الحرب الروسية الأوكرانية وملامح ظهور نظام دولي جديد في ضوء النهوض الاقتصادي للصين

      التعليقات على الحرب الروسية الأوكرانية وملامح ظهور نظام دولي جديد في ضوء النهوض الاقتصادي للصين مغلقة

الحرب الروسية الأوكرانية وملامح ظهور نظام دولي جديد في ضوء النهوض الاقتصادي للصين

أ.د عدنان حسين الخياط / باحث مشارك في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية ــ جامعة كربلاء               

    انّ التحولات التي حصلت في شرق ووسط اوروبا في نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين , قد أدّت الى تهاوي الأنظمة في عددٍ من دول هذه المنطقة , كما أنهار حلف ( وارسـو ) وتفكك الاتحاد السوفيّتي في ديسمبر 1991 . وقد عُدّ ذلك مؤشراً على نهاية نظام دولي , وهو نظام القطبية الثنائية الذي تشـكّل في أعقاب الحرب العالمية الثانية , وظهور نظام عالمي جديد يتسم بقطبية احادية .

وقد كان الاعتقاد السـائد لدى معظم كتاب النظرية الواقعية في العلاقات الدولية , بأنّ مرحلة الحرب الباردة وما آلت اليه من قطبية ثنائية قد شكّلت الاطار المناسب للتوازن الدولي وتحقيق قدرٍ مناسب من الأمن والسلام بين دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية , الاّ انّ منظري النظرية الواقعية لم يكونوا قادرين على التنبؤ بنظامٍ دولي ذي قطبية احادية واستمراره , فقد كان السـؤال : هل بأِمكان نظام القطبية الاحادية الاستمرار من وجهة النظر الواقعية دون أن يتمكّن النظام الدولي من اعادة توازنهِ من جديد ؟ وجاء الجواب من ( كينيث والتر ) وهو أحد كتاب النظرية الواقعية , بأنّ النظام الدولي لابد أن يُعيدَ توازنهُ ولو بعد حين][1][ , فبحسب ( والتر ) انّ حالة الاستقرار في النظام الدولي لا يمكّن أن تسـتديم من خلال قطبية احادية وانّ عوامل القوة باتجاه نظامٍ دولي متعدد الأقطاب من شأنها أن تتشـكّل من جديد وبعوامل دافعة تحدّثُها حالة الاختلال في التوازنات الدولية والتصرفات التي يُنشــئُها نظام القطب الواحد , كما انّ سـعيّ القوة الاحادية المهيمنة ومحاولتها التمدد خارج نطاق حدودها من شأنهِ أن يشجع دولاً أخرى , كالصين وروسيا واليابان لكي تأتلف من أجل اعادة التوازن للنظام الدولي . وكان عددٌ من كتاب الواقعية في العلاقات الدولية قد توقّعوا حصول تغيّراتٍ مهمة في النظام الدولي , ومنهم (كريسـتوفر لايّن) الذي توقّع بأنّ النظام الدولي القائم على أساس القطبية الاحادية سوف لن يتجاوز عام 2030 .

لقد كان من المنتظر أن تساعد التحولات في النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة على احداثِ تغييراتٍ جذرية في العلاقات بين القوى الكبيرة وانهاء حالة الصراع الدولي ومبررات سـباق التسـلح التي أوجدتها مرحلة الحرب الباردة , كما كان يفترض وفقا لنظرية ( ميزان القوى والتوازن الاستراتيجي ) التي كانت سائدة ً خلال الحرب الباردة , أن يؤدي تفكك الاتحاد السوفيّتي وحلف ( وارسـو ) الى تفكك مقابل لحلف شمال الأطلسي ( الناتو ) , الاّ انّ مرحلة العولمة وما تطلبهُ التحوّل نحو نظام القطبية الاحادية ولكي تستطيع الولايات المتحدة فرض هيمنتها على قضايا السياسات الدولية والنظام الدولي بما ينسجم مع مصالحها , قد جعلّ المعنيين بمركز القرار الأمريكي يتمسكون ببقاء حلف ( الناتو ) , كما جعلّ المنظرين للسياسة الأمريكية ونشر مفاهيم العولمة حول العالم , يغيّرون من طروحاتهم السابقة المتعلقة بمبررات تأسيس التحالفات والتي استندّت الى تحقيق توازن القوى والتوازن الاستراتيجي , حيث طرح الكاتب الأمريكي ( سـتيفن والت ) في كتابهِ ( أصل التحالفات ) ما يعرف ب ( نظرية ميزان التهديد ) في عام 1987  والتي اعتبرها استكمالاً لنظرية توازن القوى . وبحسب هذه النظرية فانّ تحقيق التوازن في النظام الدولي يُعدّ نزعة ًمتأصلة في سلوك الدول , ولكن ليس من خلال القوة المتمثلة بعناصرها المادية فقط والتي تُمثُل أحد عوامل التهديد  , وانمّا أيضا من خلال مجموعة من العوامل الأخرى التي يمكّن أن تشكّل تهديداً , كالقرب الجغرافي والنوايا العدوانية والقدرات الهجومية التي يمتلكها الطرف الآخر . ومن ثم فانّ ( والت ) قد وســّع مفهوم نظرية توازن القوى والمبررات التي تدفع الدول الى تأسيس التحالفات من أجل الوصول الى حالة مناسبة من التوازن بين الأطراف المكوّنة للنظام الدولي . ووفقاً لذلك فانّ انتهاء مرحلة الحرب الباردة بحسب نظرية ميزان التهديد لا يعني انتهاء التهديدات والمهمات التي يضطلع بها ( حلف الناتو ) , وبذلك فقد تم ايجاد أدوارٍ جديدة لحلف الناتو وفق ما تتطلبهُ المتغيّرات الدولية , ولاسيما ما يتعلق بالمصالح الأمريكية ومتطلبات القطبية الاحادية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة .

لقد كانت الرغبة الأمريكية , على وجه الخصوص , كبيرةً في استمرار ( حلف الناتو ) بعد أن تفكك ( حلف وارسو ) في اطار ما خُطط لهُ من أدوارٍ جديدة اعتباراً من عقد التسعينيات من القرن الماضي , ومن جملة هذه الأدوار تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا , كذلك احتواء دول شرق ووسط أوروبا ومحاولة ابعادها عن الاتحاد الروسي وربطها ب ( حلف الناتو ) , فضلا عن احتواء روسيا الاتحادية ومنعها من أن تلعبَ دوراً مهماً على الصعيدين الأوروبي والدولي . فلقد كان ( حلف الناتو ) يتألف عند تأسيسهِ في عام 1949 من ( 12 ) دولة , وانضمّت اليه بعد ذلك العديد من الدول مثل تركيا واليونان في عام 1952 , والمانيا الغربية في عام 1955 , واسبانيا في عام 1982 . في حين لم يتم تأسيس ( حلف وارسو ) الذي تفكك بتفكك الاتحاد السوفيتي , الاّ في عام 1955 على أثر انضمام المانيا الغربية الى الناتو , كما انضمّت المانيا الشرقية الى الناتو بعد انهيار جدار برلين وتأسيس دولة المانيا الاتحادية في عام 1990 , حتى بلغ عدد الدول التي انضمّت الى حلف الناتو في المرحلة التي أعقبّت تفكك الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو (15) دولة , وهو ما يمثّل نصف العدد الكلي لدول ( حلف الناتو ) .

انّ فكرة ( ميزان التهديد ) ومسـوّغاتها بعد الحرب الباردة قد دفعت باتجاه تمدد ( حلف الناتو ) نحو محورين جديدين كانا في السابق محسـوبين على الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية , وقد شـملّ المحور الأول دولاً في شرق أوروبا  كانت في الأصل ضمنّ ( حلف وارسو ) الذي كان يتزعمهُ الاتحاد السوفيتي السابق , ومن أمثلتها جمهورية التشيك والمجر وبولندا التي انضمّت الى الناتو في عام 1999 , في حين شـملّ المحور الثاني عدداً من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق , كلتوانيا واستونيا ولاتفيا , وغيرها من دول ( حلف وارسو ) والتي انضمّت الى الناتو أيضاً في عام 2004 . وقد أسفر هذا التمدد الذي حققهُ الناتو نحو الشرق , أن يصبحَ عدد الدول التي انضمّت اليه (30) دولة بعد انضمام مقدونيا في عام 2020 . وقد شــكّلت هذه التطورات أحد الدوافع لنشوب الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية شباط 2022  في ظل حالة عدم التوازن الذي أصاب النظام الدولي واقتراب القواعد العسكرية لحلف الناتو من عتبة حدود الاتحاد الروسي .

لقد ساعدت حالة التوازن في النظام الدولي ابّان مرحلة الحرب الباردة على ايجاد الحلول للعديد من الأزمات الدولية ومنع نشوب الحروب , سواء بين القوتين العظمتين أو على الدول المحسوبة على كِلاّ المعسكرين الشرقي والغربي في تلك الحقبة الزمنية . ونشير في هذا المجال الى أزمة الصواريخ الكوبية التي تم نشرها من قبل الاتحاد السوفيتي السابق في كوبا عام 1962 بعد فشل عملية ( خليج الخنازير ) للاطاحة بنظام ( كاسترو ) برغبةٍ ودعمٍ من الولايات المتحدة والتي وضعت العالم على أعتاب حربٍ نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي , وكيف انّ الجهود الدبلوماسية الروسية والأمريكية في ذلك الوقت تمكّنت من نزع فتيل نشوبِ حربٍ بين القوتين العظمتين وحماية كوبا من الغزوّ الأمريكي .

وعلى صعيد دور الصين في النظام الدولي , فقد اتبعت نهجاً هادئاً في التعامل مع الأزمات الدولية , وكان تركيزها خلال المراحل السابقة على تكثيف الجهود من أجل تعزيز سياسات الاصلاح والانفتاح الاقتصادي على العالم . ومن ثم فقد احتلت التنمية والرغبة في احراز معدلات عالية للنمو الاقتصادي أولوية واضحة ضمن أولويات السياسة الصينية , وتطلب ذلك ترشيد الانفاق العسكري دون المساس بكفاءة وفعالية قدرات الردع العسكرية لحماية المنجزات التنموية , وبذلك فقد ازداد حجم الانفاق العسكري وفق معدلات متوازنة مع تراجع نسـبتهُ من الناتج القومي الاجمالي في ظل النموّ الاقتصادي المضطرد . فبعد أن كانت نسـبة الانفاق العسكري الى الناتج القومي الاجمالي تشكّل 3,2% في عام 2005 , انخفضّت الى 2,4% في عام 2009 مع تمكّن الصين من زيادة انفاقها العسكري واحراز تطوراتٍ كبيرة في قدراتها العسكرية , فضلا عن سعيّ السياسة الصينية أن يكونَ للمؤسسة العسكرية دورٌ اقتصادي من خلال ادارتها لعددٍ كبير من المؤسسات الانتاجية والتجارية][2][

لقد أصبحت الصين أكثر اهتماماً بمعالجة المشاكل المحيطة بها , ومن ذلك مشكلة تايوان وتعزيز الوجود الصيني في بحر الصين والمشاكل المتعلقة بالتنقيب عن النفط في المناطق البحرية المتنازع عليها ,  الى جانب سعيّ الصين نحو التطلع أن يكونَ لها دورٌ أكبر في النظام الدولي يتناسب مع المستوى الذي وصلت اليه في ميادين التطور المختلفة , ويدخل في هذا الاطار تصاعد حالة التنافس بين الصين والولايات المتحدة في ظل استمرار الهيمنة الأمريكية , ممّا أدى الى زيادة اهتمام الصين بتعزيز قدراتها العسكرية في ضوء الاندفاع العالمي والولايات المتحدة نحو زيادة نفقاتها العسكرية . فبحسب احصاءات ( معهد سـتوكهولم الدولي لأبحاث السلام ) , فانّ الانفاق العسكري العالمي قد ارتفع الى ( 1980 ) مليار دولار في عام 2020 محققا نسبة زيادة قدرها 2,5% عن عام 2019 , وقد جاءت الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا وبريطانيا في قائمة أكبر الدول انفاقاً في المجال العسكري , وشكّل انفاق هذه الدول الخمس نحو 62% من اجمالي الانفاق العسكري العالمي في عام 2020][3][

وفي نطاق المقارنة , فقد بلغ الانفاق العسكري الأمريكي نحو ( 778 ) مليار دولار في عام 2020 , بزيادة بلغت نسبتها 4,4% عن عام 2019 , وشكّل هذا الانفاق نسبة 39% من اجمالي الانفاق العسكري العالمي , في حين بلغ الانفاق العسكري الصيني نحو ( 252 ) مليار دولار والذي يُعدّ الثاني بعد الولايات المتحدة وبنسبة 12,7% من اجمالي الانفاق العسكري العالمي , محققا في ذلك زيادة بنسبة 1,9% مقارنة بعام 2019 ونسبة زيادة متتالية اجمالية بلغت 76% خلال المدة 2011 ــ 2020 , وهو ما لم تحققهُ أية دولة وفق هذه النسبة من الزيادة . ويمكّن الاستنتاج من خلال ذلك بأنّ معدل الزيادات المتتالية للانفاق العسكري الصيني سوف يُمكّنها من زيادة تطوير قدراتها العسكرية المختلفة وبلوغ مراتب الانفاق العسكري الأمريكي بمدةٍ أقصر وفق هذا النمط من معدل الزيادة الذي أصبح يحظى بهِ الانفاق العسكري مدعوماً بتطوّر القدرات التقنية والاقتصادية التي أصبحت تحققها الصين . ومن جانبٍ آخر فقد جاءت الهند في المركز الثالث عالمياً من حيث حجم الانفاق العسكري , اذ بلغ هذا الانفاق ( 72,9 ) مليار دولار في عام 2020 وبنسبة 3,7% من اجمالي الانفاق العسكري العالمي .  كما بلغ الانفاق العسكري الروسي ( 61,7 ) مليار دولار وهو الرابع عالمياً في عام 2020 وبنسبة 3% من اجمالي الانفاق العسكري العالمي , في حين بلغ الانفاق العسكري البريطاني ( 59,2 ) مليار دولار بنسبة زيادة 2,9% عن عام 2019 , وهو الخامس عالميا خلال عام 2020 .

وعلى صعيد التحولات الاقتصادية العالمية , فقد استطاع الاقتصاد الصيني تحقيق معدلاتٍ عالية من النموّ والتطوّر الاقتصادي خلال السنوات الماضية ما لم يسـتطع تحقيقهُ أيّ اقتصادٍ آخر في العالم , كما سعّت الصين الى تأسيس عددٍ من المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الاقليمي والدولي , ومن ذلك ( البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية ) والذي ضمَّ عدداً كبيراً من دول العالم من أجل التعاون في مجال الاستثمار وتطوير مشاريع للتنمية والبنى التحتية في بلدانهم , كمؤسسة موازية ومنافسة للدور الذي يمارسهُ البنك الدولي في مجال الاستثمار على الصعيد العالمي .

كذلك من المنطلقات الاقتصادية الاستراتيجية التي سعّت اليّها الصين , هو اطلاقها مشروع احياء ( طريق الحرير ) في اطار مبادرة ( الحزام والطريق ) التي تم الاعلان عنها في عام 2013  , حيث أصبح يضّم هذا المشروع عدداً كبيراً من الدوّل من أجل تكوين شراكات مع الصين في مجالات الاستثمار والتنمية على الصعيد الدولي وزيادة الاستفادة من الموارد المتاحة في تطوير المشاريع الاقتصادية وتوسيع نطاق خطوط امدادات الطاقة وحركة التجارة الدولية عبر الممرات البرية والبحرية التي يمكّن أن تمتّد من الأراضي الصينية الى انحاء مختلفة من دوّل العالم من خلال قيام الصين بتنفيذ عددٍ من المشاريع الاستثمارية المشتركة .

ووفقا لتقارير البنك الدولي وتقارير المنظمة العالمية للتجارة والتنمية ( الانكتاد ) , فانّ حالة النهوض والتطوّر السريع في الاقتصاد الصيني تبدو واضحة وذلك مقارنة مع الاقتصاد الأمريكي , ويمكّن أن نلحظ ذلك من خلال المؤشرات التالية ][4][ : ــ

أولا : بلغت نسبة اجمالي الادخار من الناتج المحلي الاجمالي في الاقتصاد الأمريكي 19% في عام 2020 , مقابل 45% في الاقتصاد الصيني , ويشير ذلك الى مدى الاسراف وعدم الرشادة في الانفاق القومي الأمريكي , ولاسيّما ما يتعلق بالنفقات الاستهلاكية في جانبيها المدني والعسكري .

ثانيا : بلغت نسبة اجمالي تكوين رأس المال من الناتج المحلي الاجمالي في الاقتصاد الأمريكي نحو  21%  في عام 2020 , مقابل 44% في الاقتصاد الصيني , ممّا يوضح مدى تركيز الصين على قطاع الاستثمارات كأداةٍ فعالة لتراكم حجم التطورات الاقتصادية وتحقيق معدلاتٍ عالية من النمو الاقتصادي .

ثالثا : بلغ صافي التدفقات من رؤوس الأموال الواردة من الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الأمريكي ( 211,298,00 ) مليار دولار في عام 2020 , مقابل ( 212,475,70 ) مليار دولار للاقتصاد الصيني , ممّا يضع الصين في مقدمة الدوّل الجاذبة للاستثمارات العالمية .

رابعا : بلغت نسبة القيمة المضافة لقطاع الصناعة في الاقتصاد الأمريكي ( 18% ) من اجمالي الناتج المحلي في عام 2020 , مقابل ( 37,8% ) في الاقتصاد الصيني , ويشير ذلك الى مدى الأهمية النسبية  لمساهمة الأنشطة الصناعية في تكوين الناتج المحلي الاجمالي في الاقتصاد الصيني والحد من الأنشطة الاقتصادية الرمزية غير السلعية التي يتّسع نطاقها في الاقتصاد الأمريكي .

خامسا : بلغت نسبة الصادرات في الاقتصاد الأمريكي في عام 2020 ( 10,1% ) من الناتج المحلي الاجمالي , مقابل ( 18,5% ) في الاقتصاد الصيني , حيث تُعدّ الصين الأولى عالمياً في مجال نشاط التصدير من مختلف السلع والمواد , بما فيها المنتجات عالية التقنية لما تتمتع بهِ المنتجات الصينية  من قدرةٍ  تنافسية في الأسواق العالمية ومنها الأسواق الأمريكية التي تشكّل وارداتها من الصين نسبة كبيرة من اجمالي حجم الواردات الأمريكية .

سادسا : بلغ حجم الاحتياطيات الأجنبية بما فيها الذهب في الاقتصاد الأمريكي في عام 2020 ( 628,369,72 ) مليار دولار , مقابل ( 3,357,240,88 ) تريليون دولار في الاقتصاد الصيني . ويُعدّ مثّلّ هذا التفوّق في حجم الاحتياطيات الأجنبية أحد المؤشرات المهمة التي تشير الى مدى رصانة الاستدامة المالية للاقتصاد الصيني وقدرة العملة الصينية ( اليوّان ) على أن يلعبَ دوراً أكبر في النظام المالي العالمي والمدفوعات الدولية في المستقبل , في ضوء ما يحققهُ ميزان المدفوعات الصيني من فوائض مالية مازال يُستخدم جزءٌ كبيرٌ منها في مجال الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية لدعم السيولة في ميزان المدفوعات الأمريكي بغيّة استمرار تدفقات الصادرات الصينية الى الأسواق الأمريكية , وتجنب حدوث الأزمات المالية والتي غالباً ما يكون مصدرها تزايد العجز في الميزان التجاري الأمريكي .

سابعا : بلغ الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي في عام 2020 ( 20,953,030 ) تريليون دولار , مقابل ( 14,722,731 ) للناتج المحلي الصيني . ورغمَّ ما تعرضَ لهُ الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا من ركودٍ اقتصادي , فقد بقيَّ الاقتصاد الصيني محافظاً على معدلات نموّهِ الايجابية , حيث بلغ معدل نموّ الناتج المحلي الاجمالي الصيني ( 2,3 % ) في عام 2020 بعد ما كانت معدلاتُ النموّ فيه تصلُ الى ما يزيد عن 9% سنوياً قبل الجائحة , في حين انخفضت معدلاتُ النموّ الايجابية المحدودة التي كان يحققها الاقتصاد الأمريكي قبل أزمة الركود الى نموٍّ سالب بلغ معدلهُ ( ــ 3,4% ) في عام 2020 . وتشير هذه الأرقام الى انّ الفرق الواضح  بين المعدلات التي ينموّ بها الاقتصاد الصيني مقارنة ً بالاقتصاد الأمريكي من شأنهِ أن يجعلَ الناتج المحلي الاجمالي الصيني يتجاوز الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي خلال مدةٍ  أقصر وفقا للمعطيات الاقتصادية العالمية وما نشهدهُ من تحوّلٍ في القدرات الاقتصادية للصين مقارنة  بالولايات المتحدة وانعكاسات ذلك على اعادة تشـكيل  النظام الدولي في المسـتقبل .

وبحسب مركز أبحاث الاقتصاد في الصين , فانّ حصة الاقتصاد الصيني من الاقتصاد العالمي سوف تزداد من 16,2% في عام 2019 , الى 18,1% في عام 2025 , مقابل تراجع حصة الاقتصاد الأمريكي من 24,1% الى 21,9% خلال المدة نفسها.][5][ وفي دراسة قامت بها ( مؤسسة بروغنوز السويسرية للبحوث والاستشارات ) , توقّعت انّ المدّ الاقتصادي الصيني من شانهِ أن يُفقدَ الولايات المتحدة والدول الغربية هيمنتها على العالم بحلول عام 2040 على الرغم من النهج الذي تتبعهُ الولايات المتحدة في فرض العقوبات الاقتصادية والحرب التجارية للحد من النهوض الاقتصادي في مراكز القوى الدولية المنافسـة.][6][

انّ امتلاك الصين لمقوّمات التفوّق الاقتصادي على الصعيد العالمي من شأنهِ أن يوفّرّ ظروفاً  أفضل  للتحوّل الى نظامٍ دولي يستجيب لمعطيات الواقع الجديد , باعتبار انّ القدرات الاقتصادية تلعبُ دوراً مهماً في نطاق تحقيق التوازنات في المصالح الدولية , كما انّها تُعدّ المحرّك الأساس لتطوير القدرات العسكرية وتكوين علاقاتٍ دولية لا تعتمدُ على التفوّق في المجال العسكري فقط , وانّما المجال الاقتصادي أيضاً في اعادة رسم السـمّات الجديدة  للنظام الدولي . ومن ثم فانّ ترسيخ حالة الأمن والسلام في العالم تتطلب من النظام الدولي أن يعيدّ  توازنهُ نحو عالمٍ يبتعدُ عن نظامٍ تهيمّنُ فيهِ قوةٌ عظمى واحدة , وبالاستناد الى منطق الواقعية فانّ سمّات النظام الدولي لما بعد الحرب الروسية الأوكرانية سوف لن تكونَ مثّلّ سـماتهِ لما قبل هذه الحرب , تحت تأثير ما تمخّضّ عن نظام القطبية الاحادية من نتائج , كذلك ما يمكّن أن يتمخّض عن حرب ــ روسيا | أوكرانيا ــ من نتائج , باتجاهِ احداثِ تبلوّرٍ لملامحِ نظامٍ دولي تتعدد فيه الأقطاب في ظل النهوض الذي أصبحت تحرزهُ قوى دولية جديدة من شأنها أن تساعد على تغيّير مراكز القوى الحالية وسمات النظام الدولي السائد . كما انّ نشوء تحالفاتٍ جديدة سوف يكونُ مرهوناً بتفكك أو استمرار التحالفات التي يُمثّلها القطب الواحد , ويرتبط ذلك أيضاً بمدى قدرة القوى الدولية الأساسية على اسـتمالة أو تحييد مواقف بعض الدول أزاء القضايا المتعلقة بتوازن القوى الدولية والدخول في التحالفات , مع تعزيز مبدأ الحياد الدولي الذي تم اتباعهُ من قبل بعض الدول بعد الحرب العالمية الأولى . وعموماً فانّ سيناريو نشوء تحالفٍ استراتيجي بين روسيا والصين ودولٍ ناهضة أخرى في الشرق تبدو أكثر اقتراباً وواقعية في ظل المتغيّرات الدولية لما بعد الحرب الروسية ــ الأوكرانية , وتُعدّ الصين عنصراً أساسياً ضمنّ هذه التحوّلات لما تمتلكهُ من موارد كبيرة وامكاناتٍ اقتصادية وعسكرية , وما لها من مصالح واسعة على الصعيد العالمي مقابل المصالح الأمريكية والدوّل الغربية .    

[[1]] علي الجرباوي | لورد حبش : ( النظرية الواقعية في مواجهة احادية القطبية الدولية ) , سياسات عربية , العدد (38) أيار 2019 , ص 33

[[2]]  د. نبيل سرور : ( المؤسسة العسكرية الصينية وحماية انجازات حقبة الاصلاح والانفتاح ) , الموقع الألكتروني : https : \\ www . lebarmy . gov . lb

[[3]]  غلوبال تايمز ( لا تحتاج الصين لاثبات براءة تطويرها العسكري أمام الغرب ) , الموقع الألكتروني : https : \\ www . almayadeen . net  

[[4]] البنك الدولي ( تقرير تمويل التنمية العالمية لسنة 2020 ) , كذلك ( تقرير التجارة والتنمية في العالم ــ الانكتاد ــ لسنة 2021 ) .

[5]   ( توقعات بصعود قياسي للاقتصاد الصيني بحلول عام 2032 ) | الموقع الألكتروني : https : \\ independentarabia . com

[6]  ( خيارات أوروبا مع صعود الصين على حساب هيمنة أمريكا ) , الموقع الألكتروني : https : \\ www . dw . com