ما هي المهام الحالية التي يجب أن تضطلع بها المنظمة، في سبيل تحقيق رؤيتها المستقبلية، فبدون تحديد دقيق للمهام الحالية، ستضيع كل الجهود والموارد التي تمتلكها المنظمة، أو في الأقل سيكون مقدار الانجاز أقل بكثير من الامكانات التي تم تجنيدها لتحقيق أهداف المنظمة.
2- من المهام الكبيرة والتي تقع على عاتق أي قائد سواء كان تنظيميًا أو سياسيًا أو حتى عسكريًا، أن يضع الأهداف التي تسعى منظمته أو كيانه السياسي أو وحدته العسكرية إلى تحقيقها، وما هي الأولويات التي يجب التعامل معها في سبيل تحقيق تلك الأهداف، فضلا عن معايير تحقيقها، بمعنى متى يمكن لنا أن نقول إنَّ الهدف تم تحقيقه.
3- القائد الحقيقي هو الذي ينظر للقيادة على أنَّها تكليف ومسؤولية كبيرة تقع على عاتقه، يسعى عن طريق موقعه القيادي، إلى خدمة أفراد منظمته، والارتقاء بهم وبالمنظمة إلى أعلى المراتب، وليس امتيازًا يحقق عن طريقه مكاسب آنية على حساب مصلحة منظمته التي يعمل فيها.
4- على الرغم من أنَّ القائد الحقيقي يتميز بمعرفة كبيرة ورؤية ثاقبة وتفكير شمولي، لكن ذلك لا يمنع بالمطلق من أن يستشير أفرادًا آخرين في مجالات معينة، فالقائد ليس معصومًا من الخطأ، كما أنَّه غير محيط بكل أنواع المعرفة. لذلك نرى أنَّ القائد الحقيقي هو ذلك القائد الذي يحيط نفسه بالأشخاص الأقوياء ذوي المعرفة الكبيرة، وأصحاب الرأي الحقيقي الذين يمكن أن تسهم آراؤهم في إحداث تغيير حقيقي في المنظمة. على العكس من ذلك نرى القادة المزيفين هم أولئك القادة الذين يحيطون أنفسهم بكل من هو ضعيف سفيه الرأي، همهم الوحيد قول ما يرضي القائد المزيف، والدفاع عن مواقفه حتى إن كانت بالغة السوء. إنَّ القائد الحقيقي هو الذي يعمل على تكوين قادة آخرين داخل منظمته أو حزبه أو دولته، أمّا القائد المزيف فهو القائد الأوحد، الذي يعتمد مقولة (أنا ومن بعدي الطوفان).
5- النزاهة والاحترام والثقة هي أهم ثلاث صفات، يجب أن يتمتع بها القائد الحقيقي، وتميزه عن القائد المزيف. والواقع إنَّ الثقة إنَّما هي ناتجة عن توفر النزاهة والاحترام، فعندما يكون القائد نزيهًا سيحصل بالتاكيد على احترام مرؤوسيه، وهذا الاحترام سيتحول بالتأكيد إلى ثقة تامة بما يقوله القائد ويفعله، في سبيل تحقيق مصلحة المجموع.
إنَّ الصفات الأخيرة، وإن ذكرت في آخر الترتيب، ولكن لها أهمية كبيرة، فعندما يبدأ القائد بنفسه فيما يأمر به اتباعه، وعندما يكون أول من يطبق ما يقول، وعندما يعيش عيشة أفقر مواطن في بلده (الإمام أمير المؤمنين عليه السلام)، وعندما يقدم أولاده وعائلته أمام أنصاره عندما تشتد منازلة المباديء أمام الباطل (الإمام الحسين عليه السلام)، وعندما يرتدي أبسط الملابس التي صنعها بيده تأسيا بفقراء شعبه والمعدمين (غاندي)، وعندما يلبث في السجن عشرات السنين دون أن ينطق بكلمة واحدة تضعف من همة المناضلين خارج أسوار السجن، وعندما يخرج من السجن لم يطالب بتعويض عن السنوات التي قضاها في السجن، ولم يتمسك بمنصب رفيع (ماندلا)، عندها نقول إنَّنا امام قائد حقيقي، وما عداها فهو للأسف قائد مزيف.