من خلال تتبعنا لما يُنشر من مقالات ودراسات أمريكية أو انكليزية نلاحظ فيها وبوضوح لا يقبل الشك، اللغة الطائفية والتمييز الطائفي والتحريض الطائفي والتشجيع على المطالبة بالإقليم السني. ونحن هنا بدورنا نذكّر بافتتاحية العدد الخامس من هذه النشرة، التي كان عنوانها: كيف ستشكل الصراعات داخل الإسلام المستقبل؟ ولا نريد هنا تكرار ما ورد هناك، فالمهتم يستطيع العودة إلى العدد المذكور واسترجاع المعلومات المطروحة فيه، ولكن ما نريد تأكيده هنا هو علاقة هذا الكتاب بما يجري ويدور في المنطقة من صراع واقتتال طائفي، سبقه وتزامن معه تحريض طائفي رخيص عبر بعض القنوات الفضائية الطائفية المسمومة؟!
الكلام هذا يأتي بمناسبة نشرنا في هذا العدد لترجمة وتلخيص مقالة صحيفة الديلي ستار الانكليزية: الإسلاميون السنة يواصلون الاحتجاجات، المنشورة في بداية هذا العام. هذه المقالة وغيرها من المقالات والدراسات التي نشرناها في الأعداد السابقة وسننشر غيرها تباعاً، تمثل طريقة تناول العقل الاستراتيجي الغربي والأمريكي بالذات، لهذا الملف الاستراتيجي المهم الذي يجب أن يشغل بال صانع القرار الاستراتيجي العراقي دائماً.
فلنلق معاً بعض الضوء التحليلي الكاشف على هذا المقال، من خلال الملاحظات الآتية:
“أكد الكاتب في بداية مقالته على أن احتجاجات الشارع السني في العراق تشكّل تحدياً جديداً لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، ويعد هذا امتداداً لموجات التمرد التي يقودها السنة في سوريا المجاورة التي تؤثر على التوازن السياسي الهش في بلاده“.
“يرى الإسلاميون السنّة أن هناك فرصة للتخلص من الهيمنة الشيعية، ويعوّلون كثيراً على انتصار محاولات المعارضين في سوريا لإسقاط نظام الأسد ذي الأقلية العلوية التي لها جذورها في الإسلام الشيعي“.
“على مدى الأسبوعين الماضيين، نظم عشرات الآلاف من السنة مظاهرات في محافظة الأنبار“.
“زوال الأسد من شأنه أن يضعف نفوذ “إيران الشيعية” في نهاية المطاف، الحليف الإقليمي الرئيس لسوريا واللاعب المؤثر في السياسة العراقية، ولكن دولاً سنية مثل السعودية وقطر وتركيا تدعم خصوم الرئيس السوري. وما يشجع على ذلك هو التحوّل المحتمل في ميزان القوى السنية – الشيعية في منطقة الشرق الأوسط“.
“السنة في العراق ينفّسون عن مشاعر الإحباط التي يعانون منها منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بنظام صدام حسين، فضلاً على تسلّط الغالبية الشيعية عليهم“.
“إن ما يحدث ليس عفوياً، والقوى التي تقف وراء الاحتجاجات الحالية هي الأحزاب السياسية السنية. وقد صرّحت مصادر سنية رفيعة بأن الحزب الإسلامي العراقي(IIP) الذي يعد جزء من جماعة الإخوان المسلمين، هو المحرك الأساسي لحملة المطالبة بإنشاء حكم ذاتي سني، بالقوة إذا لزم الأمر”.
“ولفت الكاتب النظر إلى أن الحزب الإسلامي العراقي يمارس نفوذه من خلال المساجد والخطباء في المعاقل السنية مثل محافظة الأنبار التي كانت تخضع بشكل شبه كامل لسيطرة تنظيم القاعدة”.
“اشتعلت الاحتجاجات بعد اعتقال الحراس الشخصيين لوزير المالية السنّي رافع العيساوي الشهر الماضي“.
“وقالت السلطات العراقية أن الحراس الشخصيين قد اعترفوا بتورطهم في الاغتيالات التي نُفذت بالتنسيق مع رجال الأمن التابعين لنائب الرئيس طارق الهاشمي السني“.
“جرت الاعتقالات والاعترافات المزعومة للحراس الشخصيّين لاثنين من كبار القادة السنة بشكل مماثل وملفت للنظر“.
“وقال أحد النواب الشيعة: إن المالكي قد خطط لاستهداف العيساوي منذ مدة، وكان يحسب أنه من الأسهل عليه أن ينفذ ذلك الآن، وأن يحتوي ردة الفعل السنية، بدلاً من أن يفعل ذلك في وقت لاحق، إذ من الممكن أن يتشجع ويتقوى السنة بسبب ما يجري في سوريا من أحداث”.
“المالكي قال لي إنه لاحق موضوع العيساوي وحراسه لأكثر من شهر لأنه يفضل أن يفجّر الفقاعة السنية بنفسه، بدلاً من الانتظار حتى تنفجر بوجهه“.
“إن صبره بدأ ينفد وحذّر بأنه لن يتساهل مع المظاهرات السنية لأجل غير مسمى“.
“المجلس المحلي لمحافظة صلاح الدين، ذات الأغلبية السنية، قدم الخميس طلباً إلى المفوضية العليا للانتخابات لغرض تشكيل إقليم خاص بهم. وقدمت محافظات أخرى ذات أغلبية سنية مطالب مماثلة في السابق”.
“من المرجّح أن يستغل الأكراد والمنافسون الآخرون للمالكي احتجاجات السنة“.
“الرئيس الكردي مسعود البرزاني والزعيم الشيعي مقتدى الصدر ذو السلطة المؤثرة”.
“وفي الختام أكد الكاتب على أن السنة متحدون ضد المالكي“.
“وقال الشيخ حميد تركي الشوك، أحد كبار شيوخ العشائر السنية في الأنبار”.
نلاحظ في العبارات أعلاه اللغة الطائفية التمييزية واضحة، واللافت هنا ربط ما يجري في العراق، بالأحداث على الساحة السورية المجاورة؟ ما يدل على أن هناك تصوّر غربي يتجاوز حدود كل بلد، ينظر إلى الأمور من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
“قال ستانسفيلد: سنعرف في هذا الوقت ما إذا كان المالكي قائداً قوياً أم لا، فهو إما أن يطبق حكومة مركزية في العراق، أو أن يسمح للفيدرالية بأن تكون مبدأ تنظيم الحكم في البلاد، والسؤال هو ما إذا كان ذلك سيتم بالقتال أو من دونه“.
العبارة أعلاه قد تسلط بعض الضوء على الخيارين المطروحين أمام العراق: حكومة مركزية قوية، أو فيدراليات طائفية وعرقية، تمهد الطريق للتقسيم الذي نظّر له شيخ المستشرقين برنارد لويس؟ ولا ندري هل هناك علاقة بين موجة التفجيرات الأخيرة التي ضربت بغداد بالدرجة الأولى، والمتزامنة مع بدأ عمليات الجيش في الأنبار وكلمة القتال أعلاه؟