م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الأزمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية
تحليل كتاب
تاريخ 23/9/2022
استوقفني كثيراً كتاب (اجتياز القرن الحادي والعشرين) للمؤلف (جوليان كريب)، والذي تم نشره عام 2017 وترجم فيما بعد إلى العربية، في طرحه الكوارث التي قد تحيق بالبشرية بأسلوب قصصي وتاريخي، وبطرحه عدة سيناريوهات لأهم المخاطر والتهديدات التي تهدد الكائنات كافة على كوكبنا، وعلى وجه الخصوص حياة البشرية، بسبب جشع الانسان وحب السيطرة والتملك على الموارد، فثَمة تحدِّيات وجودية كثيرة يتعين على الإنسان مواجهتها والتغلُّب عليها في القرن الحادي والعشرين.
وسلَّط الكاتب الضوء على أنَّ الحروب النووية قد تنشأ بسبب نقص الموارد من مياه أو معادن، كالنفط والغاز أو نقص الغذاء بسبب قلة الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة لاسيما في ظل التغير المناخي الحاد، وأنَّ نشوب حرب نووية ليس بالمستبعد، إذ بيّن أنَّ أحد المراكز الأمريكية للدراسات الاستراتيجية والدولية تنبأت بذلك بتصريحه: “من الواضح أنه حتَى الحرب النووية لا يُمكن استبعادها كنتيجة سياسية. علاوة على ذلك، يُمكن أن َ يتصاعد ما يُّسمى بـ «الحرب النووية المحدودة» في أي جزءٍ من أجزاء العالَم، ليُصبح اشتباكاً نووياً شاملاً بين القوى النووية الكبرى”. وقد تشمل تلك الحروب العديد من الدول ولأسباب متعدد، مثل:
- التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا، فكل منهما يسعى إلى إعادة مكانته في العالم كقوة عظمى.
- التوترات السياسية والنزاعات الإقليمية والنزاعات على الموارد في شرق آسيا، والتي قد تجر الولايات المتحدة والصين وربما روسيا إلى صراع.
- الصراع النووي قد يحدث بسبب غزو الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين دولة أصغر او احتلالها أرضاً جديدة، مما يؤدي إلى انتقام عسكري من جانب واحد من الدولتين الاخريين او كلتيهما.
- وقد يستفحل الأمر إلى نشوب صراع بين الهند أو باكستان جراء هجوم إرهابي أو سوء تفاهم.
- خطر نشوب نزاع نووي سني- شيعي ناتج عن سباق تسلح في الشرق الأوسط وبين دول عربية أخرى بسبب امتلاك ايران الأسلحة النووية.
- قد تمتلك العديد من الفصائل المسلحة والجماعات الإرهابية أسلحة نووية صغيرة تهدد الأمن في العديد من الدول العالم.
وذكر الكاتب: إذا كنا ننظر إلى القرن العشرين بأن حدثت فيه العديد من المجازر والحروب والابادة الجماعية عن طريق الأسلحة العادية او التقنية او النووي، مثل هيروشيما وناجازاكي، فإنّنا مقبلون على تهديدات أكثر عنفاً على البشرية في القرن الواحد والعشرين، في ظل تزايد الدول المالكة للأسلحة النووية، إذ أشار إلى أنَّ احد التنبؤات المتوقع حدوثها في قرن الواحد والعشرين هو الشتاء النووي الذي لا يسلم فيه أحد، من حجم الكوارث التي قد تصيبه جراء الكميات الهائلة من الغبار والدخان الناتجة عن احتراق المدن والغابات، التي قد تحجب حتى أشعة الشمس نتيجة تضرر طبقة الأوزون، وقد يجعل الكوكب يمر بموجات من البرد غير الطبيعية قد تصل إلى (30) درجة مئوية تحت المعدل الطبيعي، وعواصف عنيفة والتي قد تنقل المواد السامة إلى دول أخرى مما يسبب العديد من الامراض، مثل: سرطانات الجلد وفقدان المناعة ضد الامراض المعدية، ويستمر هذا الوضع المناخي إلى عدة سنوات ليعود بعد ذلك الى وضعه الطبيعي. ويتفاقم الوضع مع انهيار أغلب القطاعات الاقتصادية من زراعة وصناعة ونقل ورعاية صحية وصرف صحي وحتى الحكومات المركزية.
والآن وفي ظل ترقب وتخوف عالمي من اندلاع شرارة حرب نووية عالمية ثالثة تمس أغلب دول العالم لاسيما بعد الغزو الروسي على اوكرانيا وتصاعد الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوربي والصين. فإنَّ كل تلك المخاوف جاءت متزامنة مع التهديدات البيئية والاقتصادية والصحية والغذائية التي تهدد حياة الشعوب، فأغلب شعوب العالم تعاني اليوم من أزمات اقتصادية من ارتفاع معدلات التضخم والفقر وكساد اقتصادي يضرب أغلب الأنشطة الاقتصادية، وأزمة نقص المياه والوقود وحرائق وارتفاع درجات الحرارة ونقص الأراضي الصالحة للزراعة أسهمت جميعها إلى نقص الأمن الغذائي، فضلا عن مشكلات صحية بانتشار وباء كوفييد -19 ووباء جدري القرود والكوليرا. وإنَّ أي تصعيد حقيقي في قيام حرب نووية يعني خسارة ملايين الأرواح بين الحروب والأوبئة والجوع.