من المراكز البحثية الاستراتيجية المهمّة التي نتابعها باستمرار هو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يعبّر عادة عن مصالح الشركات النفطية، ومن المعروف أن انطوني كوردسمان الخبير الأمني والعسكري هو من الذين يكتبون باستمرار حول المنطقة وحول العراق بالذات، وآخر ما كتبه عن العراق هو الموضوع الاستراتيجي الذي يجد القارئ المحترم تلخيصه في هذا العدد الذي بين أيديكم، وفيما يأتي نلقي بعض الضوء التحليلي الكاشف على أهم الأفكار الواردة في المقالة المذكورة:
يؤكد المقال على أهمية العراق الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويشير إلى ضعف الاهتمام الامريكي بالعراق، وتركه ينزلق صوب الحرب الأهلية ويقترب من إيران، ويُعزي سبب قلة الاهتمام هذهإلى الإرهاق الذي أُصيبت به الولايات المتحدة نتيجة للصراعات المتعددة التي خاضتهافضلاً علىالانشغال بالصراع السوري. ويعتقد الكاتب بأن الأمر الذي أخذ يبرز ويتجلّى على مدى السنة الماضية هو أن الاضطرابات التي يشهدها العالمان الإسلامي والعربي قد غدت صراعاً من داخل الحضارة نفسهالا صراعاً بين حضارات مختلفة؛ فالحرب بين السنّة والعلويين في سوريا آخذة بالتفاعل بقوّة مع التوتّرات السنيّة – الشيعية في منطقة الخليج التي تدفع بالعراق إلى الوراءصوب الحرب الأهلية، كذلك يتفاعل هذان الصراعان مع الصراعات السنية – الشيعية – المارونية وغيرها من الصراعات المذهبية في لبنان،فضلاً على المشكلة الكردية التي هي الأخرى آخذة بالانتشار منتقلة من سوريا إلى العراق ثم تركيا فإيران، وهناك أيضاً مسألة الهوية العربية بمواجهة الهوية السنّية أو الشيعية التي تقف حائلاً بين العراق وباقي دول الخليج وتدفعه دفعاً باتجاه إيران. ويرى كوردسمان أنه وعلى الرغم من كل التركيز الحالي المنصب على سوريا،فإن العراق هو البلد الأكبر والأكثر أهمية، بسبب ما لديه من احتياطات هائلة من النفط والغاز،فضلاً علىما له من تأثير مباشر ومهمٍّ على مجمل أمن الخليج، وان عشرين بالمائة من الصادرات العالمية من النفط والغاز السائل تمر عبر الخليج. والعراق من وجهة نظر استراتيجية يقف حائلاً بين إيران ودول الخليج العربية، وقد لعبت التوترات العراقية الإيرانية على الدوام دور”العازلالاستراتيجي” بين إيران وباقي دول الشرق الأوسط طيلة نصف قرن يمتد من خمسينيات القرن الماضي إلى العام 2003.أما اليوم فإن العراق فيه حكومةشيعيةلها علاقات قوية مع إيران وهو في الوقت نفسه يمثّل فراغاً عسكرياً. قادة العراق الشيعةينظرون إلىالسنة والأكرادكمصدر للتهديد لا كشركاء في البلد،وجيران العراق العرب يتعاملون معه على أساس أنه تهديد أكثر من كونه حليفاً لهم، والتوتّرات المتصاعدة بين السنّة والشيعة في المنطقة تجعل الأحوال في العراق أسوأ بشكل ثابت وتدفعه باتجاه إيران. فإذا ما انزلق العراق نحو حرب أهلية فإن شيعته سينجرفون أكثر نحو إيران وسوريا، وإذا ما تمكّن الأسد من النجاة والبقاء في السلطة، مع استمرار دول الخليج العربية بعزل العراق، فإن الوجود الرمزي للولايات المتحدة في هذا البلد لن تبقى له على الأغلب مبررات وعندئذ سيصبح العراق على الأرجح جزءاً من المحور الشيعي الممتد من لبنان إلى إيران.أما إذا ما سقط الأسد واستمرت التوتّرات بين أمريكا ودول الخليج بالتصاعد مع إيران فيبدو أن الأمر المرجّح هو أن تسعى إيران سعيها وتفعل كل ما في وسعها لتعويض خسارتها في سوريا بكسب نفوذ أقوى في العراق. كذلك يبدو مرجّحاً أن تؤدي الضغوط العربية والتركية على العراق إلى دفعه نحو إيران بدلاً من إبعاده عنها. وإذا ما دخل العراق في حرب أهلية، طائفية وعرقية، فإن هذا سيدفع بغالبيته الشيعية نحو إيران، وبالأكراد نحو الانفصال، والدول العربية المحيطة بالعراق نحو تصعيد دعمها للفصائل السنية في لبنان وسوريا والعراق مع قمعهاللشيعة في بلدانها.
وهنا يشير الكاتب إلىعدم تفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيجي مع العراق،وخفض الوجود العسكري الأمريكي فيه،وانهيار البرنامج البديل لتدريب الشرطة العراقية،وتباطؤ تسليم الأسلحة الأمريكية الأمر الذي دفع العراق للاتجاه صوب روسيا، لذلك فهو يدعوإلى إحياء مكتب التعاون العسكري الأميركي وتسليم الأسلحة الأميركية في توقيتات أفضل وهو ماقد يمنح الولايات المتحدة تأثيراً أقوى، كما يدعو إلى إقناع دول الخليج العربية بأن التعاون مع العراق أفضل لها كثيراً من محاولة عزله، ويدعو كذلك إلى جعل العراق نقطة تركيز استراتيجية رئيسة في التعامل مع تركيا والأصدقاء والحلفاء العرب،مما قد يحول دون قيام جسر استراتيجي بين إيران ودول الخليج،الأمر الذي من شأنه الحدّ من الترابط المتزايد بين التوتّرات والصراعات التي تحدث في منطقة الخليج وتلك التي تحدث في منطقة الشرق، ومن ثمَّفسيكون عاملاً مساعداً على حفظ أمن الأردن ولبنان ومصر. وفي الختام يطالب بمنح فريق وزارة الخارجية الأميركية العامل في العراق كل ما يحتاج إليه من عون وموارد من أجل تحريك العراق باتجاه الاصلاح الاقتصادي وبناء جيش مستقر.
(( هذه المقالة الاستراتيجية من المقالات التي تهم صانع القرار الاستراتيجيي العراقي، ومن الضروري أن يكون هناك تواصلاً مستمراً مع الخبير انطوني كرودسمانومع امثاله من الأصوات العقلانية المعتدلة)).