تعاطي المخدرات بين العقوبة والعلاج

      التعليقات على تعاطي المخدرات بين العقوبة والعلاج مغلقة

م.م. ياسر عدنان موحان
قسم الدراسات القانونية
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
تعدُّ مشكلة المخدرات من أكبر المشكلات، التي تعاني منها دول العالم عامة ولاسيَّما العراق، إذ تسعى الدول جاهدة إلى محاربة هذه الآفة، لما لها من أضرار خطيرة، وجسيمة، على البشرية، من مختلف النواحي الصحية، والاجتماعية، والاقتصادية. والجدير بالذكر أنَّ ظاهرة تعاطي المخدرات، لم تقتصر على فئة معينة، ولكن أصبحت تهدد فئات المجتمع العراقي، وطبقاته كافة, إذ أخذت تنتشر انتشارًا مخيفًا، والاحصائيات الخاصة بالانحراف، والجريمة، تشير إلى زيادة كبيرة في عدد حالات السلوك المنحرف، بأنواع متعددة بين الكبار، والصغار، ومن هذه السلوكيات هو تعاطي المخدرات، حتى أصبحت مشكلة تهدد السلم، والأمن، وكيان المجتمع.
ما المقصود بتعاطي المخدرات
يقصد بتعاطي المخدرات: استعمال الشخص للمواد المخدرة بطريقة غير مشروعة، وخارج إطار العلاج الطبي, إذ يستخدمها الشخص لغرض الحصول على تأثير نفسي، أو جسدي، مثل الهروب من الواقع أو الحصول على النشوة. وتماشيًا مع ما تمَّ ذكره، يتم تعاطي هذه المواد بطرق مختلفة، وهي أمَّا عن طريق الحقن، أو الاستنشاق كالهيروين, أو المضغ كالأفيون، أو البلع كالحبوب المهلوسة، والمنومة.
موقف المشرع العراقي من تعاطي المخدرات
يتخذ القانون العراقي موقفًا صارمًا تجاه تعاطي المواد المخدرة, ويعدُّ هذا الفعل من الجرائم الجنائية، التي يجب معاقبة مرتكبها. وتأسيسًا على ذلك، فرض المشرع العراقي عقوبات على كل من يستعمل هذه المواد، سواء كانت للحيازة، أو التعاطي، أو التجارة. لكن الجدير بالذكر، أنَّ القانون العراقي يمنح بعض المرونة، في التعامل مع الشخص المتعاطي في حال الالتزام في العلاج. وعليه فإنَّ المشرع العراقي خصص قانونًا ينظم هذه الأحكام، وهو قانون العقوبات، والمؤثرات العقلية، رقم (50) لسنة (2017).
إذ نصت المادة (32) من هذا القانون، على معاقبة الشخص المتعاطي بالحبس بمدة لا تقل عن سنة واحدة، ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار، ولا تزيد على عشرة ملايين دينار. كما نصَّت المادة (39) من قانون المخدرات، على أنَّ للمحكمة بدلًا من أن تفرض العقوبة على المدمن، أن تأمر بإحالة الشخص المدمن على المخدرات، إلى إحدى المؤسسات الصحية التي تُنشأ لهذا الغرض، ليعالج فيها إلى أن ترفع اللجنة المتخصصة ببحث حالة المدمن، تقريرًا عن حالته، لتقرر الإفراج عنه، أو الاستمرار بإيداعه لمدة أخرى، وفي حال رفض المدمن المحكوم عليه، العلاج المقرر، فللمحكمة إيداعه في الحبس للمدة المحكوم فيها.
كما نصَّت المادة (40) من القانون نفسه، في حال راجع الشخص المدمن أحد المستشفيات المتخصصة بعلاج المدمنين، لغرض العلاج، فإنَّ هذا الشخص لا تقام الدعوى الجزائية بحقه، ولكن في حال عدم التزام المريض ببرنامج العلاج لدى المؤسسة الصحية, تشعر المؤسسة المحكمة بذلك لغرض اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه, استنادًا إلى الفقرة رابعًا من المادة (40) من القانون نفسه.
ونظرًا لخطورة تعاطي المخدرات، فإنَّ المشرع العراقي لم يقصر فرض العقوبة، والتجريم، على التعاطي، والحيازة، والمتاجرة، بل شمل أيضا معاقبة كل من قدَّم للتعاطي موادًا مخدرة، أو أسهم أو شجَّع على تعاطيها، في غير الأحوال التي أجازها القانون, وكذلك معاقبة كل من شجَّع أو غوى حدثًا أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، على تعاطي المخدرات، أو المؤثرات العقلية, إذ يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت، وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين، ولا تزيد على ثلاثين مليون دينار، استنادًا إلى أحكام المادة (28) الفقرة ثالثًا وخامسًا من القانون نفسه.
السياسية الجنائية التي اتبعها المشرع العراقي
اعتمد المشرع العراقي عند وضعه قانون المخدرات، والمؤثرات العقلية، على سياسة مزدوجة، وهي:
1- سياسة الردع، وذلك عن طريق تجريم تعاطي المخدرات، وفرض عقوبات صارمة على المتعاطي لاسيَّما المتكررين, والمروجين، والتجار, حتى المشجعين على تعاطي هذه المواد، خارج الإطار الطبي.
2- سياسة علاجية، وذلك عن طريق السماح للمتعاطي بالعلاج، وإيقاف العقوبات القانونية الصادرة بحقه، بسبب التعاطي في حال التزم بالعلاج.
أسباب تعاطي المخدرات
هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى تعاطي المخدرات، ومن هذه الأسباب:
1- الجهل باستعمال هذه المواد السامة، وعدم معرفة الآثار الصحية، والقانونية، والنفسية، والاجتماعية، التي يخلفها تعاطي هذه المواد.
2- الضغوط النفسية التي يتعرض لها الشخص, إذ تكون هذه الضغوط أحد الأسباب التي تدفع الفرد إلى التعاطي، لكونه يتوقع أنَّ التعاطي يمكّنه من الهروب من الواقع، أو التخلص من القلق الزائد، أو الاكتئاب الذي يعانيه.
3- مصاحبة رفاق السوء والمتعاطين، إذ يكون لرفاق السوء دور كبير في تعاطي الشخص، حيث يقوم الشخص بتقليد الأصدقاء، والتأثر بسلوكهم.
4- انشغال أولياء الأمور عن أبنائهم, إذ إنَّ انشغال أولياء الأمور عن أبنائهم، وعدم وجود مراقبة، ومتابعة عليهم، يفسح المجال أمام الأبناء لتعاطي هذه المواد السامة، سواء كان بدافع التجربة، أو تقليد أصدقاء السوء.
بعض الحلول للحد من ظاهرة التعاطي
1- تعزيز دور الأسرة، عن طريق برامج توعوية منهجية، وإطلاق حملات تثقيفية موجهة للأهالي، عن طريق مراكز الرعاية الصحية، والمدارس, لتعليمهم طريقة كشف الإدمان المبكر على المخدرات, وطرق الحوار الفعَّالة مع الأبناء، لغرض توعيتهم بمخاطر هذه الآفة المدمرة.
2- توجيه الإعلام الشعبي، والمنصات المحلية، لنشر التوعية بمخاطر المخدرات, ويتم ذلك عن طريق تشجيع صنَّاع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، على إنتاج مقاطع مؤثرة توعوية، باللهجات العامية القريبة من الشباب, لخلق رسائل تحذيرية ضد هذه الآفة، بأسلوب مؤثر غير تقليدي.
3- تأسيس مراكز شبابية غير ربحية للشباب، تكون مجانية في المدن، والأرياف، توفر أنشطة رياضية، وثقافية، من أجل القضاء على وقت الفراغ لدى الشباب، الذي يؤدي إلى الادمان.
4- توفير فرص عمل للشباب، إذ يجب على الحكومة توفير فرص عمل للشباب، من أجل تحسين الحالة المعيشية لهم، لغرض تحقيق الاستقرار النفسي، والقضاء على أوقات الفراغ.
5- إدراج منهج توعوي عن مخاطر المخدرات، ضمن المناهج الدراسية، ويكون ذلك عن طريق ادراج مادة ضمن المواد الدراسية، توضح مخاطر تعاطي هذه المواد السامة، من النواحي الصحية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية.
في الختام، إنَّ ظاهرة تعاطي المخدرات في العراق، لم تعدّ ظاهرة اجتماعية هامشية فحسب, بل أصبحت تشكّل تهديدًا كبيرًا على السلم، والأمن المجتمعي, ولاسيَّما مع زيادة نسبة تعاطي المخدرات, ولم تقتصر على فئة أو طبقة معينة، بل أصبحت تشمل كل فئات المجتمع، وطبقاته, وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة، لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة, إلا أنَّ هناك تحديات اقتصادية، وأمنية، وضعف التوعية الاجتماعية، تسهم في تعقيد هذه المشكلة. وعليه يجب تظافر الجهود على مختلف المستويات الصحية، والتربوية، والقانونية, والدينية، والاجتماعية، فضلًا عن تعزيز دور الأسرة، والمؤسسات الثقافية، للتوعية بمخاطر هذه الآفة، من أجل بناء جيل واعٍ، قادر على مواجهة هذه الآفة الخطيرة، والمدمرة.