عنوان الافتتاحية أعلاه هوأحد العناوين الفرعية التي وردت ضمن الفصل العاشر من كتاب: من نحن؟ (الطبعة الأولى 2005/ ترجمه للعربية: حسام الدين خضور) لصموئيل هنتنغتون، مؤلف كتاب صِدام الحضارات المشهور. وهذان الكتابان من أهم الكتب الاستراتيجية على الإطلاق، وتجب مطالعتهما على المهتمين بالشأن العام. إن استيعاب فكرة أهمية وجود العدو للولايات المتحدة وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، يلقي الضوء الكاشف على سبب كل هذا الاهتمام بتنظيم القاعدة. فالمتتبع لملف هذا التنظيم وأخباره والكم الهائل من الدراسات والتحليلات التي تراقبه وترصده والاهتمام المبالغ به الذي توليه قناة الجزيرة لتصريحات قياداته الكبيرة، يستطيع أن يُلاحظ وبسهولة التضخيم المتعمد والتأكيد والتركيز الكبيرين على نفخ الحيوية والديمومة فيه.
فيقول الكاتب ضمن العنوان أعلاه: ومع ذلك فإن الانهيار السوفييتي، خلق مشكلات للهوية الأمريكية. فقديماً، في عام 84 قبل الميلاد، عندما هزمت روما عدوها الخطير الأخير، الميثراديين، سأل صولا: “أما الآن والعالم لا يقدّم لنا عدواً آخر، فماذا سيكون مصير الجمهورية؟”، وفي عام 1997، سأل المؤرّخ ديفيد كينيدي: “ماذا يحدث لشعور أمة بهويتها عندما يزول أعداء الأمة تماماً، ولاتعود تجهز قوة فعالة تهدد وجود الأمة ذاته؟”، وقد انهارت الجمهورية الرومانية، بعد بضعة عقود من الزمن تلت إعلان صولا عن قلقه، لتحل القيصرية محلها. من المحتمل أن يكون مصير الولايات المتحدة مماثلاً لمصير الجمهورية الرومانية القديمة. فعلى مدى أربعين عاماً، كانت أمريكا قائدة “العالم الحر” ضد “امبراطورية الشر”. وبزوال امبراطورية الشر، كيف لأمريكا أن تعرّف نفسها؟ أوكما صاغ جون أبدايك الأمر، “ما الهدف من ان يكون المرء أمريكياً من دون الحرب الباردة؟”.
وفي مكان آخر يقول الكاتب: “إنها الحرب”، كما قال هينريتش فون تريتشكه: “هي التي تحوّل الناس إلى أمة”. وهذا بالتأكيد صحيح بالنسبة لأمريكا. فإذا كانت الحرب، في بعض الظروف على الأقل، تستطيع إحداث نتائج إيجابية كهذه، فهل يقود السلم إلى نتائج سلبية بالمقارنة؟ تشير النظرية الاجتماعية والأدلّة التاريخية إلى أن غياب عدو خارجي أو آخر، يشجّع التفرقة الداخلية. وقد أنتج غياب التهديد الايديولوجي فقدان الهدف، أو كما علّق تشارلز كراوثامر عند نهاية الحرب الباردة: “الأمم تحتاج إلى أعداء، تتخلص من أحدها، وستجد آخر”. والعدو المثالي لأمريكا ينبغي أن يكون عدواً ايديولوجياً، مختلفاً عرقياً وثقافياً، قوياً عسكرياً إلى الحد الذي يمكن أن يشكّل تهديداً معقولاً للأمن الأمريكي. وقد دارت جل المناظرات السياسية الخارجية في التسعينات حول هوية هذا العدو المحتمل. وفي 11 أيلول عام 2001، أنهى أسامة بن لادن بحث أمريكا عن عدو. فالهجمات على نيويورك وواشنطن التي تبعتها حروب ضد افغانستان والعراق و”الحرب على الإرهاب” الأكثر انتشاراً تجعل من الإسلام الجهادي عدو أمريكا الأول في القرن الحادي والعشرين.