مجلس الاتحاد ضرورة للعمل التشريعي

      التعليقات على مجلس الاتحاد ضرورة للعمل التشريعي مغلقة

لقدم النظام الاتحادي في نشأته في الأنظمة الدستورية، فمن الصعب توضيح ماهية النظام دون الرجوع والتوقف عند الظروف التي أدت إلى نشأته وتطوره،فبريطانيا هي المهد الأول لنشأة هذا النظام وتطوره، ومنها انتشر في الكثير من دول العالم. وتقضي الديمقراطية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لتحقيق أهداف ومصالح أي مايعرف بالديمقراطية المباشرة، ولكن في الظروف الحالية واتساع رقعة الدولة والتزايد المستمر في أعداد السكان، أخذت الدول بمبدأ أن يختار الشعب ممثليه ليقوموا نيابةعنه بتحقيق هذه الأهداف، وهذا ما يسمى بالديمقراطية النيابية.

إنَّ نظام المجلسين كان وما يزال موضع نقاش مستمر، لما يحتويه من مزايا وعيوب وتعدد أشكال، وأول ما ظهر هذا النظام في بريطانيا الى ما قبل عام 1254م، حيث أخذتبالمجلس الواحد والذي ويتكون من (الأشراف ورجال الدين). وفي عام 1945م دعا الملك هنري الثالث فارسَين من كل مقاطعة للمشاركة في جلسات البرلمان، وتكررت هذه الدعوة وعدّت بمنزلة سوابق دستورية، وهذه السوابق الدستورية التي وجهها ادوارد الأول عام 1295م، والتي تكون بعدها البرلمان المعروف بالبرلمان النموذجي، الذي ضمّممثلين لطبقات الأمة جميعها، وكانت القرارات تصدر بأغلبية كل منهما، وسار العمل في كلا المجلسين على وتيرة واحدة،وظل المجلسان متساويين في الاختصاص حتى عام 1911م، حيث وقعت في ذلك العام أزمة حادة بين مجلس اللوردات وحكومة لويد جورج حول الميزانية، نتج عنها أن الحكومة أصدر القانون المعروف باسم (قانون البرلمان)،وهذا القانون أفقد مجلس اللوردات حق النظر في القوانين المالية، ولم يبقَ في القوانين الأخرى سوى حق الاعتراضلمدة أقصاها عامين، وضيقت سلطات هذا المجلس مرة أخرى سنة 1949م، عندما عارض مجلس اللوردات تأميم الصلب، إذ أصدرت حكومة العمال قانوناً (جديداً) هبط بالحد الأقصى للاعتراض. ثم توالى سلب السلطات الى أن أصبحت صلاحيات فخرية وليست فعلية ولاسيما إنَّعضويته لم تقتصر على النبلاء وانما أخذت تدخل شخصيات من طبقات مختلفة ولكنها قدمت خدمات كبيرة لبريطانيا، وكان تعيين هذه الشخصيات أعضاءً في مجلس اللوردات يعدّ نوعا من التكريم.

أما في بداية القرن العشرين فظهر اتجاه دستوري آخر بهدف ادخال تعديلات على مجلس اللوردات، وتكونت لذلك عدة لجان ومن ضمنها لجنة تشكلت في عام 1917 برئاسة اللورد (برايس)، إذ قدمت تقريرها سنة 1918، ثم كثر الجدل حول فكرة ازدواج المجلسين أو وحدته في تكوين البرلمان منذ ظهورها، وأي نظام تأخذه الدول، وانقسموا إلى فريقين: مؤيد ومعارض، وأهم مسائل الخلاف حولهما تتصل بعمل التشريع، والأخرى ترتبط بتوجيه السياسة العامة للدولة.

استخدم الفقهاء عدة تسميات للدلالة على المجلس التشريعي الثاني، مثل: (المجلس الأعلى) أو (الغرفة الثانية في البرلمان) أو (المجلس التشريعي الثاني) او (المجلس الثاني).

ومفاد نظام المجلسين أن يتكون البرلمان (الهيئة النيابية)من مجلسين، وقد نشأ هذا النظام نتيجة تطورات متلاحقة في النظام الدستوري الإنكليزي، فهو ليس نتاج النظريات العلمية او الآراء الفلسفية، بل كان نتيجة هذا التطور بادئ الامر مجلس اللوردات، أعقبه بعد فترة مجلس العموم، حتى أصبح في بريطانيا مجلسان نيابيان، ومقصد النظام للمجلسين: (تناط السلطة التشريعية بمجلسين حيثيشتركان هذين المجلسين في تولي مهمة التشريع بشكل رئيس، وينفرد أحدهما أحياناً في مهام أخرى من مهام السلطة التشريعية).

وعرّف مجمع اللغة العربية في القاهرة المجلس التشريعي، بأنّه: اصطلاح يطلق على النظام الذي يتكون فيه البرلمان من مجلسين نيابيين، كمجلس العموم ومجلس اللوردات في بريطانيا، والجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في فرنسا ومجلس النوّاب ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الامريكية. أمّا في العراق فمجلس الاتحاد الذي أقره دستور العراق لسنة 2005 فهل سيبقى على مسماه أم يتغير إلى واقع ملموس!

ونظراً لوجود الاختلاف في النصوص الدستورية والواقع العملي، فإنَّ وجود المجلس التشريعي الثاني ومدى فعاليته في كل دولة، يتأثر بعوامل الواقع السياسي بقدر تأثره بالنص الدستوري، ففي عدد من الدول نجد أنَّ الدستور ينص صراحة على أنَّ البرلمان يتكون من مجلسين، وفي الواقع لم يتم إنشاء المجلس التشريعي الثاني، مثالها في العراق، إذ نصت المادة (48) من الدستور على تشكيل مجلس الاتحاد، ولكن في الواقع العملي ومنذ صدور الدستور الدائم عام 2005، لم يشهد العراق مجلساً اتحاديا(المجلس التشريعي الثاني). فالهدف من تشكيل مجلس تشريعي ثاني علاوة على وجود مجلس تشريعي اول، برره بعض الباحثين كما يأتي:

اولاً: الرغبة في خلق هيئة تكبح جماح الهيئة النيابية المنتخبة، سواء في دولة فدرالية أو موحدة لكي يضمن عدم هيمنة اغلبية مستبدة على الهيئة التشريعية الأولى وحماية الأقليات فيها.

ثانياً: الشعور بضرورة إعطاء الوحدات الإقليمية للدولة، ولاسيما إذا كانت الدولة اتحادية، تمثيلاً في الهيئات التشريعية الوطنية، لضمان مشاركتها في صنع السياساتالعامة الفدرالية. إنَّ العمل البرلماني لا يعدّ مهنة مثل باقي المهن، مثل: الموظفين في القطاع العام، بل يعد هذا العمل بمثابة نوع من النيابة أو الوكالة عن أفراد الشعب ولكن لفترة مؤقتة، وإنَّ هذه النيابة تتطلب نوعا من الاستقلال، وبصفة خاصة في مواجهة باقي السلطات في الدولة، وإنَّلاستقلال النائب بحكمه مباديْ أساسية، وهي:

1. الحصانة البرلمانية (النواب غير مسؤولين جنائياً ومدنياًعمّا يبدونه من آراء أثناء مباشرتهم للعمل النيابي، وبصيغة خاصة اثناء المناقشات التي تدور في الجلسات، ولا يجوزأخذ أي إجراء بحقه في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بموافقة مسبقة في المجلس.
2. الاستقلال المالي، أما فيما يتعلق باختصاصات المجلس التشريعي الثاني، حيث يجب التمييز بينهما وبين وظائف البرلمان، لأنَّ الأخيرة هي الأعمال التي تناط بالبرلمان ومهامهالقيام بها، أمّا الاختصاصات فهي مجموع القدرات والسلطات التي يتم منحها لكلا المجلسين او واحد منهما، ويكون أمّا بالتساوي أو بدرجات مختلفة، وعلى الرغم من وجود اختلافات بين وظائف البرلمان، إلا إنّها تتشابه في عدة جوانب، من ناحية تشريعية في أغلب الدول تمنح للمجلس الأول صلاحية أوسع من الثاني ولاسيما في التشريعات المالية، وكذلك في الوظيفة الانتخابية للأول أوسع من الثاني، ويكون واضحا في النظام البرلماني في الدول التي تطبقه، حيث تنال الحكومة في هذا النظام ثقتها من موافقة المجلس الأول، وفي الغالب تمنح للمجلسين اختصاصات فتكون متساوية بالوظيفة التأسيسية، اذ يشترك المجلسان في هذه الدول في تعديل الدستور مع اختلاف درجة هذه المشاركة من دولة الى أخرى، وقد تمنح للمجلس الثاني اختصاصات قد تكون متساوية أو أوسع من اختصاصات المجلس الأول في أداء الوظيفة التنفيذية،مثال ذلك تصديق المعاهدات الدولية او الموافقة عليها معاً أو بموافقة المجلس الثاني فقط في الدول الرئاسية، وقد يتدخل في جزء من الدول باختصاصات التعيينات، مثل: قضاة المحاكم العليا وأعضاء الوزارة ورؤساء الهيئات الإدارية والسفراء، وتمنح للمجلسين معاً اختصاصات في أداء الوظائف القضائية، كالاتهام والمحاكمة البرلمانية لرئيس الجمهورية. أمّا من الناحية الرقابية فعادة يكون دور المجلس الثاني أضعف من المجلس الأول وخاصة في الدول البرلمانية، وذلك لأنّ الحكومة تكون مسؤولة فقط امام المجلسالتشريعي الأول. ويمكن أن يكون شكل الدولة له علاقة فيما إذا كانت موحدة او اتحادية، إذ إنّ الأثر في تكوين المجلس التشريعي الثاني واختصاصاته، وذلك كون الدولة الاتحادية تريد عند الاخذ بنظام المجلسين تحقيق أهدافها.

وحالياً الدول التي تطبق مجلسين هي (76) دولة،ويطلق عليه المجلس الثاني عدة تسميات، هي: (المجلس التشريعي الثاني ومجلس الشيوخ ومجلس اللوردات ومجلس الاعيان والمجلس الفيدرالي والمجلس الوطني ومجلس الشورى ومجلس الاتحاد وغيرها). وقد نشر موقع الاتحاد البرلماني الدولي (IPH) أسماء المجالس التشريعية والدول التي تطبق نظام المجلسين في العام 2015، ولم يدرج دولتين ضمن هذه الدول، وهي: العراق والكاميرون. وسمي المجلس الثاني في الكاميرون بمجلس الشيوخ وفي العراق بمجلس الاتحاد. وهناك معايير في تحقيق المغايرة والاختلاف بين تكوين المجلسالأول والثاني، حيث توجد اختلافات من حيث الشكل(التكوين والتمثيل للأقاليم والوحدات المكونة للدولوالتعيين من قبل رئيس الدولة والجمع بين الانتخابوالتعيين في اختيار المجلس الأعلى)، والمغايرة من حيث الأعضاء، ومن حيث الناخب وشروط العضوية ومن حيث مدة العضوية، ومن حيث الاختصاص وتمثيل الوظيفة التشريعية المهمة الأساسية للبرلمان، التي تتلخص بقيام المجلس باقتراح القوانين وإقرارها، والأصل في الدساتير التي تتبنى نظام المجلسين أن تمنح ممارسة الوظيفة التشريعية لكلا المجلسين، عن طريق اقتراحهما لمشاريع القوانين والموافقة عليها، كما لا يجوز إصدارأي مشروع قانون إلا إذا تمت عليه الموافقة من كلا المجلسين وبالأغلبية المطلوبة دستورياً، وهذا الأصل العام إلا إنّ معظم الدساتير لم تأخذ به، وفرقت بالاختصاصات ومنحت المجلس الأدنى سلطات أوسع من المجلس الأعلى، وذلك كونه منتخبا من قبل الشعب وممثلاً له. الاختصاص الرقابي، فأغلب الدساتير في العالم التي تأخذ بالمجلسين تمنح المجلس الأدنى اختصاصات لا تمنحها للمجلس الأعلى، مثال ذلك إثارة المسؤولية السياسية للوزارة. وأما الاختصاص المالي فمنحت الدساتير بعض الدول المجلس الأدنى حق اقتراح الضرائب وزيادتها، إضافة الى ذلك حق مناقشة الموازنة من قبل المجلس الأعلى، ونحن نرى أنّالمغايرة بين المجلسين جاءت بسبب توجه الدول نحو حق الديمقراطية، ومنح صلاحيات أوسع لممثلي الشعب في مختلف الاختصاصات، ولذلك المجلس الأدنى الكلمة العليا في إدارة سياسات الدول.

ومن ثمّ لنظام المجلسين مزايا وعيوب فإنَّ ازدواجالسلطة التشريعية في الدول سواء كانت ملكية أو ذات الطابع الجمهوري أو في الدول الفيدرالية، لا يثيرنقاشاً كبيراً، أما من حيث اعتبار هذه الدول بسيطة أو مركبة فيثير نقاشات طويلة أو خلافات جوهرية، ويظهر واضحاً في مناقشة مشاريع الدساتير فمزاياها هو تمثيل للطبقات المختلفة، ويمنع استبداد الهيئة النيابية (الواحدة)، ومنع التسرع في مسائل التشريع، ورفع مستوى الكفاءة داخل البرلمان. وهناك فائدة لبعض الكيانات الديمقراطية الحديثة في تمثيل أصحاب المهن،ويعمل على الحد من سلطات المجلس الأول أي للوصول الى نظام معتدل تضمن فيه الحريات الفردية، فلا يكون فيه سبيل للتجاوزات، وأصبح مسألة حتمية في الدول الفيدرالية، لأنه يوقف من مصلحة الدولة المركزية ومصلحة الولايات .

ومبدأ الديمقراطية السائد اليوم في العالم لا يتعارضعلى الأطلاق مع إمكانية تبني مبدأ ثنائية البرلمان وكذلك المحافظة على الفصل بين السلطات فصلاً متوازناً.

أمّا عيوب نظام المجلسين فتتجلى بأنَّ الإرادة تعد واحدة لا تتجزأ، وأنَّ أساس فكرة سيادة الأمة لا يمكن أن تمثل إلا بهيئة واحدة، وبطء العمل التشريعي وطريقة التعيين للمجلس الثاني تتنافى مع مبدأ الديمقراطية،ويشكك البعض من فائدة المجلسين من الناحية الفنية والأكثر أهمية قد تتطلب موافقة على مشروعات القوانين قبل إصدارها، وهذا قد يؤدي الى إلغاء بعض المشاريع النافعة.