الكاتب: روبرت أي بيب
ترجمة: هبة عباس
مراجعة وتحليل: ميثاق مناحي العيساوي
على الرغم من الاتهام الموجه للولايات المتحدة وحلفائها بضعف استراتيجيتها في مواجهة تنظيم “داعش”،
إلا أنها حققت مكاسب كبيرة في مواجهة (تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”). ففي العام الماضي، تقلصت المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم والتي تشكل تهديدا يصل إلى أكثر من ثلاثين في المئة لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين في العراق وسوريا، حيث تم دحر مقاتلي “الدولة الإسلامية” وطردهم من “سد الموصل”، المنطقة ذات الأغلبية الكردية، ومن مدينة “كوباني” في سوريا، ومؤخرا من مدينة “تكريت” العراقية، مما جعل المناطق ذات التجمعات السكانية والغالبية الكردية والشيعية أكثر أمانا.
بعد إعلان إدارة أوباما عن خطط لاستعادة الموصل، فإن إدراك الطريقة الأنسب في الحرب ضد “الدولة الإسلامية” أو ما يعرف بتنظيم “داعش” أمر بالغ الأهمية. لكن هناك العديد من التساؤلات حول إمكانية الهجوم على الموصل، إذ يعتمد النجاح الشامل ضد هذا التنظيم على تمسك الولايات المتحدة بالاستراتيجية التي تنتهجها، وهي استراتيجية (المطرقة والسندان)، التي اتبعتها قوات التحالف لضرب عناصر التنظيم عن طريق الضربات الجوية. وهذه الاستراتيجية – أي المطرقة والسندان – هي لفرض أحد الخيارات المروعة على التنظيم، فإما أن يركز قواته على تحقيق تفوق محلي على القوات البرية المعادية، وبذلك يواجه التدمير من خلال “المطرقة” (أي الضربات الجوية), أو يتجنب الضربات الجوية عن طريق تفريق مقاتليه إلى وحدات صغيرة، وبهذه الحالة سوف يخاطر بالتعرض لضرب “السندان” (أي القوات البرية الساحقة التابعة لخصومه)، وفي كلتا الحالتين يتكبد التنظيم خسائر كبيرة.
وكما نجحت القوة الجوية الأمريكية في تعزيز الروح المعنوية للقوات البرية المحلية وكانت بمثابة قوات ساندة لها، إلا أن هذه القوة لوحدها لم تتمكن من الوصول إلى أقصى قدراتها.
لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” هدفان رئيسان، إلا وهما: “التوسع وتعزيز الركائز”. فالغارات الجوية التي بدأت في أغسطس الماضي نجحت في عرقلة توسع التنظيم، لكنها لم تترك أثرا يذكر في شل الاستراتيجية الدفاعية للجهاديين في تعزيز سيطرتهم على المناطق السنية. ومن الممكن أن تستمر الولايات المتحدة في استخدام القوة الجوية لإضعاف قدرة التنظيم على نقل عدد كبير من القوات بين سوريا والعراق، الأمر الذي سيحول دون المزيد من التوسع. وإذا ما مُنع التنظيم من نقل القوات والعتاد بكثافة كبيرة، فسوف يصبح غير قادر على تعزيز مواقعه في العراق.
ومع ذلك، نجح التنظيم منذ الصيف الماضي في السيطرة على المناطق السنية في العراق وسوريا و تحقيق مكاسب – دون أن تعيقه الحملة الجوية – في هيت والرمادي والرقة وغيرها من المناطق داخل معاقل السنة، وقد فشلت الغارات الجوية التي كانت تستهدف مباني القيادة والسيطرة والعمليات الخاصة بالنفط في إحداث ضرر دائم بالتنظيم.
منذ عام ٢٠٠٦، قتلت الولايات المتحدة القادة الثلاث السابقين في التنظيم و القادة التالين لهم، وبعد كل مرة سرعان ما يظهر قائد جديد. وفي حال عدم تمكن الولايات المتحدة وحلفائها من القيام بعمل عسكري إضافي لاستغلال هذه الاضطرابات فور حدوثها، فإن التنظيم سوف يعيد ترتيب صفوفه بسرعة ويقلل من تأثير أي استراتيجية لقتل “القادة الميدانيين”.
إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” يتطلب نهجا جديدا يمكن من خلاله استعادة الأراضي السنية التي استولى عليها التنظيم أولا. يجب علينا تحديد ودعم بؤر المقاومة السنية المناوئة للتنظيم. وإن أي استراتيجية ينتهجها المقاتلون العراقيون الذين يتزعمهم الأكراد والشيعة من المحتمل أن تفشل، كما شاهدنا في الموصل والمناطق العراقية التي سقطت بسرعة في أيدي التنظيم، فلم يكن كل من قوات البيشمركة الكردية أو الجيش العراقي ذي الغالبية الشيعية على استعداد لدفع ثمن السيطرة أو استعادة المناطق ذات الغالبية السنية.
وهناك مكانان يمكننا البدء منهما، الأول: قوات شرطة محافظة نينوى. فعندما سيطر تنظيم “داعش” على جزء كبير من المحافظة في شهر تموز/ يونيو، كان عدد قوات الشرطة حوالي ٢٤ ألف عنصر, لكن سرعان ما تم قطع التمويل والأسلحة عنهم من قبل الحكومة غير الموثوق بها والتي يقودها الشيعة.
والثاني: العشائر السنية التي عارضت التنظيم في محافظة الأنبار، ومن بينهم عشائر “الجغايفة” بالقرب من مدينة حديثة غرب الأنبار، وعشائر “آلبو نمر” بالقرب من مدينة هيت، والذين قتل المئات منهم بصورة وحشية عندما حاول تنظيم “الدولة الإسلامية” إخضاعهم لسيطرته بعد أن سيطر على أجزاء من محافظة الأنبار.
ولكلتا المجموعتين دوافع تشكل تحديا خطيرا لسيطرة التنظيم على أرضهم، شريطة الحصول على دعم من قبل القوات الجوية الأمريكية والقوات العراقية.
القوة الوحشية التي استخدمها تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدى الأشهر الستة الماضية ليست ضد الشيعة فحسب، بل ضد بعض الجماعات السنية المتواجدة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، والتي مهدت الطريق لحدوث انقسام في المجتمع السني. وطبقا لوصف “باول ستانيلاند”، زميل كاتب هذا المقال بجامعة “شيكاغو”، فإن “العراق على استعداد لوقوع مثل هذا التقلب بين الأشقاء”.
الإعلان عن خطة لاستعادة السيطرة على الموصل في وقت سابق من هذا العام كان خطوة أولى، لكن ما على الحكومة العراقية القيام به هو احتواء السنة، ولتحقيق هذه الغاية يجب أن تؤمّن الولايات المتحدة اتفاقا لتقاسم السلطة بين الحكومة العراقية والعشائر السنية من شأنه أن يسمح بحكم ذاتي أكبر للمحافظات السنية مشابه لما منح للأكراد العراقيين. وسيكون من الضروري تبديد مخاوف أهل السنّة، إذ إن تخليص العراق من تنظيم “الدولة الإسلامية”، سيؤدي إلى هيمنة الشيعة، ولذلك يطالبون – أي أهل السنة – بحكم ذاتي أكبر من شأنه أن يقنعهم بالتمرد على هذا التنظيم.
غير أن إعلان تحرير الموصل يتناسب مع استراتيجية “المطرقة والسندان”، من خلال اتخاذ خطوة غير عادية للإعلان عن الهجوم المخطط له، وهو إشارة إلى أن الولايات المتحدة في طريقها لمد يد العون والمساعدة في هذا الصدد، فهي تهدف إلى تشجيع القبائل لمقاومة تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطقهم.
وعلى الرغم من أن الخطة التي وضِعت لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” واقعية ومدروسة، إلا أنها بعيدة عن البساطة (غير سهلة)، كما تتطلب التوسط لمنح السنة حكم ذاتي من خلال الترتيبات التي رفضت الحكومة في بغداد الموافقة عليها حتى الآن. وبدلا من وضع العراقيل، من الممكن أن تتحد القوات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة العراقية مع الحلفاء المحليين الذين لهم دوافع حقيقية للتصدي للتنظيم. وإذا نجحت هذه الاستراتيجية، من الممكن أن نصل قريبا إلى النقطة الحاسمة لهزيمة التنظيم في العراق.
http://www.nytimes.com/2015/04/21/opinion/getting-isis-out-of-iraq.html?_r=5
تحليل:
يتحدث الكاتب عن استراتيجية الولايات المتحدة العسكرية في العراق وسوريا لمواجهة تنظيم “داعش” المتهمة بالضعف, إلا أنه يرى عكس ذلك؛ لأن هذه الاستراتيجية استطاعت أن تقوض وتحجم تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وتسترجع كثيرا من الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف, وخص بالذكر منها “سد الموصل, وكوباني الكردية, وتكريت مؤخراً”. ولو حللنا عمليات تحرير سد الموصل وكوباني بمعزل عن تكريت، لرأينا أن الأولى – والتي شاركت بها الفرقة الذهبية وقوات البيشمركة بإسناد جوي أمريكي – إنما هي عمليات احترازية؛ نظرا لأهمية هذا السد في السيطرة والتحكم بالمياه, وهي ضربة استباقية واحترازية لتنظيم “داعش” لمنعه من التمدد إلى حدود إقليم كردستان أيضا. وحتى الضربات الجوية في الموصل، فهي لم تستهدف مقرات التنظيم الحيوية وتجمعاته وأبنيته العسكرية على غرار “سور الخلافة” الذي باشر التنظيم في بنائه منذ مدة. فالتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” لم يتشكل إلا بعد أن بدء التنظيم يشكل تهديدا حقيقيا لإقليم كردستان. كذلك الحال نفسه في مدينة كوباني الكردية. أما تحرير مدينة تكريت، فأعتقد أنه من السذاجة أن يتحدث الأمريكان عن النصر الذي حقق في تحرير هذه المدينة, وأنهم ألحقوا الهزيمة بتنظيم “داعش” وكذلك بإيران وحلفائها. فتحرير صلاح الدين ومدنها إنما تحقق بفعل العمليات التي شاركت بها قوات الأمن العراقية والحشد الشعبي وأبناء العشائر من المحافظة وليس للأمريكان أو التحالف الدولي. فعلى الأمريكان أن يحترموا عقول العالم، وألّا يستغفلوها بكلام النصر في تكريت وإلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” أو ما يسموه حلفاء إيران من المليشيات الشيعية.
أما تقنية أواستراتيجية “المطرقة والسندان”، وهي التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم “داعش” في العراق، فإنها تبدو جميلة وفعالة على الورق فقط؛ لأنها – في الواقع – لم تكن فعالة على الأرض، ولم تنجح في تقويض التنظيم. ثم أين هي من الحرب الدائرة اليوم ضد التنظيم في محافظة الأنبار؟، وأين هي من تحركات التنظيم الذي ينقل جنوده ومعداته من الرقة السورية إلى الأنبار أو الموصل؟, ولو على الأقل فقط بتقنية المطرقة دون السندان؛ لأن التنظيم يقوم بعمليات نقل جنوده وأسلحته العسكرية في وضح النهار وعبر ممرات آمنه دون أن يتعرضوا إلى عمليات هجومية عن طريق القوة الجوية الأمريكية.
وعادة ما يتكلم الأمريكان عن تحرير المناطق السنية الخاضعة لتنظيم “داعش” وصعوبة تحريرها من قبل القوات العراقية المشتركة مع عناصر الحشد الشعبي وأبناء العشائر والقوات الساندة لها, ويرون أنه من غير الممكن تحرير تلك المناطق بهذه العناصر, وأن الطريقة الوحيدة لتحريرها يجب أن تكون عبر قوات سنية؛ لأن السنة متخوفون من هيمنة قوات الحشد الشعبي على تلك المناطق المحررة, متناسين بأن محافظة صلاح الدين سُلمت إلى قوات الشرطة وأبناء المحافظة. هذا الأمر يتم تداوله من قبل الإدارة الأمريكية وصناع القرار فيها والإعلام الأمريكي كذلك, حتى ترسخ في أذهان القيادات السنية التي باتت ترى أن الطريقة الوحيدة لتحرير مناطقهم هي بهذه القوات فقط. من هنا كانت محاولات الأمريكان تسجيل نصر تكريت باسمهم، وإبعاد القوات العراقية المشتركة من الصورة (صورة النصر)؛ كي لا يقتنع صانع القرار السني بعمليات التحرير المشتركة. ولهذا أيضا حاولوا أن يشوهوا صورة الحشد الشعبي بعد عملية تحرير تكريت. وبذلك ليس غريبا أن يخرج علينا مشروع أمريكي يدعم السنة بشكل مستقل؛ لأن الأمريكان شرعوا منذ البداية إلى هذا الشيء، وكانوا يحاولون إخضاع الشعب العراقي للأمر الواقع، وينظرون لهذا المشروع سواء من قبل الإدارة الأمريكية السابقة أم من قبل مشروع بايدن أو الطروحات الأمريكية السياسية والإعلامية بأنه من غير الممكن تحرير المناطق السنية بقوات مشتركة, وأنه يجب على الحكومة العراقية أن تحتوي السنة بحكم ذاتي على غرار إقليم كردستان وليس الاحتواء بتنفيذ مطالبهم وضمهم بشكل جدي للحكومة. بهذا الاتجاه يحاول الأمريكان أن يسيّروا العراق وأن يقنعوا الجميع بأنه لا سبيل أمام الشعب العراقي إلا التقسيم إلى ثلاث دول ” شيعية – سنية – كردية”. ولو أن الولايات المتحدة كانت جادة في تحرير العراق وطرد تنظيم “داعش” لدعمت قوات الأمن العراقية والحكومة أيضا، والتزمت بالاتفاقية الاستراتيجية بينها وبين بغداد، وسلحت قوات الأمن وأنهت قصة طائرات f16 المدفوعة الثمن. فنحن لا نريد قطع العلاقات أو توترها مع واشنطن، بل على العكس من ذلك نريد تطوير تلك العلاقات وتقويتها, لكن على واشنطن أن تثبت حسن نواياها في الحفاظ على أمن العراق ووحدته, والحفاظ على العملية الديمقراطية في البلد, وأن تكون جادة في طرد تنظيم “داعش”، وكذلك عليها أن تثبت جديتها – بالفعل – في تسليح الجيش العراقي وتفعيل الاتفاقية الاستراتيجية.
إذاً، على صانع القرار السني أن يعي هذا الكلام ويتنبه لما يُكتب في الصحف والإعلام الأمريكي, فهو ترويج لمشروع أمريكي في العراق ليس إلا. كذلك يجب على الحكومة العراقية أن لا تعتمد في تسليح القوات الأمنية على الجانب الأمريكي, فهناك روسيا والصين, وعليها أيضا أن تبدد كل المشاريع الأمريكية باحتواء السنة في الحكم وتشكيل قوات الحرس الوطني وتبدد مخاوفهم مما يقال في الإعلام. بالمقابل على صانع القرار السني والقيادات السنية أن يكونوا أكثر حكمة وتعقلا, وأن يعوا خطورة المرحلة.