المؤلف: د. افشین زرگر
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
عرض وتحليل : م. علي مراد النصراوي
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط
https://www.cmess.ir/Page/View/2020-12-23/4626
ان العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي شائكة ، وفي سبيل تحليل خفاياها لا بد من توجيه الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها:
كيف يتم تحليل موقف الاتحاد الأوربي من تركيا في ظل التوترات الأخيرة ومسألة العقوبات التركية؟
لطالما تم الاعتراف بتركيا باعتبارها قضية مهمة وخطيرة بالنسبة للاتحاد الأوربي ، وكما قال جوزيف بوريل ، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد ، فإن العلاقات مع تركيا قد تظل التحدي الأكبر للاتحاد الأوربي في عام 2021 . لكن كيف أصبحت تركيا قضية خطيرة بالنسبة للاتحاد ؟ مما لا شك فيه أن مثل هذا الشيء لم يحدث فجأة وبدون مقدمات. والحقيقة أن الجانبين تحركا في اتجاه الريبة والبعد عن بعضهما البعض عقب الأحداث والتطورات المختلفة.
يمكن النظر إلى منتصف العقد من التسعينيات على أنه تتويج للتقارب بين الجانبين ، ولكن لم يحدث إلا بعد بضع سنوات من بداية القرن الحادي والعشرين حيث اصطدمت حكومة أردوغان الجديدة وحزبه السياسي ، العدالة والتنمية ، مع الاتحاد الأوربي وبدأت الخلافات حول قضايا مختلفة وازدادت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
اذ بدأ كلا الجانبين يشعر بتوتر العلاقات على اثر الخلافات بقضايا عدة : فتركيا تشعر بالغبن والتسويف والمماطلة من قبل الاتحاد الاوروبي فيما يخص الانضمام اله ، في مقابل ذلك انها تتساهل مع دول هي ليست بمكانة تركيا وتشرع لها ابواب الدخول في الاتحاد كما هي قبرص ، كما وان رؤية اوربا للتطورات السياسية في تركيا لاسيما في أعقاب الانقلاب الفاشل قد تغيرت كثيراً اضافة الى التوترات في الجوانب السياسية والأمنية بالرغم من وجود تركيا ضمن حلف الناتو ، يضاف الى ذلك موقف اوربا من القضايا العرقية وحقوق الإنسان في تركيا ودائما ما تبدي تحفظاتها بخصوص هذا الملف لاسيما التعامل مع الملف الكردي، والأهم من ذلك موقفها من مصالح تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط فضلاً عن الدعم غير المحدود لليونان .
لكن الاتحاد الأوربي ، الذي لم يكن قادرًا على الإطلاق في قبول تركيا كعضو عادي ، يبدي جملة من الاعتراضات والاعذار التي تحول دون قبوله بانضمام تركيا منا ان تركيا لا تلتزم بالمعايير الأوربية ، ودائما ما تستخدم قضية طالبي اللجوء كأداة للضغط على أوروبا وابتزازها وتطرح ورقة فتح اللجوء وتدفق المهاجرين وتستخدما كأداة ضغط للقبول بسياساتها، وتتبع سياسات وإجراءات تدخليه في مناطق مختلفة ، لا سيما شرق البحر المتوسط والقوقاز وشمال إفريقيا ، والتي تتعارض مع المصالح والمواقف الأوربية. كما وانها تعارض أفعال وتوجهات تركيا في سوريا وليبيا والعراق وناغورنو كاراباخ والصراع بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان بشكل صارخ لكونها تتعارض مع السياسات والمصالح الأوربية ، وتحولت تركيا من حليفًا غربيًا عاديًا مطيعًا تمامًا إلى دولة صعبة ومقلقة لأوروبا والغرب ككل. . كل هذا يتسبب في أن تكون العلاقات بين الجانبين مليئة بالتوتر والمطبات في السنوات الأخيرة ، وأحيانًا نشهد تصاعد في حدة الخطاب بين الجانبين .
ومع ذلك ، يستخدم الكاتب مصطلح “قريبة جدًا / بعيدة جدًا” لوصف العلاقة بين الجانبين، نعم ، لا تزال تركيا وأوروبا قريبين جدًا من بعضهما البعض ، وهذه حقيقة لها جذورها في عقود من العلاقات الثنائية (منذ أتاتورك) وخاصة عضوية تركيا في الناتو في الخمسينيات من القرن الماضي . لطالما نظرت تركيا إلى أوروبا والغرب وحاولت تقديم نفسها كجزء من أوروبا وبناء هوية غربية وأوروبية لنفسها. على الرغم من أن تركيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوربي ، إلا أنها فضلت حياتها بين الدول الأوربية ، وهذا ليس خيارًا يمكن للجانبين تجاهله بسهولة .
لكن يمكن أيضًا فحص وجه العلاقات الثنائية بين الجانبين، تركيا وأوروبا بانهما متباعدتان ، وأحيانًا بعيدان جدا . فتركيا لاعب عادي بالنسبة لأوروبا ، تريدها الاخيرة ان تبقى في هذا القالب، وإبقاء قدرة تركيا على فرض نفس الوضع الطبيعي مقارنة بالقوى الأوربية.
لكن بسبب توجهها الشرقي وقربها من الشرق الأوسط ، فعندما تدخل اللعبة في هذا المشهد تزداد ثقتها بنفسها وتجد نفسها أقوى. لا يمكن لتركيا أن تنأى بنفسها عن طابعها الشرقي ، لكن هذا الاهتمام يبعدها عن أوروبا. فكلما زاد عمل تركيا في الشرق ، كلما ابتعدت عن أوروبا ، و في السنوات الأخيرة لا ينبغي تجاهل هذه الحقيقة في العلاقات الثنائية .
باختصار ، كلا الجانبين قلق ومنزعج من الاخر ، لكن الاحتياجات المتبادلة وعقود من العيش معًا والسعي لتحقيق أهداف مشتركة تمنعهما من الانفصال التام عن بعضهما البعض. أوروبا تعاقب تركيا أحياناً وتتودد أحياناً. من ناحية أخرى ، لا يراد السماح لتركيا بالوقوف ضد النظام الأوربي بعد الآن وتحدي مصالحها ، ومن ناحية أخرى ، هم يعلمون أن الكثير من العقوبات ستبعد تركيا عن أوروبا والغرب وتقربها من منافسين مثل الصين وروسيا، وفي ذلك تكاليف خطيرة ، تدفق اللاجئين واحدة منها .
ما الذي تسعى إليه تركيا في متابعة هذه السياسات التنموية؟
وفقًا للنظرية الواقعية الجديدة العدوانية ، ان نمو عوامل القوة الوطنية لدولة ما ، يجب أن نتوقع منها اتباع سياسات أكثر طموحًا وأعمالًا توسعية. تركيا اليوم هي بالفعل قوة إقليمية ، قوة يمكنها ، على عكس الماضي ، الوقوف في وجه أوروبا ورفضها. اعتمدت هذه الحقيقة في مواقف هذا البلد تجاه ناغورنو كاراباخ والصراع بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان ، والتحركات في الجزء التركي من قبرص ، واستكشاف موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط والمناورات العسكرية في هذا المجال ، والأعمال العسكرية في سوريا والعراق وليبيا ، إلخ. يمكن رؤية الموقف المتشدد ضد دول مثل فرنسا ، والمشتريات العسكرية من روسيا ، وخاصة منظومة الدفاع الصاروخي أس400،وغيرها من الأمثلة.
يرى الكاتب ان تقوم تركيا بتوسيع مصالحها الإقليمية وغبر الإقليمية بما يتناسب مع زيادة القوة الوطنية والوصول إلى موقع قوة إقليمية ، وتلعب دورًا بثقة أكبر بالنفس . بالطبع ، تركيا تدرك بلا شك مصير سلفها ، الإمبراطورية العثمانية ، وبما أنها تشعر بأنها متفوقة على ذاتها ، فهي تدرك جيدًا أنه كلما كانت هناك فجوة بين قدرات الدولة المختلفة وطموحاتها الدولية ، قد يؤدي هذا الامر الى بداية سقوطها وانهيارها.
لقد استخدم مصطلح “الانتقام” منذ سنوات عديدة لوصف السياسة الخارجية لروسيا ، ولبعض الوقت كان الكاتب مهتمًا، بشدة باستخدام هذا المصطلح لوصف تركيا وسياستها الخارجية. فالسياسة الخارجية التركية الحالية انتقامية. سواء قبلنا بالعثمانية ، أو قدمنا تركيا كقوة إقليمية جديدة ومهمة ، أو اعترفنا بها كلاعب نشط في النظام الجديد من حولنا. وذلك يتأثر بثلاثة عوامل:
- الحنين (شعور كبير بالاهتمام بالماضي المجيد)
۲. التوسعية وزيادة مجال النفوذ وتمددها مع آثار الضم (اللحاق)
- الانتقام (من الماضي الذي حوّل تركيا من إمبراطورية عظيمة إلى دولة عادية)
حيث ان تركيا وضعت سياسة خارجية عدوانية وناشطة ومتحدية وخطابًا بلاغيًا على جدول أعمالها .
وهذه رسالة كبيرة، فحواها تصاعد المواجهة والصراع والتوتر في علاقات تركيا مع الخصوم الإقليميين. وهذا هو المبدأ الأساسي لسياسة القوة. يجب أن تؤخذ تركيا على محمل الجد ويبدو أن أوروبا ادركت هذا الامر .
هل الإجراءات الأوربية تردع سياسات أنقرة؟
بشكل عام ، يمكن القول إن أوروبا تنتهج نوعًا من الموقف “المنحرف” تجاه تركيا. كما ذكرنا ، ليس إهمالا ولا لصعوبة الرد عليها. لا يتم تطبيق العقوبة على عدو بل على صديق قديم. يجب معاقبة تركيا إلى الحد الذي تظل فيه ملتزمة بالتعامل مع أوروبا والغرب ، بدلاً من دفعها إلى النقطة التي تحتضن فيها خصوم الغرب العالميين ، الصين وروسيا. من المرجح أن تستمر هذه السياسة الملتوية حتى تتولى حكومة جو بايدن الديمقراطية السلطة في الولايات المتحدة ، وبعد ذلك سيتعين على تركيا أن تكون أكثر مرونة مع الاتحاد الأوربي .
بعد كل شيء ، أصبحت تركيا تحديًا كبيرًا ليس فقط لأوروبا ولكن أيضًا للجهات الفاعلة الإقليمية في الشرق الأوسط ووسط أوراسيا ، ونحن بحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على سلوكها . فتركيا أكثر ثقة وطموحًا وتحديًا ونشاطًا وغموضًا وتجنبًا للمخاطر وقصر النظر ، مما يجعلها جهة فاعلة متقلبة وخطيرة .
تحليل :
لا شك في ان تركيا اليوم هي ليست بتركيا قبل عشرون عاماً فهي اليوم باتت في مصافي الدول الاقتصادية والصناعية ، كما وانها تمتلك قدرة عسكرية كبيرة ، فتركيا في عهد الرئيس اردوغان عملت على تصفير المشاكل الداخلية حتى تتفرغ لصراع الخارج والتوسع شرقا وغربا وفي الوقت ذاته توجه رسالة للاتحاد الاوربي باننا باقون ونزداد قوة يوماً بعد يوم حتى ونحن خارج الاتحاد الاوربي ، فتركيا اليوم باتت تهدد اوربا بإعادة ملف فتح الهجرة بأية لحظة اذا ما عارضت اوربا سياساتها ، كذلك هي تتوسع في مناطق كانت ضمن المستحيل كما في سوريا وشمال العراق وليبيا وقاعدة في قطر واذربيجان ، اضافة الى الاستكشافات والتنقيب في قبرص والبحر المتوسط ، ايضا هي تعمل بود مع روسيا والصين وايران في اشارة منها على قدرتها بالتخلي عن اوربا وحتى امريكا او انها تناور بهذا الملف للحصول على ما تريد ، ويبدو ان الاتحاد الاوربي الذي كان ينتقد سياسات تركيا الداخلية بدأ اليوم ينتقد سياساتها الداخلية والخارجية وهو ما يدلل على اتساع الفجوة ما بين الاثنين ويبعد نظرية الانضمام للاتحاد الاوربي كثيراً عما كانت.