م. حسين باسم
رئيس قسم الدراسات السياسية / مركز الدراسات الاستراتيجية
حزيران 2022
لم يكتفِ الصدر بالتفوّق العددي لأعضاء كتلتِه النيابية في مجلس النواب العراقي، فقرر أن يتفوق أخلاقيا.
في الواقع، يعدّ الباحثون المتخصصون في الشؤون الاستراتيجية، أنَّ امتلاك “السلطة” و”المال” و”السلاح” و”النفوذ” أهم العناصر في سبيل تحقيق المكتسبات السياسية ضمن أنماط الصراعات الحديثة، بل حتى ضمن صراعات ما قبل الحداثة وفي عُمق التاريخ.
في حين يُعدُّ “الـتـفـوّق الأخـلاقـي” حجر الزاوية ضمن أنماط صراعات “ما بعد الحداثة”. إذ إنَّ مسرح عمليات صراعات ما بعد الحداثة، يجري “داخل العقول” وليس في ميادين “السلطة” و”المال” و”السلاح” و”النفوذ”!
وتبعا لذلك، بات المتخصصون في الشؤون الاستراتيجيةينظرون إلى الصراعات الحديثة على أنها أنماط تقليديةقديمة وقليلة الجدوى في عالم اليوم.
إنَّ صراعات ما بعد الحداثة يصفها اللواء العسكري المصري “سمير فرج”، بأنَّها: “حرب العقول“، في حين يصفها الجنرال البريطاني “روبرت سمِث“، بأنَّها:“حروب بين الناس“ تستهدف تغيير الرأي العام لدى جمهور الخصم بدلا من سحقهم للتخلص منهم.
وتبعا لذلك، تتضاءل أهمية مكر السلطة واغراءات المال وقهر السلاح، كأدوات وعناصر في سبيل تحقيق المكتسبات السياسية ضمن صراعات ما بعد الحداثة، أمام محورية ومركزية “الـتـفـوّق الأخـلاقـي” الهادف الى توجيه“الرأي العام“ وتغييره، لكونه “مركز الثقل” في الصراع.
وفي هذا الصدد، يُعد تنازل الصدر عن استحقاقات كتلته – الفائزة بالمرتبة الأولى– ضمن انتخابات 2021 لمصلحةالكتل السياسية الأخرى، واستقالة أعضاء الكتلة الصدرية من مجلس النواب العراقي، وعزوفهم عن مغريات السلطة والمال والنفوذ، درسًا بليغًا في “التفوق الأخلاقي“ عن طريق إيثار المصلحة العامة على المصالح الخاصة الضيّقة. وذلك عبر منح فرصة الانفراج لما بات يعرف بـ “الانسداد السياسي” الناجم عن الخارطة النيابية الحالية ضمن مجلس النواب العراقي، الذي شهد التفوق العددي لأعضاء الكتلة الصدرية. إذ إنَّ استقالة نواب الكتلة الصدرية سوف يسهم في إعادة رسم الخارطة النيابية بشكل يؤمّل منه فك الانسداد أمام تسمية رئيس الجمهورية وانتاج حكومة كاملة المسؤولية. وهو سلوك يحافظ على الاستقرار ويسهم في تمتين التماسك المجتمعي المتصدع، ويحول دون الانزلاق الى حافة الهاوية.
ويبدو، وفقا لهذا الموقف، أنَّ السيد الصدر ترك باقي الكتل السياسية، يخوضون صراعاتهم ضمن قواعد “الصراعات الحديثة” التقليدية، منهمكين في البحث والتمسك بـ “السلطة” و”المال” و”السلاح” و”النفوذ”، وانتقل منفردا في طريق الإصلاح الذي يدعو له، إلى انتهاج قواعد “صراعات ما بعد الحداثة” عند مواجهة خصومه السياسيين، من خلال “الـتـفـوّق الأخـلاقـي” عبرالتنازل والإيثار، وهو الأول من نوعه في تاريخ الدولة العراقية الحديثة.