إن نشوء الدول واضمحلالها تحكمه قواعد وسنن تاريخية لا يمكن تجاهلها أو إهمالها، بما فيها الدول التي قامت بسبب التغلب والقوة القاهرة، وفي مقدمة هذه القواعد والسنن قدرة القيادة السياسية للجماعة التي تروم التحول إلى دولة على اكتساب احترام المجتمع الذي تحكمه، فضلا على احترام المجتمعات الأخرى، وتأمين ديمومة الموارد المالية لتوفير مستلزمات الإنفاق العام والخاص، والحرص على تقدم منظومة الأخلاق والقيم الصانعة للحضارة .. من أجل اكتساب الاعتراف بها ومنحها حق الوجود السياسي، وهذا ما لم يتمكن من تحقيقه تنظيم “داعش”، ففكر التنظيم وسلوكه يجعله مجرد عصابة مجرمة تتقن فن السلب والنهب والقتل بطرق يتفوق فيها على عصابات أخرى مماثلة منتشرة هنا وهناك على سطح الأرض. القارئ الكريم، في هذا العدد من إصدار (العراق في مراكز الأبحاث العالمية) ستطلع على مقالين مهمين: المقال الأول (إيرادات تنظيم “داعش”: ارتفاع أم انخفاض)، للكاتب (فرانك ار.جنتر)، نشره (معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية)، ويجد الكاتب أن تنظيم “داعش” حصل على موارد مالية كبيرة في مدة قصيرة، لكنه لا يستطيع استدامة هذه الموارد، فهو بحاجة إلى التوسع بسرعة أو مواجهة الموت البطيء. وهزيمة التنظيم تتطلب تنسيقا على صعد عدة، ولا بد من شن هجوم منسق؛ لتحجيم موارده المالية على اختلاف مصادرها. وينتهي إلى القول بأن تنظيم “داعش” يمثل دولة بدائية لا يمكنها الاستمرار، فهي إما أن تنمو أو تموت.
المقال الثاني (يجب أن تركز استراتيجية الولايات المتحدة على مساعدة الحكومة وقوات الأمن العراقية)، للكاتب (فريدريك و.كاكن)، نشره (معهد المشروع الأمريكي)، ويرى الكاتب أن تنظيم “داعش” ظاهرة متعددة الأوجه، والحل العسكري لوحده لمعالجتها غير كاف، وتوجه الحكومة الأمريكية إلى القضاء عليه عن طريق دعم إقليم كردستان العراق، والعشائر السنية تمهيدا لإنشاء “إقليم سنستان” بعيدا عن الحكومة العراقية يعد توجها خاطئا، أما إذا اختار العراقيون بأنفسهم وبشكل سلمي تقسيم دولتهم فأمريكا لن تعارض هذا التوجه. ويرفض الكاتب فكرة احتواء تنظيم “داعش”؛ لأنه يرى إن ذلك سوف يقود إلى توسيع الحرب الطائفية في العالم الإسلامي، مما ينجم عنه تأثيرات سلبية على مصالح الغرب، لذا يقترح توسيع الدعم العسكري الجوي والميداني للجيش العراقي؛ لجعله أكثر فاعلية. ويتطرق إلى فكرة نشر قوات قتالية أمريكية بحدود 20000 جندي في الميدان، إلا أنه يعتقد أن هذه القوات ستقاتل “داعش” إلى جانب فصائل مسلحة موالية إلى إيران، لذا يرفض هذه الفكرة؛ لاعتقاده أن إيران تروم إبعاد الوجود الأمريكي من المنطقة لتحل محله، كما أن دعم فصائل موالية إلى إيران سيعزز شرعية “داعش” في المجتمعات السنية مما يزيد من تمددها، فيقترح أن يكون الدعم للحكومة والجيش العراقي مشروطا بإبعاد الوجود الإيراني من الوحدات العسكرية العراقية؛ لأنه لا خيار أمام أمريكا إلا هزيمة “داعش”.
إقرأ في هذا العدد :