
مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط / طهران
ترجمة: أ. م. خالد التميمي
قسم الدراسات القانونية / مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
على الرغم من امتلاك إيران لأحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، إلا أنَّها تعاني منذ مدة من نقص في الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي. هذا النقص، الذي يُوصف بكلمة “من در آورى”، الذي يقصد به اختلال التوازن بين الإنتاج، والاستهلاك: استهلاك مرتفع للغاز مصحوب بانخفاض في إنتاجه. ولا تُركز هذه المقالة في أسباب هذا النقص، بل لماذا يرتبط تعويض نقص الغاز في إيران، بطريقة ما، بإنشاء ممر زنغزور (شريط بري يبلغ طوله (40) كيلو متر, يمر عبر منطقة زنغزور الأرمينية، ويربط اذربيجان بإقليم نخجوان المتمتع بالحكم الذاتي التابع لأذربيجان).
لتعويض نقص الغاز الطبيعي، لاسيَّما في فصل الشتاء، تتجه إيران نحو الدول المجاورة المنتجة للغاز، إذ تعدُّ تركمانستان، وجمهورية أذربيجان، دولتين قادرتين على تصدير الغاز الطبيعي إلى إيران، وتُجريان معاملات تبادل غاز فيما بينهما. لدى إيران نظرة أبعد تجاه دول أخرى غير هاتين الدولتين، وتحديدًا روسيا، الدولة الخاضعة لعقوبات غربية، بعد بدء الهجوم العسكري على أوكرانيا، والتي تبحث عن عملاء خارج أوروبا لبيع غازها. في نهاية كانون الأول (2025)، تعتزم أوكرانيا وقف نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أراضيها. استمر هذا النقل ما يقرب من ثلاث سنوات، على الرغم من الحرب الشاملة مع أوكرانيا، وإنَّ صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا نمت بشكل ملحوظ، وتجاوزت الولايات المتحدة مجددًا، لذلك فإنَّ التوقف المفاجئ للصادرات الأوكرانية، يُمثل ضربة موجعة لإيرادات روسيا. لهذا السبب، تهتم روسيا بممر زانغزور، إذ يُمكّنها من نقل غازها إلى جمهورية أذربيجان، ثم إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا. لكي يصل الغاز الروسي إلى إيران، لا مفر من نقله إليها عبر جمهورية أذربيجان.
ويبدو أنَّ روسيا، وأذربيجان، أعلنتا سرًا أنَّ شرط نقل الغاز إلى إيران، هو موافقة إيران على تسليم ممر زانغزور إلى باكو. وإذا كانت إيران تنوي تسلم الغاز الروسي، فعليها الحصول على موافقة باكو، ويبدو أنَّ هذا الاتفاق لن يتحقق، من دون نية تركيا، وأذربيجان، السيطرة على ممر زانغزور. حتى دول مثل أوزبكستان، وتركمانستان، تطالب إيران بقبول هذه المسألة، ليس فقط موافقة إيران على إطلاق الممر المذكور، بل الأهم من ذلك، بناء خط أنابيب عبر بحر قزوين من قاع البحر، لنقل الغاز من تركمانستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، غربًا إلى باكو، ومن هناك إلى تركيا. وبينما لا تزال هذه الدول مترددة في نقل غازها عبر إيران إلى المياه الإقليمية، فقد أبرمت الاتفاقيات اللازمة لبناء خط أنابيب تابي (هو مشروع خط أنابيب نقل الغاز تابي من تركمانستان إلى باكستان والهند عبر افغانستان)، مع حكومة طالبان في أفغانستان.
ومن المثير للاهتمام أنَّه على الرغم من تدهور علاقات طالبان الأفغانية مع باكستان، أعلن الجانبان دعمهما الواسع لتنفيذ هذا الخط. من ناحية أخرى، حتى الهند، التي تواجه مشكلات أمنية واسعة النطاق مع باكستان، تتطلع إلى نقل غاز آسيا الوسطى إلى أراضيها بهذه الطريقة.
المشكلة الرئيسة هنا، هي أنَّ أذربيجان، وتركيا، لا تريدان فقط خطاً واحدًا للأنابيب من أرمينيا لنقل الغاز، بل تريدان نقل السيادة الأرمينية على كامل الممر إلى أذربيجان. وهذا ليس مرغوبًا فيه لأرمينيا، ولا مفيدًا لإيران، لأسباب سياسية، أو أمنية، أو جيوسياسية، أو اقتصادية. كيف يمكن لإيران مقاومة هذه الضغوط؟ مع أنَّ الشتاء القادم في إيران، من غير المرجح أن يكون قاسيًا (لأنَّ توقعات الطقس القائمة على اتجاهات الاحترار الحالية لا تبشر بشتاء بارد)، فلا شكَّ أنَّ نقص الغاز، سيؤثر في الصناعات، ومحطات الطاقة الإيرانية، وتحتاج إيران إلى الكثير من الوقت، لزيادة إنتاجها من الغاز، أو زيادة كفاءة استهلاكه. فضلًا عن ذلك، لا تملك سوى القليل من رأس المال، والتكنولوجيا، لزيادة الإنتاج، وكفاءة الإنتاج.
التحليل
تتجه إيران، مع ما تواجهه من عدم امتلاك تكنولوجيا حديثة، ورأس مال كافٍ، بسبب العقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة، وحلفائها، إلى زيادة أمنها الطاقوي من الغاز، في ظل تزايد الاستهلاك. ولا منفذ لديها سوى أن تعزز علاقاتها مع دول آسيا الوسطى، التي تمتلك بعضها مخزونات كبيرة من الغاز، ولديها التكنولوجيا المتقدمة في انتاج الغاز بكميات كبيرة، وبكفاءة. لكن التحدي الأبرز لها، هو أن تقدم بعض التنازلات الجغرافية، التي تتطلبها تلك الدول بالتعاون مع تركيا، وهذا ما لا ترتضيه إيران في التنازل عن أي مساحة جغرافية، ممكن أن تعزز مكانة تلك الدول في إنتاج الغاز، وتصديره مستقبلًا، لأنَّه ربما يتم رفع العقوبات، ومن ثمَّ تريد أن تكون هي المنتج الأكبر، كونها تمتلك مخزونات كبيرة من الغاز.