تأسست هذه المجلة الأمريكية التي تصدر كل شهرين عام 1985 من قِبل الأب الروحي للمحافظين الجدد “ارفينغ كريستول” المتوفى عام 2009 عن عمر ناهز الـ 89عاماً، وهي غير متخصصة بالشؤون الخارجية فقط بل تتناول الأمور والقضايا الأخرى مثل الثقافة والتاريخ والاختلافات الاجتماعية…الخ. نشر فوكوياما عام 1989في هذه المجلة مقالته الشهيرة حول نهاية التاريخ في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. يرأس جيمس شليسنجر مجلسها الاستشاري، ويُعد هنري كيسنجر الرئيس الفخري لمجلس إدارتها. هذه المجلة من الدوريات الاستراتيجية المهمة التي نتابعها نحن في المركز باستمرار، لأنها تعبّر عن التيارات والاتجاهات الفكرية الأمريكية المحافظة عموماً في مجال السياسة الخارجية بالذات، الأمر الذي يساعد في فهم الخلفية الفكرية الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية. وتم ترجمة وتلخيص ونشر العديد من المواد الاستراتيجية المنشورة في هذه المجلة، ومنها المقالة المنشورة في هذا العدد المعنونة بـ: “أمريكا لا تستطيع التخلي عن الشرق الأوسط” وهي من المقالات الاستراتيجية المهمة التي تلقي الضوء على النقاش الجاري الآن حول استمرار الاهتمام والتواجد الأمريكي في منطقة الشرق وتحويل التواجد والاهتمام صوب الصين “القوة العظمى الصاعدة”. ونذكّر هنا بمقالة أخرى نُشرت في العدد الثالث عشر من هذه النشرة عنوانها: “الولايات المتحدة: التراجع الاستراتيجي من الشرق الأوسط“، حيث أكدت على قلق حلفاءأمريكافيالمنطق،بعد إشارةبعضالمسؤولينالأمريكيينإلىاهتماماتهمالجديدةبشأن التحولنحوآسيا، وعن رغبتهم بتقليصانغماسهمفيالشرقالأوسط،الأمر الذييصبفيصالحالدعايةالإيرانية التي تؤكد على أن قوةأمريكاقد بدأتبالاضمحلالوبأنطهرانسوفتكونالقوةالمهيمنةالصاعدةفيالمنطقة.
تعتقد مقالة ذي ناشنال انترست بأنه: على الرغم من وجود الدافع لتوجيه الاهتمام نحو آسيا والمحيط الهادي والضغوط الاقتصادية المحلية، فإن ترك واشنطن للشرق الأوسط غير وارد، ليس لأن الأخيرة غير قادرة على الاتجاه صوب آسيا والاستمرار في الوقت نفسه بالتواجد في الشرق الأوسط فحسب، بل حتى لو أرادت الإدارة الأمريكية الانسحاب من المنطقة فإن ظروفها ستمنعها، لأن العديد من المصالح والاهتمامات الأمريكية متمركزة هناك وتشير دوماً إلى رغبة بالتدخل إذا دعت الضرورة. وهذا يؤشر إلى أن الولايات المتحدة ستواصل لعب دور كبير في الأمن الإقليمي، على الأقل في المستقبل المنظور.
يمكن وضع الأفكار الرئيسة لهذه المقالة كما يأتي:
– ورد في تقرير لوزارة الدفاع عام 2012 توجيه بإعادة كفة الميزان نحو آسيا والمحيط الهادي والتحول عن الشرق الأوسط.
– الصعوبات التي حوّلت اهتمام واشنطن من الشرق الأوسط إلى آسيا وبقاع أخرى هي: سعي إيران صوب امتلاك السلاح النووي، وتآكل التأثير الأمريكي على العراق، والصعوبة في التأثير على الأحداث السورية، وشكوك الملوك العرب بمصداقية الولايات المتحدة وأسئلة تتعلق بمستقبل العلاقات مع مصر.
– الرغبة بتقليل الصلة بالشرق الأوسط ترتبط بعدة قضايا، منها ارتفاع إنتاج الطاقة محلياً في الولايات المتحدة ومقدرتها على الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط مستقبلاً، فضلاً على مطالب الجماهير المتعلقة بالحد من تهديد القاعدة.
– من الخطأ الافتراض بأن التخلص من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط سيزيل أي اعتماد على هذه الدول المنتجة للنفط، فالولايات المتحدة ستضمن استمرار الوصول لنفط الخليج لحفظ استقرار سوق الطاقة العالمي.
– الولايات المتحدة كانت وستبقى القوة الخارجية الأكبر في المنطقة والوحيدة القادرة على موازنة القوة مع إيران ومنع انتشار السلاح النووي، فضلاً على حماية ترسانة باكستان النووية، لذلك سيظل وجود أمريكا في الشرق الأوسط ضرورياً.
– البعض في الولايات المتحدة لم يعُد يرى في إسرائيل شيئاً ثميناً والبعض من النقاد عدّوها عبئاً. ولكن، ستبقى إسرائيل شريكاً استراتيجياً مهماً للولايات المتحدة، وجيشا البلدين يشتركان بالعقيدة القتالية والاستخباراتية نفسها، والدليل على ذلك ارتباطهما بصناعات الدفاع الأمريكية.
– إن انسحاب أمريكا في خضم ازدياد تهديد القاعدة بعد الحقبة الثورية التي تمر بها المنطقة، سوف لن يخفض هذا التهديد ولا يستثنيها من أن تكون هدفاً.
– إن قيمة مبيعات الأسلحة في المنطقة مستقبلاً لها اعتبارات مهمة في ضوء التعافي الاقتصادي الأمريكي البطيء.
]إن متابعة هذا النقاش الاستراتيجي عن كثب ورصد ومعرفة انعكاساته على صناعة القرار الأمريكي في منطقتنا، يُعد من صميم اهتمامات صانع القرار الاستراتيجي العراقي، لأنه ربما يعطي للسياسة الخارجية العراقية قدراً من الحرية والقابلية على المناورة [.