طريق التنمية خطوة مهمة لتطوير الاقتصاد العراقي

      التعليقات على طريق التنمية خطوة مهمة لتطوير الاقتصاد العراقي مغلقة

د. فراس حسين علي الصفار

باحث في قسم إدارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

آذار/ 2024

يأتي قطاع النقل على رأس القطاعات التي تدعم الهيكل الاقتصادي، ويعدّ الركيزة الأساسية للاقتصاد القومي، إذ يمثّل قطاع النقل بأنشطته المختلفة، دعامة أساسية من دعائم التقدم، ولا يمكن تصّور تحقق النمو المتوازن بين قطاعات الاقتصاد القومي لأي بلد من البلدان، دون تأمين احتياجات تلك القطاعات من النقل، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق إعداد تخطيط جيد لقطاع النقل، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخطط القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وقد تطورت صناعات النقل في وقتنا الحاضر، وأثّرت تأثيرًا كبيرًا في التطور الاقتصادي، حيث يؤثر النقل في معالجة عامل المسافة والبعد، فيساعد في توسيع السوق، واستغلال الموارد الطبيعية والبشرية، وزيادة الانتاج، وانتقال السلع واليد العاملة إلى الأماكن التي تكون فيها أكثر نفعًا، وتوطين المشاريع في الأماكن ذات الجدوى الاقتصادية الأفضل. ويمكننا لمس ذلك في البلدان الصناعية المتقدمة كافة، حيث كانت السكك الحديدية قديماً، الوسيلة الرئيسة للنقل عمومًا، أمّا الآن فإنَّ تلك البلدان تتميز بوجود أنظمة نقل متطورة، فبالإضافة إلى السكك الحديدية، هناك وسائل أخرى كثيرة كالطائرات والسفن والأنابيب (لنقل المواد السائلة كالنفط)، وأنظمة مرور عابر مؤلفة من شبكات الطرق البرية، ومن ثم نجد أنَّ قطاع النقل قد أسهم مساهمةً فعالة في تقدم هذه البلدان اقتصاديًا وصناعيًا. كما يسهم قطاع النقل في التنمية الاقتصادية، عن طريق ربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك، وفي تأمين انتقال الأفراد، ونقل المواد الخام والبضائع من مناطق الاستثمار وإليها، كما أنَّه يعدّ عاملاً مساعدًا في استغلال الموارد الطبيعية، التي غالباً ما يتركز وجودها في مناطق نائية. ويمكن إجمال المساهمات الرئيسة لقطاع النقل في عملية التنمية لأي دولة في الأمور الآتية:

  • اختيار أماكن توطين الصناعات التي توفر للاقتصاد الوطني أكبر الفوائد المتمثلة في خفض نفقات الإنتاج والنقل والتوزيع.
  • اكتشاف الثروات الطبيعية واستغلالها في أفضل الظروف.
  • توسيع مساحة الأراضي المستغلة زراعيًا.
  • نمو المدن والمراكز الحضرية وازدهارها.
  • تحقيق التوازن في عملية العرض والطلب على السلع في مختلف الأسواق المحلية والخارجية.
  • تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدان واندماجها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

ويعد نقل الركاب والبضائع من المهام الرئيسة للنقل في كل بلد، وقد كان لتقدم النقل أثر كبير في انخفاض تكلفة المنتج النهائي، التي تُعدّ تكلفة النقل من أهم العناصر المؤثرة فيها، وتشير بعض الدراسات الاقتصادية التي أجريت بهذا الشأن، إلى أنَّ تكاليف النقل تمثل في المتوسط (20%) تقريبًا من التكلفة النهائية لأي منتج، ومن هنا تأتي أهمية دراسة اقتصاديات النقل التي ترمي إلى تخفيض تكلفة عنصر النقل، ومن ثم تكلفة المنتج النهائي، كما يعدّ قطاع النقل أحد أهم القطاعات التي توفر الكثير من فرص العمل في المجتمع، ذلك إنَّ العنصر البشري هو الأساس الذي تقوم عليه عملية النقل، لما تتطلبه العملية من جهد بشري في إنجاح مهامها، ولا بدَّ توفير ملاكات بشرية كافية للقيام بمتطلبات التطور الحاصل في قطاع النقل، باعتبار أنَّ الزيادة في مهام هذا القطاع، توجب أن تقابلها زيادة في العنصر البشري. وهذا يعني توفير فرص عمل كثيرة لمختلف الاختصاصات، التي يقوم عليها قطاع النقل.

أهمية طريق التنمية للعراق:

يعد طريق التنمية أحد أهم الحلول المستقبلية، التي يعول عليها العراق لتغيير الواقع الاقتصادي في البلاد، لما لهذا المشروع من دور في الاقتصاد المحلي. إذ سيكون حلقة الوصل بين قارات آسيا وأوروبا، عن طريق الموانئ العراقية بعد اكتمال مشروع الفاو، وإنَّ المشروع سيسهم في تعزيز علاقات الشراكة للترابط والتواصل بين الدول الواقعة على طول الطريق، وإنشاء شبكة مركبة كاملة الأبعاد، ومتعددة المستويات للترابط والتواصل، بما يسهم في تحقيق التنمية المتنوعة، والمستقلة والمتوازنة والمستدامة في تلك الدول. وإنَّ مشروعات الترابط والتواصل الخاصة بطريق التنمية، ستدفع الاستراتيجيات التنموية لشتى الدول الواقعة على طول الخط، إلى التوصيل والتنسيق فيما بينها، وتطلق الإمكانات الكامنة للأسواق داخل تلك الدول، وتحفز الاستثمار والاستهلاك، عن طريق إنشاء المدن الصناعية والتجارية، وإنشاء فرص عمل وعمليات تبادل تجاري بين الدول، كما تسهم في تعزيز التبادل الإنساني، والتفاعل الحضاري بين شعوب تلك الدول، بما يجعل تلك الشعوب تلتقي وتتبادل الثقة والاحترام فيما بينها، وتتشارك في التمتع بالحياة السلمية والمستقرة والرغيدة. ويمكن ايجاز أهمية طريق التنمية، بما يأتي:

  • استطاع العراق التفاوض بشكل ثنائي مع الصين، لربط ميناء غوادار الباكستاني مع ميناء الفاو العراقي، والاستفادة من موقع ميناء الفاو الجغرافي، في جذب حركة التجارة والمال والصناعة العالمية، بذلك تكون موانئ البصرة الرابط بين آسيا وأوروبا، من خلال طريق التنمية، وبذلك تعمل موانئ الفاو وأم قصر ليس فقط للعراق، بل للعالم وباتجاهين متعاكسين للنقل والتجارة المتبادلة.
  • يوفر طريق التنمية المرونة العالية لحركة النقل والتبادل التجاري والمعلوماتي والطاقة والنفط والغاز والكهرباء والاتصالات بين دول الحزام والطريق، لاسيما للعراق، لتفادي التأثر بالأزمات العالمية المتنوعة.
  • توفير فرص العمل المختلفة، والقضاء التام على البطالة وزيادة الناتج القومي الاجمالي، وتنويع الموارد المالية للموازنة العامة للدولة، وتقليل ريعية الاقتصاد عن طريق تقليص اعتماد اقتصاد البلاد على صادرات النفط.
  • بناء المناطق الاقتصادية الخاصة على طول طريق التنمية داخل الأراضي العراقية ومنها في الفاو والبصرة والمعابر الحدودية مع ايران والسعودية وتركيا والاردن وسوريا، ولا يخفى على احد ما لهذه المناطق الاقتصادية من منافع عظيمة على الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمار الاجنبي المباشر، الذي يعد حاليا مفتاح عملية التنمية، إذ يعمل على تراكم رأس المال وتركزه.
  • تحول العراق بمختلف المحاور منطقة ترانزيت عالمية للنقل والتجارة، ومن ثم الحصول على منافع متعددة للاقتصاد العراقي، من حيث التنويع وتوفير موارد مالية تتدفق على الموازنة العامة للدولة، وعلى الحركة التجارية وحركة النقل.
  • تقليل الوقت والجهد وتكاليف نقل البضائع والخدمات والاشخاص بين الدول المرتبطة عبر طريق التنمية وبينها وبين العراق على المستويين الداخلي والخارجي.
  • زيادة الطلب على الخدمات اللوجستيك المتنوعة من نقل وخزن وادارة وسيطرة وفنادق واسواق حرة ومولات تجارية ومعدات وادوات احتياطية وخدمات الاتصالات والوقود والطاقة والصيانة وغيرها، مما لا يمكن الاحاطة به لتنوعه وتشابكه، وبالطبع فإنَّ ذلك يوفر فرص عمل هائلة ومستدامة ودخول لا تعتمد على الريع النفطي.
  • الحصول على خدمات الربط الدولي والثنائي للاتصالات والانترنيت بشكل مستدام وبتكاليف أقل وجودة أعلى، عن طريق الاستفادة من الممر الدولي للمعلوماتية والاتصالات، بين الدول المرتبطة عبر طريق التنمية.
  • الاستفادة من الممر الدولي لخطوط الطاقة الكهربائية مع الدول المرتبطة عبر طريق التنمية وبشكل ثنائي، سيما أنَّ العراق بحاجة إلى الطاقة الكهربائية بشكل متزايد.
  • الاستفادة من الممرات الدولية للنفط والغاز، الممتدة عبر طريق التنمية، لاسيما مع الدول المستهلكة، وفي مقدمتها الصين والهند واوروبا.
  • الاستفادة من امكانات نظام بيدو للاتصالات الفضائية الصيني، المكون من شبكة من الاقمار الصناعية، لحماية هذه الممرات والسيطرة الفضائية عليها، الأمر الذي يعزز الأمن والانسيابية على طول طريق التنمية ومنها العراق.

الخلاصة:

 إنَّ تحديد الهدف الأساسي من طريق التنمية وميناء الفاو الكبير له أهمية خاصة، إذ كانت الغاية من المشروع، هي فقط تلبية متطلبات تجارة العراق، والتجارة الدولية (الترانزيت) سيكون التركيز في الطاقة الاستيعابية وما يرتبط بها، أي التسليم بالواقع الحالي بالاعتماد على الاستيراد (الممول ريعياً) في سد حاجات العراق، ويحصل العراق على بعض الايرادات المالية والمنافع الاقتصادية، ولكن مساهمته على مستوى الاقتصاد الكلي ستبقى محدودة وهامشية.

أمّا إذا كانت الغاية الأساسية من مشروع الفاو الكبير وطريق التنمية، هي فتح بوابة لاقتصاد مستدام، فإنَّ التركيز سوف ينصب على كيفية توظيف المميزات التي يوفرها هذا المشروع، في تعزيز القدرة التنافسية للنشاطات الاقتصادية المختلفة، والسعي إلى تهيئة الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وإنَّ الغاية الأولى في ذات الوقت ستتحقق ايضاً بشكل تلقائي، أي إنَّ التصور الثاني سيحقق الغايتين معاً بشكل متوازٍ.