الانتخاب حق دستوري أم واجب وطني

      التعليقات على الانتخاب حق دستوري أم واجب وطني مغلقة

أ.م.د. علي شمران حميد

جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية

كانون الأول/ 2023     

تباينت الآراء القانونية والفقهية بشأن توصيف الحق الانتخابي، ففي الوقت الذي اتفقت جميع المواثيق على أنَّ الانتخاب حق أساسي من الحقوق التي يحميها القانون، كونها من أهم حقوق الإنسان، وجاء الاختلاف بخصوص هذا الحق هل هو حق ملزم أم حق اختياري؟ وهل للفرد حق الخيار بالمشاركة من عدمها أم هو مقيد بمحدد قانوني؟ وهل المقاطعة تعد مخالفة للقانون أم هي استخدام لهذا الحق؟

تعريف الانتخاب:

هو حق المواطن بمباشرة مظاهر السلطة وإدارة الدولة سواء بنفسه أو عن  طريق أشخاص يمثلونه, وقطعاً تعريف كهذا يطرح مجموعة من الاسئلة التي تحتاج لإجابات واضحة, فطالما هو حق لذا فالمواطن حر في التصرف في هذا الحق، واستخدامه وفق ما يراه مناسباً. وبالتأكيد المقصود بالمواطن من يحمل جنسية البلد، وأن يكون عمره أكثر من ثماني عشرة سنة. وأن يكون كامل الأهلية حتى يحق له التمتع بهذا الحق، وممارسة مظاهر السيادة والسلطة وإدارة السلطات، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، وهذه الممارسة للسلطة أحياناً تكون بالشخص ذاته عندما يرشح نفسه منتخباً، ومرة عن طريق منح صوته لأشخاص يمثلونه بطريقة الاقتراع السري المباشر، ليكون هناك برلمان يقود البلد.

لذا لكل فرد في المجتمع السياسي حق في الانتخاب تطبيقاً لمبدأ المساواة. وهو حق لصيق بالمواطن كما هو حق الحياة. وبما أنَّه حق شخصي فالفرد حر في ممارسة هذا الحق أو يمتنع عن ممارسته، ولا يجوز فرض أي عقوبة جزاء الامتناع عن ممارسة هذا الحق.

ويذهب البعض إلى اعتبار حق الانتخاب واجب وطني ووظيفة اجتماعية، بحجة أنَّ الأفراد الذين يمارسون هذا الحق، يؤدون وظيفة اجتماعية نتيجة انتمائهم للأمة صاحبة السيادة، على العكس من الأنظمة الدكتاتورية الفردية التي تلغي دور الأمة، ليكون الدكتاتور هو الأمة, لذا في النظام الديمقراطي الشعب ملزم باختيار ممثلين عنه، ليكونوا أمناءً على أداء وظيفة الحفاظ على الأمة، وحماية مصالحها وسلمها الأهلي.

وهناك آراء ترى أنَّ الانتخاب حق سياسي منظم دستوريًا وقانونيًا، لذا عدَّت بعض الأنظمة أنَّ التخلف عنه تخلفاً عن واجب وطني، وافردت لذلك عقوبات رادعة، ومن الدول التي فرضت عقوبات (البرازيل وسنغافورة وتايلند واستراليا وبلجيكا).

النشأة التاريخية للانتخابات:

عرفت الانتخابات في وقت مبكر في روما القديمة وفي أثينا، عن طريق تطبيق الديمقراطية المباشرة، وعرفت اليونان القديمة والتي عن طريقها يتم تحديد الامبراطور المقدس. وعرف المصريون القدماء نوعًا من أنواع ممارسة السلطة، عن طريق قوانين تنظم أمور الحكم، وكذلك أجريت في الهند في العام 920م في ولاية تاميل نادو الهندية, وعرف العرب الانتخابات قديماً لاختيار الخليفة. وتعد بريطانيا هي الموطن الأساس الذي نشأت به الديمقراطية النيابية، في ظل صراع مرير بين الشعب والأسر المالكة استمر لقرون، أفضى لتشريع قانون 1688 وانتخاب برلمان، إذ جرت أول انتخابات في بريطانيا عام 1708م.

المحددات الانتخابية:

كانت الانتخابات تجري في أثينا بصورة مباشرة، وفق الديمقراطية المباشرة بمحددات، منها: إنَّ من يحق له الانتخاب هو المواطن الروماني فقط، دون العبيد والأجانب الذين لا يسمح لهم بالمشاركة بالانتخابات، وأن يكون عمر الناخب أكثر من ثمانية عشر عامًا, وأن يكون ضمن مجلس الحرب، ولا يسمح للنساء بالمشاركة بالانتخابات.

في حين عرفت بعض الدول في العصور الحديثة محددات انتخابات، مثلاً اشترطت بعض الدول أنَّ التعليم شرط للمشاركة في الانتخابات, وبعض الدول جعلت هذا الحق الزاميًا كما في البرازيل وبلجيكا. وبعض الدول اعتمدت الديمقراطية المباشرة كما في بعض الولايات السويسرية.

الانتخاب في القوانين والمواثيق الدولية:

نصت جميع المواثيق الدولية على حق الانتخاب، وعدّته حقًا أساسيًا من حقوق الانسان، إذ ورد في:

  • الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام (1949) في المادة (21) منه، والتي نصت على حق المشاركة في الحكم والشؤون العامة، مع إشارة خاصة إلى دور الانتخابات في تأمين قاعدة السلطة للحكم.
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966 في المادة (25) منه، إذ نصت على حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة عن طريق الانتخابات، وحق المواطن في أن تتاح له فرصة التمتع بها.
  • الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري عام 1979، والتي طالبت بالمساواة بين الرجل والمرأة في حق الانتخاب.
  • الميثاق العربي لحقوق الانسان عام 2004، إذ تضمن هذا الميثاق حق المواطن في حرية الممارسة السياسية، والمشاركة في إدارة الشؤون العامة أما مباشرة أو عن طريق ممثلين منتخبين بطريقة حرة ونزيهة، وأن تتاح له فرصة متساوية مع الجميع.
  • مؤتمرات السكان وإعلان القاهرة بخصوص حقوق الانسان في الإسلام.

حق الانتخاب في الدستور العراقي لعام 2005:

الفصل الثاني للمادة (أولاً / 4)، الانتخاب حق لكل عراقي ممن توفرت به الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المعتقد أو المذهب أو الرأي أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وبما أنَّ الفصل الثاني فصل غير قابل للتعديل، وتعد الحقوق الواردة به حقوقًا لصيقة بالفرد العراقي، لا يمكن إلغاؤها أو التجاوز عليها أو تعديلها، لذا فقد أولى الدستور العراقي أهمية قصوى للانتخاب، كونه الآلية التي تحقق الاستقرار السياسي، عن طريق اختيار ممثلين عن الشعب بكل شفافية ونزاهة ومساواة، كما نصَّ على ذلك الدستور.

ماذا يعني الامتناع عن التصويت في الانتخاب:

هناك حالتان، الأولى هي الإحجام عن المشاركة عن طريق مقاطعة الانتخابات استخداماً للحق الشخصي، ولكن عندما يكون بتوجيه فهو يعبر عن رأي سياسي مبني على عدم القناعة بالانتخابات كوسيلة لإدارة الدولة، أو عدم الثقة بطريقة أدائها ومخرجاتها. أمّا الحالة الثانية فهي مشاركة سلبية تقدم أوراقًا بيضاء للتصويت، أو افشال ورقة الاقتراع عن طريق اختيار أكثر من مرشح أو وضع علامة. فهل استخدام حق المقاطعة يؤثر في شرعية الانتخابات، أم يعطي فرصة لا تعوض لبعض القوى بالتفرد بالساحة، وأن يكون هناك تمثيل ناقص؟ علماً أنَّ دساتير كثيرة كالدستور العراقي، لا تضع حدودًا لنسبة المشاركة لاعتماد الانتخابات. قطعاً عندما يكون التمثيل مقتصرًا على فئة محددة من الشعب، سيكون تمثيلاً معاقاً لا يعبر عن حقيقة المشاركة الديمقراطية الواسعة، والتي هي أساس نجاح الديمقراطية النيابية.

الخلاصة:

في نظرة فاحصة على ما سبق، نجد أنَّ هناك إلزامًا دستوريًا بإجراء الانتخابات والتأكيد على المشاركة بها، لتمثيل الشعب كل الشعب، دون أن يكون ذلك مقتصرًا على فئة معينة اجتماعية أو سياسية، كون سلطة إدارة الدولة كلما اتسعت الدائرة التي تؤيدها أو التي اختارتها، كانت أكثر مقبولية وأكثر واقعية وقربًا من طموحات الشعب، وهي في النتيجة ستكون ممثلة لكل الشعب، مما يعطيها زخمًا لأداء متميز، وكلما كانت نسبة المشاركة واطئة، كان الأداء سيئًا والخيارات سيئة.

لذا يعد الحق في الانتخاب ملزمًا وطنياً، وإن لم يكن ملزمًا دستوريًا، لكن مصلحة الأمة تتطلب مشاركة فاعلة، لإنتاج سلطة واعية ومنتجة.