
م. د حيدر مهدي حداوي
باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
ابتداءً، تعدُّ ظاهرة الانحراف الوظيفي بالوظيفة العامة، ظاهرة عالمية يكاد لا يخلو أي بلد منها، نظرًا لأهميتها على المستويين الدولي، والإقليمي المحلي ضمن النطاق الجغرافي. في الوقت نفسه، يشكّل مانعًا أساسيًا لعملية التنمية الإدارية، في مختلف المجالات، ومنها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. وفي العراق بعد حصول عملية التطور الإيجابي، الحاصل بالتغيير بطبيعة النظام السياسي عام (2003)، فكان الانحراف الإداري الوظيفي الصادر عن جهة الإدارة، يعدُّ ضمن إحدى نتائج هذا التغيير في الدولة العراقية، إذ أصبحت آفة تنخر في جسد الدولة العراقية برمتها، وعبر مؤسساته الحكومية، مما نتج عنه عرقلة لمساعي التنمية الحكومية، وانتشار ظاهرة الفقر المجتمعي، مع فقدان الثقة بين المواطن، والدولة، إذ اكتوى مجتمعنا العراقي بنارها، وأصبحت ظاهرة خطيرة لا يستهان بها. فانبرى عندها مشرعنا العراقي للتصدي لها قانونًا، وفقهًا، وقضى بكل حزم عن طريق تشكيل هيئة مستقلة لها شخصيتها المعنوية، واستقلالها المالي، والإداري، عن السلطات الثلاثة في الدولة (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، بغية محاربة هذه الظاهرة الخطيرة على الدولة أولًا، والوظيفة، والمواطن ثانيًا، إذ وضعتها من ضمن أولوياتها، على اعتبار أنَّ الانحراف سلوك سلبي مرفوض، وغير مشروع، يخالف القانون بكل أشكاله، ومظاهره، والمتمثل في صورة متاجرة الموظف العام، أو المكلف بخدمة عامة، بالوظيفة العامة، مستغلًا وجوده في العمل الإداري، وأيضا الصلاحيات التي يمتلكها قانونًا، مما يترتب عليه تغليب المصلحة الخاصة الشخصية، على حساب المصلحة العامة لدولة ككل, مما ينتج عنه آثار خطيرة، متمثلة بحدوث اختلال في التوازن، بين مصلحتين متعارضتين متناقضتين متنافرتين، هما المصلحة العامة للدولة، والمصلحة الخاصة للأفراد، وعلى حدٍّ سواء. بالمقابل يسعى المشرع إلى المحافظة على وجود التوازن بين هاتين المصلحتين العامة للدولة، والخاصة للأفراد، بأن يلتقيا، ويتعايشا، ويتكاملا، فلا مانع من تحقيقهما معًا، وحمايتهما، وصيانتهما معًا، وعندها يترتب عليه عدم تغليب أي مصلحة منهما على أخرى، وهذا هو المطلوب تحقيقيه. بناءً عليه كان ذلك بمنزلة الدافع لنا للتفكير في هذه الورقة البحثية، التي جاءت لتركز في أهم الوجوه، وأبرزها، والتي قد يتجلى فيها الانحراف الوظيفي، كأداة مهمة في عرقلة سير المرافق العامة بانتظام، واطّراد, ومن هنا جاءت هذه الدراسة لتعالج عن طريق الاستدلال القانوني، بعض المحاور المهمة التي تلقى الضوء على العامل المشترك، والأساسي، في العلاقة المركبة بين الانحراف الوظيفي، والقانون، والأفراد، على مختلف مشاربهم، وانتماءاتهم، بناءً عليه توصلنا إلى مجموعة من الأدلة الارشادية، والتي يمكن لنا حصرها كباحثين في هذا المجال، وفق الآتي:
أولًا- من حيث مبدأ المصلحة العامة: عبارة عن جلب المنفعة، ودفع الضرر، وأيضا هي مبدأ قانوني يتعلق بالنظام العام، وثابت في العمل الإداري، ويعدُّ حجر الزاوية الذي يتم بواسطته تحديد الحدود الموضوعية للسلطات الإدارية.
ثانيًا- من حيث الانحراف الإداري: يعدُّ الانحراف الإداري أوسع نطاقًا، وأكثر شموليةً، من مفهوم الانحراف المالي. فالأول يشمل جميع حالات تجاوز الموظفين لحدود وظائفهم، بهدف تحقيق مكاسب غير مشروعة، أمَّا الانحراف المالي فالمقصود به الإسراف، والتبذير، من قبل الجهات المعنية بإنفاق الأموال العامة، ووضعها في غير موضعها الصحيح، مما يؤدي إلى ضعف الإنجاز، والتلكؤ في التنفيذ.
ثالثًا- من حيث الوظيفة العامة: تبين لنا أنَّ الوظيفة العامة أمانة، وخدمة اجتماعية، يتعين على كل من يمارسها، الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة، ملزم بالمحافظة عليها، ولا يحق له للموظف أو المكلف بخدمة عامة، التجاوز عليها، وبخلاف ذلك سوف يقع تحت طائلة المساءلة القانونية.
رابعًا- من حيث أنواع الانحراف الوظيفي: فقد يكون انحرفًا إداريًا سلوكيًا، أو تنظيميًا، أو ماليًا، أو حتى انحراف سياسي.