طريق التنمية وأثره في الاقتصاد العراقي

      التعليقات على طريق التنمية وأثره في الاقتصاد العراقي مغلقة

 د. سعد رعد الحميري

باحث مشارك في قسم إدارة الأزمات

تشرين الثاني 2023

       قبل البدء في محاور الموضوع، هناك أهمية لإعطاء نظرة عامة عن طريق التنمية (الحرير)، إذ يعد من أقدم طرق التجارة التي بدأت منذ القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن السادس عشر، حيث أُستخدِم لنقل البضائع الصينية وأشهرها الحرير، ومن هنا جاءت الدعوات إلى إعادة تفعيل هذا المشروع. ويعدّ العراق جزءًا من المحطة الرئيسة لهذا المشروع بحريًا وبريًا، فوجوده في قلب طريق التنمية سيمكنه من ربط قارة آسيا بقارتي أوربا وأفريقيا، فضلاً عن الدور الكبير الذي سيقوم به وجود ميناء الفاو الكبير في هذا المشروع، فربط الميناء بطريق الحرير سيوفر أقصر الطرق لنقل البضائع واستمرار التجارة وأقلها كلفة، إذ ستنتقل البضائع من الصين مرورًا بعدد من المحطات ومنها إلى ميناء الفاو الكبير، إذ يبلغ طول الطريق السريع الذي سيربط بين جنوب العراق والحدود العراقية مع تركيا 1190 كم، في حين من المتوقع أن يبلغ  طول السكك الحديدية المزمع إنشاؤها ضمن المشروع (1175) كم، لتستوعب قطارات فائقة السرعة ( 300 كم بالساعة للمسافرين، و160 كم بالساعة للبضائع)، إذ إنَّ الخطوط النقالة تلك ستمر بـ(12) محافظة عراقية تمتد من الجنوب إلى الشمال، مما سيُسهِم في تعزيز التجارة والاندماج المحليين. تشير التقارير الاقتصادية إلى أنّ بوسع الطريق نقل (3.5) مليون حاوية محملة بالبضائع (أي ما يعادل 22 مليون طن) سنوياً بحلول عام 2028، على أن تُرفَع الطاقة الاستيعابية تدريجياً لتصل إلى (7.5) مليون حاوية بحلول عام 2038، كما يشمل المشروع المرتقب خطًا بريًا وخط سكك حديد، فضلا عن خط متكامل لنقل النفط والغاز يصل الخليج بالحدود التركية، ليكون العراق الوسيطإلى أوروبا.

تكمن أهمية اتفاقية طرق التنمية بين الصين وبقية الدول، بمقتضى عملية مقايضة خامات الدول، مقابل التطور الكبير الذي سيطال البنى التحتية، إذ يتوقع أن يستحوذ “طريق التنمية على نحو (25%) من التجارة بين الصين مع الاتحاد الأوروبي، والتي تمر جميعها حاليا عبر قناة السويس، مشيرًا إلى أنَّ حجم التبادل التجاري الصيني الأوروبي، بلغ في عام 2022 أكثر من (982) مليار دولار، كما أنَّ الطريق لا يدخل في خط المنافسة مع قناة السويس، ولكن النمو المتزايد لأعداد السكان حول العالم، وزيادة الطلب على السلع والخدمات، ومن ثم عدم تمكن القناة من استيعاب الحركة الاقتصادية المتنامية، لذلك تطلب توافر طريق بديل لاستيعاب هذه الزيادات.

يسعى العراق إلى تبادل الخام النفطي مقابل الأعمال، وهذه فرصة للتخلص من حلقة الفساد المالي، وتجنب الديون الخارجية، فضلا عن توفير فرص العمل للفئات الاكاديمية وفق بنود الاتفاقية، والتي ستسهم بحل جزء كبير من مشكلة البطالة.

إنَّ مشروع  “طريق التنمية” لا يزال فكرة على الورق تحتاج إلى بلورة عملية، وسيتطلب تنفيذها رغبة الحكومة العراقية  في قدرتها على تنفيذ هذا النوع من المشاريع الاستراتيجية، وبقدر عالٍ من الكفاءة وإدارة عملية لتعزيز الموارد، إذ تُقدِّر عائدات المشروع في حال تنفيذه بأربعة مليارات دولار سنويًا، وهو ما سيُوفِّر دخلاً إضافيًا غير الواردات النفطية، كما أنَّ رؤية الحكومة للمشروع تتجاوز المنفعة الاقتصادية المباشرة، ولربما سيكون وسيلة مُجدية لإحداث تنمية مستدامة شاملة في المحافظات والمناطق التي يمر بها الطريق، عبر ما سيخلقه من فرص وظيفية، ومن مشاريع ثانوية، وإسهام ذلك في تشجيع الهجرة خارج المدن لإنشاء مدن جديدة، وتنشيط القطاع الخاص، وتقليل الطلب على التوظيف الحكومي.

يمثل المشروع  بالنسبة للعراق بادرة أمل على الأصعدة كافة، إذ سيمكنه من إدارة ملفه الاقتصادي والسياسي بطرق براغماتية ناجعة، قادرة على استعادة دوره الاقليمي والدولي عبر الابعاد الجيو اقتصادية، أمّا على الصعيد الجيو سياسي _ الاقليمي، فهناك ضرورة للاستفادة من مناخ التهدئة في المنطقة، والتي جرت عبر الانفتاحات الإقليمية بين دول المنطقة، والتي ستعزز دور العراق كحلقة وصْل بين الأطراف الإقليمية المختلفة، ونقطة تلاقٍ بدلاً من أن يكون ساحة صراع.