الجيوش الإلكترونية – الذباب الإلكتروني – الهجمات السبرانية وتأثيرها في الأمن والسلم الدولي

      التعليقات على الجيوش الإلكترونية – الذباب الإلكتروني – الهجمات السبرانية وتأثيرها في الأمن والسلم الدولي مغلقة

الجيوش الإلكترونية والذباب الإلكتروني والهجمات السبرانية، هذه المصطلحات تخص المعلومات الإلكترونية، تستخدم أمّا الدعاية أو التسويق أو الانتقادات وشن الحملات الإرهابية أو الترهيب والتهديد، وهو جزء من سباق التسلح بالسلاح غير التقليدي، ويقوم هذا السباق على استحداث برامج إلكترونية معدة لأغراض عسكرية أو سياسية أو فكرية أو تطويرها، فتارة نشاهد طائرة مسيّرة بدون طيّار، وتارة نشاهد مواقع إلكترونية تشن حملات تسقيط أو انتقاد أو ترويج لسياسة معينة ولفكر معين. وبدأ الباحثون منذ مدة لا تتجاوز الخمس سنوات الماضية، بالبحث والتحليل القانوني وفق معطيات محدّدة، بأنَّ تهديداً ستتسبب به الهجمات السبرانية على صعيد السلم والأمن الدوليين، وبمستوى لا يقل أهمية عن أخطر التهديدات المعروفة دولياً وحسب جسامتها، وهذا ما يدفعنا للتعرّف على ماهي الهجمات السبرانية، لأنه موضوع يحتل مرتبة متقدمة في الجهد القانوني، وبالذات عند المؤسسات الدولية المتخصصة من جهة، ولقلة الأبحاث العربية ولاسيما العراقية منها من جهة أخرى. ونظرا لضيق المجال فسنكتفي بإعطاء إضاءات حول بعض المفاهيم، ونحلل بعض أحكام القانون الدولي العام، والجهود الدولية ذات الصلة بتنظيم استخدامها أما بالحظر أو التقييد، فضلاً عن الاجتهادات القضائية والفقهية التي تناولت الهجمات السبرانية.

إنَّ عدة إشكاليات ستثار عن السيبرانية، وكيف نشأت، وهل يمكن أن تصنف من ضمن وسائل القتال، وإذا كانت كذلك هل ستطبق عليها أحكام الاتفاقيات الدولية والقواعد العرفية المتصلة بسير العمليات القتالية، وكيف تعامل المجتمع الدولي مع مشكلة الفراغ القانوني المنظم لموضوع التنظيم الدولي للسيبرانية، وهل من بارقة أمل في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني والقواعد العرفية المستقرة في الأمم المتحضرة، وماذا لو استمر المجتمع الدولي بإخفاقه بإبرام اتفاقية دولية تعنى بتنظيم السيبرانية للأغراض العسكرية، هل مفتاح الحل يكمن في تدخل الدول الرائدة في التكنلوجيا ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا والصين، أم تتدخل دول أخرى بتقريب وجهات النظر.

أول من أشارة إلى مفهوم السيبرانية عالم الرياضيات نور برت وينر في عام 1948، في أثناء دراسته لموضوع القيادة والسيطرة والاتصال في عالم الحيوان فضلاً عن حقل الهندسة الميكانيكية. وفي معاجم اللغة، وردت كلمة سيبرانية في قاموس المورد وتعني علم الضبط أي ضبط الأشياء عن بعد والسيطرة عليها. وهو مصدر يتطابق مع مفهوم السيبرانية. أما القواميس المتخصصة بالمصطلحات العسكرية فلم ترجع كلمة سايبر إلى مصدرها، فعرّفتها باستخدامها الفعلي أي العسكري، بأنها: (أي فعل يستخدم عن طريق الشبكات الإلكترونية بهدف السيطرة على برامج إلكترونية أخرى أو تعطيلها. وعرّفه قاموس مصطلحات الآخر المعلوماتي بأنه: (هجوم عبر الفضاء الإلكتروني بهدف السيطرة على مواقع إلكترونية، أو بنى محمية إلكترونياً لتعطيلها أو تدميرها أو الإضرار بها).

أمّا اصطلاحاً فقسم عرّفها على أنَّها: فضاء سيبراني، وقسم تبنى مصطلح الحرب السيبراني، أمّا الأغلب فتبنوا مصطلح الجيوش الالكترونية، الذي كان قريباً من الواقع، وهو مصطلح يطلق على مجموعات مدربة، ولا يحبذ مصطلح الحرب السبرانية على مستوى التنظيم القانوني الدولي، فالهجمات السبرانية هو تصرف باختصار، أما الحرب فهو استخدام سلاح أي دون الاكتراث إلى ما تحتويه وسائل القتال وطرائقه، وإنَّ مفهوم استخدام الوسائل الإلكترونية للأغراض العسكرية (2007)، والذي عرفته القيادة الاستراتيجية الأمريكية، هي: تطويع عمليات نظام الكمبيوتر بهدف منع الخصوم مع الاستخدام الفعّال لها، فضلاً عن التسلل إلى أنظمة المعلومات وشبكات الاتصال بهدف جمع البيانات التي تحتويها وحيازتها وتحليلها، وهو يتوافق مع مضمون المادة (5) من اتفاقية مجلس أوربا المتعلقة بالجريمة السيبرانية ،والتي نصت: (تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الفعل التالي في قانونها الوطني اذا ما ارتكب عمداً، ويعتبر حق الإعاقة الخطيرة لعمل منظومة الكومبيوتر عن طريق إدخال أو أرسال أو إتلاف أو محو أو تغيير أو تبديل أو تدمير بيانات كومبيوتر). فيطرح تساؤل هل يعدّ النشاط الإلكتروني إذا استخدم لأغراض عسكرية سلاحاً، وإذا كان كذلك، هل هو سلاح تقليدي، حيث عند تكيف الهجوم المسلح مع ما ورد في فقرة (1) من المادة (49) من البروتكول الاضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949: (تعني الهجمات أعمال العنف الهجومية والدفاعية ضد الخصم)، فعند تطبيقه على الهجوم السيبراني فالظاهر أنه بعيد عن هجوم العنف المسلح الملموس والمباشر في أثناء الاستخدام. ولا يمكن عدّه قرصنة لأنَّ ليس كل تصرف سيبراني يصاحبه قرصنة أو اختراق لبيانات إلكترونية. وإن صحَّ القول، فإنَّ قراءة نص الفقرة (1) من المادة (49) فقط بمعزل عن باقي أحكام البروتكول الإضافي الأول هو أمر غير صائب، لأنَّ أحكام العنف يصحبها أمران: إمّا ضرر مباشر مادي في الأعيان العسكرية أو المدنية، أو غير مباشر بعد وقوع الهجوم أياً كانت الوسيلة أو الطريقة، فالأصح هو التركيز في الآثار وجسامتها، فعند إثبات أنَّ المدنيين سيتأثرون جراء أي نشاط سيبراني عسكري كاستهداف منظومة السيطرة والتحكم الإلكترونية لمفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية مؤخراً في العراق. ومن ثَمَّ إنَّ خصائص الهجوم السيبراني يجب أن تتحقق فيه الوسيلة والطريقة وآثارها، فالوسيلة هي الأسلحة ذاتها، والطريقة هي كيفية استخدامها، وآثارها هي تعتمد على الهدف من استخدامها، فقد تسهم في توجيه العمليات العسكرية الأخرى، كالصواريخ أو الطائرات بدون طيار لتحديد أهداف عسكرية منتخبة وتدميرها، أو لتعطيل أجهزة الكشف المبكر للهجمات، أو إيقاف عمليات الاتصال في المطارات العسكرية و المدنية، ومن الأمثلة الكثيرة ما تعرضت اليه محطة (نظانز) النووية الإيرانية في 2011، والتي أعلنت عنه الولايات المتحدة، وألحق الضرر الجزئي بتخصيب اليورانيوم وغيرها من الأمثلة.

بالرغم من محاولة وضع مفهوم السيبرانية إلاّ إنَّه لايزال غير متفق عليه دولياً، وكذلك الجهود الدولية والمبادرات بشأن تنظيم استخدام الهجمات السيبرانية، فيمكن القول فشل المفاوضات بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا هي لانعدام الثقة المتبادلة بينهما، أدى إلى تأخير إبرام عدة اتفاقيات دولية لمدة ناهزت العقد من الزمن أو أكثر.

إنَّما هذا المقال البحثي إلا محاولة للإحاطة بالسيبرانية والموقف الدولي ونأمل أن يأتي اليوم الذي تنظم، ونصل إلى الأمن والسلم الدوليين والحمد لله رب العالمين .