من المراكز البحثية التي يتابعها مركزنا باستمرار هو مشروع الشرق الأوسط للبحث والمعلومات (مريب) الذي تم تأسيسه عام 1971، ومن مهماته جمع وتوفير المعلومات والتحليلات المرتبطة بالشرق الأوسط مما يُنشر في وسائل الإعلام المحلية. ومن منشوراته “تقرير الشرق الأوسط” الذي لاقى رواجاً واهتماماً من قِبل المهتمين بشؤون المنطقة. يصف المشروع نفسه بأنه منظمة مستقلة وغير ربحية وغير حكومية موقعها في واشنطن دي سي، وغير مرتبطة بأي منظمة دينية أو ثقافية أو سياسية في الولايات المتحدة أو خارجها. يمول المشروع نفسه من خلال مبالغ الاشتراكات في تقرير الشرق الأوسط والمنح الصغيرة المقدمة من قِبل المؤسسات الأمريكية والأوروبية والهدايا الممنوحة من قِبل القراء والمشتركين. المشروع مستثنى من دفع ضرائب الدخل. وتُخصم مبالغ المتبرعين من الضريبة التي يجب ان يدفعوها إلى الحكومة الأمريكية. وأما فعاليات الموقع الالكتروني للمشروع فقد بدأت منذ عام 1996. وتتم إدارة المشروع من قبل هيئة إدارية تتكون من خمسة مدراء يقيمون في الولايات المتحدة، تنتهي مهمتهم بعد ثلاث سنوات، ويجتمعون مرتين في العام لإصدار التعليمات الإدارية والمالية وللإشراف على فريق عمل المشروع. وتتألف هيئة التحرير من عشرين باحثاً، يلتقون ثلاث مرات في العام، للتخطيط – وبالتعاون مع رئيس التحرير- للأعداد القادمة من التقرير. يوفر تقرير الشرق الأوسط أخباراً وتصورات جديدة حول المنطقة، غير متيسرة عادة في وسائل الإعلام. إن فهم الأمريكان والأوروبيين لأحداث المنطقة عادة ما يكون محدوداً ومتأثراً بتفسيرات أحادية الجانب وبعيدة عن الواقع. يصدر التقرير بأربعة أعداد في السنة. وممن ذكر التقرير بالمديح والإعجاب الاستراتيجي والمحلل المعروف “غراهام فولر” أحد خبراء مركز راند البحثي، إذ يعتقد بأن التقرير يوفر له معلومات عن الشرق الأوسط غير متوفرة في أي مكان آخر. وللتقرير آلاف المشتركين المتميزين بالتنوع ومن بينهم صناع القرار والباحثين المتخصصين والأكاديميين.
ومن خلال تتبعنا لمواضيع ودراسات التقرير، يبدو أنه يعبّر عن مصالح اللوبي الصهيوني الناشط في الولايات المتحدة، ويحاول ان يصوّر منطقة الشرق الأوسط وأحداثة الجارية من خلال وجهة النظر الصهيونية.
يأتي هذا التعريف بهذا المشروع الصهيوني بمناسبة نشرنا في هذا العدد إحدى مقالات هذا التقرير الذي يتناول بالدرس والتحليل الدقيق ملفاً قد لايثير اهتمام المتابع السطحي، ألا وهو ملف شيعة الهزارة في باكستان، هذه الطائفة التي تعرضت إلى الكثير من المجازر والاضطهاد العرقي والطائفي على مر التاريخ والذي يستمر في وقتنا الحاضر على يد حركة طالبان في افغانستان خصوصاً.إذ يعتقد كاتب المقال بأن الحكومة الباكستانية لم تقم بأي إجراءات رادعة في سبيل الحد من أعمال العنف التي يتعرض لها “الهزارة” في بلوشستان على وجه الخصوص, ويرى الكثير من المحللين والصحفيين والناس العاديين -كما ينقل المقال- أن الحكومة الباكستانية إما تغض الطرف عن الهجمات الطائفية أو انها متواطئة معها، وسبب هذا التواطؤ غير معروف، فقد يكون مصدره المنافع الناتجة من انعدام الأمن في بلوشستان، أو الخوف من الانتقام الشخصي من قبل الجماعات المتطرفة أو الحاجة إلى أصواتهم في الانتخابات الإقليمية. ويشير المقال إلى انه في أيران، لم تكن هناك أي احتجاجات، حيث ان الهزارة وعدد من اللاجئين الأفغان بشكل عام يفضلون استراتيجية التخفي بسبب سياسة التمييز التي تواجهها في البلاد، سواء من الدولة أومن الناس العاديين. ويعتقد الكاتب بأن الدين أصبح مسألة خلافية في احتجاج الهزارة في لندن، فالمصطلحات الدينية هي الرائجة في الحركات الشيعية، إذ انهم يستحضرون معاناة رموزهم والشخصيات المقدسة في معركة كربلاء قبل 1400سنة لإثارة روح الحماس لدى المشاركين، ويتم إحياء ذكرى كربلاء كل عام خلال شهر محرم، من خلال الصلوات ورثاء الأئمة، فالمذهب الشيعي المسيّس متأصل ولا سيما في إيران، حيث عاش العديد من الهزارة كلاجئين فيها. ولكن عندما يقوم شخص ما في اعتصام لندن بقراءة دعاء التوسل فهو يعد كافراً من وجهة نظر السني لأنه لا يتوجه إلى الله مباشرة، ويقول البعض: إن تطرف الشيعة هو السبب في معاناتهم فبعض الدعاة الشيعة يمطرون الشتائم على المعتقدات السنية والشخصيات المقدسة لديهم، وذلك ساعد على تأجيج نيران الكراهية الديوبندية. وفي المقابل هناك نظرية تقول: إن هجمات عسكر جنجوي على الهزارة هي نوع من أنواع الحروب بالوكالة بين إيران والسعودية.
اللافت للنظر ان هذه المراكز البحثية تدرس وتتابع هذه الملفات الشائكة في المنطقة وبدقة، لكي تتم الاستفادة منها في إثارة النعرات الطائفية والعرقية وتحريك كل ما يمزق ويدمر هذه الأمة النائمة التي تغط في سبات عميق منذ قرون طويلة، كما يحصل الآن وبوضوح في المنطقة كلها، من المغرب وحتى افغانستان. فالملف الشيعي عابر للحدود ولايمكن حصره في السعودية أو لبنان أو باكستان …الخ. وتأثيره وتبعاته عابرة للحدود كذلك. ومن هنا يأتي اهتمامنا بترجمة وتلخيص هذا المقال لكي يطّلع عليه المتابعون الاستراتيجيون في كل مكان ويرتبوا عليه الأثر اللازم بإذن الله.