في هذا العدد خمس مواد استراتيجية مهمة، الأولى: هي تكملة دراسة انطوني كوردسمان حول وضع العراق بعد الانسحاب الأمريكي التي يتناول فيها الدور والنفوذ الإيراني في العراق، والثانية: دراسة منشورة في موقع ستراتفور الاستخباراتي الأمريكي تتناول الأخطاء التي ارتُكبت أثناء الغزو الأمريكي للعراق، والثالثة: مقالة للكاتب الاستراتيجي مايكل روبين الذي يُعبّر عن رأي المحافظين الجدد والمنشورة في مركزهم البحثي “معهد المشروع الأمريكي” يتناول فيها الشأن الكردي وينتقد فيها طريقة مسعود البارزاني في الحكم، والرابعة: مقالة تتناول علاقة الأتراك بالملف الكردي في المنطقة منشورة في موقع معهد واشنطن الذي يُعبّر عن مصالح اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، والأخيرة: مقالة منشورة في مجلة الفورين بوليسي المرموقة، تتناول تظاهرات المنطقة الغربية وآثارها البعيدة المدى.
فيما يلي نستعرض أهم الأفكار المطروحة في هذه المواد الخمسة:
1- العراق بعد الانسحاب الأمريكي: في هذا الجزء يتناول انطوني كوردسمان الدور الإيراني في العراق فيقول:إن التحدي الخارجي الذي يواجهه العراق بشكل أساس يأتي من إيران التي تتمتع بعلاقات قوية مع الأحزاب الشيعية الحاكمة في البلد الذي خاض معها حرباً دموية شرسة دامت لثمان سنوات، وان تصاعد الطموحات الإيرانية في أعقاب الانسحاب الأمريكي من العراق يتوقف على مدى نجاح جهود الولايات المتحدة في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع العراق.وان إيران ترى في العراق لاعباً أساسياً في الجهود التي تبذلها لإبقاء نظام الأسد في السلطة في سوريا والحفاظ على تحالفها معه وعلى نفوذها في لبنان وإيجاد السبل لتجنب الاضطرابات السياسية في العالم العربي التي تقوّض مصالح وطموحات إيران الاستراتيجية. وفي حال النجاح الكامل لإيران في تحقيق هذا الهدف فإنها ستعمل على ظهور شبح قيام حقيقي لـ(هلال شيعي) يضم إيران والعراق وسوريا ولبنان. ويعتقد الكاتب انه ماتزال هناك خلافات حادّة بين المؤسسة الدينية الإيرانية الفارسية والعربية الشيعية في العراق، ويجب على الولايات المتحدة ان تدرك بأن العراق يواجه، ولأجل غير مسمى في المستقبل، منافسة صعبة التوازن وبالقدر نفسه بين سياسات العراق الداخلية والمنافسة الأمريكية الإيرانية. ويجب ان تكون مستعدة للتعامل مع إيران كخطر حقيقي في العراق، وستبقى كذلك بغض النظر عن أي تحوّلات على المدى القريب في السياسة العراقية والقيادة، ويدعو إلى عمل كل ما يمكن لضمان ظهور العراق كدولة قوية مستقلة تستطيع ان تقاوم الضغوط الخارجية الإيرانية وغيرها في المنطقة. وأخيراً يعتقد بأن الانجراف نحو الإهمال الاستراتيجي الأمريكي للعراق لايمكن السماح له بالاستمرار، وقد لايكون العراق على حافة حرب أهلية الآن، ولكن التهديد آخذٌ بالازدياد.
2- هل كسبت أمريكا الحرب في العراق؟: تتناول الدراسة الغزو الأمريكي بالنقد والتحليل، وتعتقد بأن النتائج السلبية المترتبة على عدم وجود استراتيجية أمريكية لإدارة العراق في مرحلة ما بعد الغزو تُعد فشلاً لإدارة الرئيس بوش أكبر من الفشل الذي مثّله قرار الغزو نفسه كونه بُني على ذرائع زائفة، حيث كان لتخبط الولايات المتحدة دور في ارتفاع التكلفة المادية والبشرية وشيوع الفوضى والاضطرابات في هذا البلد. وتشير إلى ان الدرس الذي ينبغي تعلمه هو انه كلما كان الخطر الجيوبولتيكي أكبر، كلما استلزم ان يتولّى تنفيذ المشروع رجال أكثر خبرة. وتخلُص إلى القول: وعند الأخذ بنظر الاعتبار دوافع الإدارة الأعمق لغزو العراق – التي لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل أو الجوانب الفلسفية المتعلقة بنشر الديمقراطية – سنكتشف بأن الولايات المتحدة كانت تريد مجرد استعراض قوتها أمام العرب في أعقاب أحداث 11/9، الأمر الذي أعطى نتائج عكسية؛ لأن مرحلة ما بعد الغزو كانت تتطلب إدارة مدنية – عسكرية، وبالنتيجة كانت حرباً فاشلة.
3- لماذا لا تؤيّد واشنطن استقلال كردستان؟: في هذه المقالة يشير مايكل روبينإلى مساهمة المحسوبية والفساد السياسي في تآكل سمعة كردستان داخل العراق وخارجه، كما ان فشل الأكراد في إيجاد زعيم قادر على إدارة الحكومة وتطوير مؤسسات الدولة، يعمل علىإيصال رسالة إلى واشنطن والديمقراطيات الغربية بأن كردستان غير قادرة على إقامة دولة مستقلة، ويتساءل الكاتب حول الأسباب التي تقف وراء بقاء الموقف الرسمي داخل الولايات المتحدة غير متعاطف مع تلك التطلعات الكردية؟ ليجيب بأن السبب الرئيس يكمن في واقع الأسر الكردية السياسية الحاكمة. ويعتقد بأن جانب كبير من النظرة الإيجابية لكردستان في الولايات المتحدة ما تزال تُعزى مباشرة لجهود برهم صالح، وانه إذا لم يكن هناك زعيماً في كردستان قادراً على إدارة الحكومة، فإن الرسالة التي ستصل إلى واشنطن هي: ان كردستان غير قادرة على إقامة دولة مستقلة. ويوصي أخيراً بأن أفضل ما في وسع البارزاني القيام به الآن – إذا كان يرغب في إقناع الولايات المتحدة بأن الأكراد قادرون على إقامة الدولة وان من مصلحة الأولى تقديم الدعم لها – هو أولاً: إرسال شخص متمكن لتولّي إدارة مكتب ممثل كردستان في واشنطن، بغض النظر عن عائلته و انتمائه السياسي. ثانياً: التنحي عن منصبه والسماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
4- محور كردي إقليمي برعاية تركيّة: يعتقد كاتبا هذه المقالة بأن وصول تركيا إلى اتفاق سلام مع حزب العمال الكردستاني التركي ذي العلاقات غير المباشرة مع أكراد سوريا يمكن ان يساعد على بناء “محور كردي” في الشرق الأوسط مستفيدة في الوقت ذاته من تقاربها مع أكراد العراق، غير ان تناحر الأتراك والأكراد مع إيران وبغداد قد يعرقل أي خطط من هذا القبيل.ونظراً لصعود مكانة أنقرة وتدهور وضع الأسد، فمن الممكن أن يتحوّل الأكراد بصورة أكثر حسماً ضد النظام وباتجاه ائتلاف المعارضة الرئيس في سوريا، ويعزز بدوره من الأهداف التركية والأمريكية لإسقاط الأسد، حيث سيؤدي إلى تجنّب قيام صراع داخلي لاحق في سوريا، ويقلل من امتداد هذا الصراع إلى دول الجوار. وفي أفضل الأحوال، يمكن أن يتمخض عنه ظهور طوق من المجتمعات الكردية الصديقة على حدود تركيا الطويلة مع سوريا والعراق سهلة الاختراق، بحيث يفتخر كل مجتمع بحصوله على قدر من الحكم الذاتي المحلي، ويدعوان الولايات المتحدة إلى تعزيز دعمها لتركيا والمعارضة السورية، وذلك لجعل الأكراد السوريين يعملون لتحقيق هدف مشترك في هذه القضية المشتركة، وكذلك يدعوان إلى منح بغداد المزيد من الحوافز للتخلّي عن الأسد، وتقديم ضمانات ودعم ملموس لجهود العراق المبذولة لتأمين الحدود مع سوريا، وإذا ما وافقت بغداد على الحد من دعمها الإيجابي والسلبي لدمشق، فإن على واشنطن تقديم ضمانات إضافية لمعارضة أي محاولات تقوم بها حكومة اقليم كردستان وتركيا لإجبار بغداد على دفع أي ثمن سياسي أو اقتصادي لا مبرر له من ناحية الامتيازات النفطية أو المطالب الإقليمية.
5- استمرار التظاهرات في العراق سيمزّق البلاد: في هذه المقالة المنشورة في مجلة الفورين بوليسي المرموقة يعتقد الكاتب بأن الاحتجاجات الطائفية تُعد أكبر خطر يواجهه العراق منذ انسحاب القوات الأمريكية، إذ ان اتساع نطاق هذه المظاهرات من الممكن ان يشكّل نواة انتفاضة تندمج فيها المظالم العرقية والسياسية لإشعال فتيل حرب أهلية جديدة.ويدعو الولايات المتحدة إلى ممارسة الضغط على المالكي ليعترف بأن تقاسم السلطة هو السبيل الوحيد الذي يمكن ممارسته للمضي قدماً بالبلد، وينبغي تشجيعه على القيام بمشاركة سلمية مع الزعماء السنة والعمل معهم لزيادة الاستثمار في مجتمعهم ضمن المشروع الوطني العراقي.