إن المدرسة الواقعية بركنيها الأساسيين “المصلحة والقوة” ما تزال تحكم حركة الدول، ولا يمكن لعلاقات دولية مستقرة أن تسود بدون تحقيق التوازن بين مطالب الدول في هذين الركنين. عزيزي القارئ الكريم، في هذا العدد من إصدار (العراق في مراكز الأبحاث العالمية) ستطلع على مقالين مهمين: المقال الأول (المواجهة أو الهروب: الخيارات الأمريكية في الشرق الأوسط)، للكاتب (كينيث بولاك)، نشره (معهد بروكنغز) الأمريكي، ويستعرض الكاتب الوضع في الشرق الأوسط وما يشهده من صراعات أهلية تهدد جميع دوله، ويجد أن هذا الوضع سيكون معروضا على جدول أعمال الرئيس الأمريكي القادم الذي سيكون أمام واحد من خيارين: إما التدخل من أجل استقرار الشرق الأوسط ،وإما الانسحاب منه بشكل نهائي وتحمل النتائج المترتبة على أي من خياريه. وهو يطلق على خيار التدخل اسم “خيار التصعيد”، ويمر في شرحه لهذا الخيار على مجمل ما تواجهه دول المنطقة من صراعات، فيركز كثيرا على ما يسميها بالحروب الأهلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا، مبينا سبل التعامل معها. ثم يتطرق إلى التهديدات التي تواجه استقرار مصر وتونس والأردن وتركيا، والوضع من جرّاء ذلك في الخليج ولبنان، ودور إيران وغيرها. أما خيار الانسحاب فيطلق عليه اسم خيار “التراجع”، وفي ظل هذا الخيار ستركز واشنطن على حماية مصالحها الحيوية المتمثلة بأمن إسرائيل، والتخلص من خطر الإرهاب، وضمان انسيابية تدفق النفط. لكن الكاتب يرى أنه في ظل هذا الخيار تخاطر واشنطن بزعزعة الاستقرار في الأردن ومصر وتركيا ولبنان وغيرها من الدول، وعندها ستجد أن حربا أهلية في الأردن والكويت ستهدد الأمن في إسرائيل ومصر ودول الخليج، وتكون كلفة حماية المصالح الحيوية لواشنطن من خلال التدخل أكثر جسامة. ويتطرق الكاتب في مقاله كثيرا إلى المملكة السعودية وأهميتها الحيوية لواشنطن، مبينا أن الخطر الأكبر الذي يتهدد المملكة يكمن في داخلها، ويدعو قادتها إلى تغيير سياساتهم الداخلية وتبنّي منهج إصلاحي واضح قبل فوات الأوان. هذا المقال يمثل دراسة واسعة غزيرة المعلومات بحاجة إلى تأملها وبناء تصورات على أساسها لمستقبل الشرق الأوسط ودور القوى الخارجية في استقراره وحمايته.
المقال الثاني (الخلافة كتحد جيوسياسي)، للكاتب (يعقوب أوليدورت)، نشره (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، والمقال هو محاولة من الكاتب في تحديد الفرق بين تنظيم “داعش” الإرهابي وغيره من الجماعات الإسلامية، ويركز على تداعيات إعلان التنظيم لخلافته المزعومة على المسلمين ومنهجيته الواضحة في العنف وتكفير الآخرين. والملفت في المقال ذكر الكاتب إلى أن ما حرّك الولايات المتحدة للتعامل بحزم مع “داعش” ليس عنفه المفرط، وانما لإعلانه دولة خلافته؛ لما لهذا الإعلان من تداعيات على مصالح الغرب ومصالح حلفائه في المنطقة والعالم، مما يدل على أن مصالح الغرب هي التي تحدد مسارات عمله في الشرق الأوسط، سواء انسجمت مع مصالح شعوبه ودولهم أم تقاطعت معه.