الباحثة : م. هناء جبوري محمد – قسم الدراسات القانونية – مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء – 30/3/2021
يعد إقرار مشروع قانون الموازنة العامة من قبل السلطة التشريعية الوسيلة الاساسية التي تجعل الأموال متاحة للإدارات العامة الحكومية، من أجل القيام بالواجبات والمهام المنوط بها تنفيذها خلال السنة المالية وحتى يتسنى للمرافق العامة أن تسير بانتظام واطراد. وقد تعددت آراء الفقهاء حول تعريف مفهوم إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الا إنها كلها تدور حول مغزى واحد، فقد عُرف إقرار قانون مشروع الموزانة العامة بأنه (( إقرار السلطة التشريعية للموازنة العامة، اي إقرارها لتوقعات الحكومة للنفقات والايرادات العامة لسنة مقبلة والموافقة عليها على نحو يخول الحكومة صرف الاعتمادات في الحدود المعينة من حيث الكم والغرض والمدة الزمنية وذلك وفقا للإجراءات المالية والاصول المحاسبية المقررة في هذا الشأن )) . وبما ان مشروع الموازنة العامة يتألف من جدولين، الاول: يمثل نفقات الدولة، والثاني: يمثل ايراداتها، فإن إقرار الموازنة يعني التصديق على كل من هذين الجدولين، ومن ثم فإن التصديق على الموازنة يعني اجازة مسبقة معطاة من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية بصرف النفقات وجباية الايرادات لسنة واحدة، وعلى السلطة التنفيذية أن تنفذ هذه الاجازة خلالها وتصبح بانقضائها عديمة الأثر والمفعول. إلا إن مضمون هذه الإجازة يختلف بين الانفاق والجباية، فإجازة الانفاق تعني تحديد نوعية النفقات التي ستنفقها الحكومة خلال السنة القادمة مقسمة إلى أبواب محددة وضمن حد اقصى لاعتمادات كل باب من ابوابها ، وتلغى الاعتمادات غير المنفذة بانقضاء السنة المالية . في حين الإجازة في الجباية ليست سوى تقدير لحجم الايرادات التي ستجبيها الحكومة والتي يمكن تجاوزها، اي إن للحكومة الحرية الكاملة في صرف النفقات ضمن حدود الاعتمادات المبينة في الموازنة، وأما الايرادات فهي مجبرة على جبايتها على وفق القوانين النافذة حتى لو تجاوزت حصيلتها التقديرات المذكورة في الموازنة.
ومما لاشك فيه ان مشروع قانون الموازنة العامة في أية دولة لابد ان يصدر قبل بداية السنة المالية ، ويمكن أن نتبين أهمية إقرار الموازنة العامة وعدم التأخير في انجاز ذلك من خلال المادة (57) من الدستور العراقي النافذ التي اشارت إلى عدم انتهاء الفصل التشريعي الذي تعرض فيه الموازنة العامة إلا بعد الموافقة عليها . إلا إننا نجد أن التأخير في إقرار الموازنة العامة اضحى أمرا مألوفا في العراق، ومن جملة الأسباب التي تؤدي إلى التأخير في إقرار الموازنة العامة أو عدم إقرارها من قبل مجلس النواب كما حدث ذلك في عام 2014 والاعوام 2019 ، 2020 ، يعود إلى عدم الاستقرار السياسي ، إذ إننا نجد ومنذ عقود أن السياسة هي التي تسيطر على الاقتصاد في العراق نتيجة عدم التوافقات السياسية وبالعكس تتخذ قرارات اقتصادية غير سليمة من أجل التوافق السياسي الأمر الذي انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والمعيشي في العراق ، وهو أمر لا يتناسب مع ما يتمتع به العراق من موارد وثروات طبيعية التي لو هيأت لبلد آخر لأصبح في ركب البلدان المتقدمة. إلى جانب ذلك الخلافات بين سياسة الحكومة المركزية وتوجهاتها و سياسة اقليم كردستان وتوجهاته، ومن هذه الخلافات الخلاف الاقتصادي حول الكميات المصدرة من النفط من الاقليم ، فضلا عن إن من جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى تأخر إقرار الموازنة العامة هو اعتماد العراق على الإيرادات النفطية بشكل كلي لأن ايرادات النفط غير مستقرة ويصعب توقعها ، و كلما تغيرت اسعار النفط يتم إعادة النظر في تقديرات الموازنة العامة وتعاد من قبل مجلس النواب إلى الحكومة لغرض إعادة النظر فيها. أو ربما إلى بطء الإجراءات لدى الحكومة في اعداد مشروع قانون الموازنة العامة وكثرة المناقشات والاعتراضات والمقترحات، بزيادة اجمالي النفقات من قبل مجلس النواب ومن ثم إعادة المشروع إلى الحكومة لإجراء بعض التعديلات المطلوبة ومن ثم المناقشة من جديد من قبل مجلس النواب ولجانه المختصة مما يؤدي إلى تأخر اقرار الموازنة العامة إلى ما بعد دخول السنة المالية المعنية بشهر أو شهرين و ربما اكثر من ذلك. والتأخر في إقرار مشروع قانون الموازنة العامة يؤثر على الاقتصاد العراقي من جوانب عدة منها ما يتعلق بفشل الخطط الخاصة بالتنمية الاقتصادية، وعدم امكانية تنفيذ الموازنة الاستثمارية، وبقاء جزء غير قليل من المال العام غير مستغل للمصلحة العامة، والأثر السلبي الذي يترتب على التأخير الخاص بحالة السوق والنشاط الاقتصادي على المستوى الكلي في العراق ، وعليه يتطلب الامر إعادة النظر في هذه الحالة المتكررة والمستدامة وتجاوز الأسباب المؤدية إليها، والعمل على اصدار قانون الموازنة العامة للدولة العراقية في موعده المحدد قانوناً وقبل بداية السنة الجديدة. وربما سائل يسأل ما الإجراء المناسب اتخاذه لو تأخر إقرار الموازنة العامة واستمر التأخير لأشهر عدة من دون أن يتم اقرارها ؟ للإجابة عن هذا التسأول نقول: إن المشرع العراقي عالج هذا الأمر على وفق الفقرة (3) من المادة (13) من قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (4) لسنة 2020 المعدل، إذ بين إنه في حالة عدم إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة مالية معينة تعد البيانات المالية النهائية المصروفة فعلا اساسا للبيانات المالية للسنة التي لم تقر فيها الموازنة وتقدم إلى مجلس النواب لغرض التصديق عليها. أي أن تقوم الحكومة بالانفاق على أساس موازنة السنة السابقة وفي حدود المبالغ ومعدلات الانفاق التي تمت في الماضي أي يعمل بالموازنة القديمة لحين إقرار الموازنة الجديدة. وعلى الرغم من إن المشرع العراقي وضع حلول لمعالجة تأخر إقرار الموازنة العامة فإننا نجد إن هذه الطريقة يمكن اعتمادها في الدول غير احادية المورد(النفط) أي تعتمد على موارد أخرى غير النفط، ونظراً لخصوصية النفقات والايرادات العامة في العراق بوصف إن الموازنة العامة الاتحادية تعتمد على النفط بشكل كبير وهو سلعة متقلبة ولايمكن ضمان اتجاهاتها المستقبلية خاصة ، لهذا ينبغي اضافة فقرات ضمن المادة (57) من الدستور العراقي النافذ والمذكورة آنفا تضمن إقرار الموازنة العامة الاتحادية لارتباطها بمصلحة المواطن لا فتح ثغرات تتيح للبرلمان التأخير والمماطلة في إقرارها.