في هذا العدد ننشر مقالة استراتيجية مهمة تلقي الضوء الكاشف على ما يجري ويدور في المنطقة من أحداث، وتبيّن مكامن وطريقة التفكير الإسرائيلية، التي بدورها تؤثر وبشكل فعّال على صناعة القرار الاستراتيجي الأمريكي من خلال نشاط وفعالية اللوبي الصهيوني المتحرك في الولايات المتحدة. هذه المقالة منشورة في صحيفة جيروسليم بوست الإسرائيلية تحت عنوان: الشرق الأوسط بين الأسلمة والبلقنة.
فنلاحظ الاهتمام بحقوق الأقليات، واستنكار وصف المنطقة على أساس هويتها العربية والإسلامية، والدعوة إلى الاهتمام بالهويات الدينية والمذهبية والعرقية بدلاً من ذلك، والإشارة إلى ان أحد أهم الكتب التي صدرت بهذا الشأن هو كتاب “الأقليات في الشرق الأوسط: تاريخ من الصراع وإثبات الذات” للأكاديمي اليهودي “موردوخاي نيسان” عام 2002 الذي كان قد نشر مقالاً حول “محنة الأقليات” في العام 1996. ويَخلُص المقال إلى نتيجة مفادها: ربما تمثل المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة، الفرصة المناسبة للتوقف عن النظر إلى الشرق الأوسط بوصفه عربياً/مسلماً، كما أنها اللحظة المناسبة لتلافي الإهمال الذي تعانيه الأقليات والأخذ بعين الاعتبار التنوع الواسع لسكان المنطقة.
وفيما يأتي بعض الأفكار المطروحة في هذا المقال:
– إن الربيع (أو الشتاء) العربي والانتخابات التي تمخّضت عنه لم ترافقها حماية لحقوق الأقليات والتي تعد السمة الأساسية للديمقراطية الحقيقية.
– إن الشرق الأوسط ظل على مدى عقود من الزمان يوصف على أنه “عربي مسلم” كما لو كان حكراً على العرب والمسلمين. وعلى أي حال فإنه من الممكن تصنيف الشعوب على أساس الدين والإثنية واللغة والجنس والعرق وغيرها.
– إن السوريين لا يُعرّفون أنفسهم بهذه الهوية فحسب بل كونهم علويين وسنة وشيعة ودروز وكرد ومسيحيين أيضاً.
– الإيرانيون هم في الغالب فرس وليسوا عرباً، فإيران هي موطن الإسلام الشيعي (مقارنةً مع الإسلام السني ومركز ثقله في السعودية)، وكذلك موطن البهائية والزرادشتية وشعبها يتكلم الفارسية لا العربية.
– العراق يضم ثلاث مجموعات متميزة جغرافياً من السكان؛ فالشيعة معظمهم في الوسط والجنوب فيما يتركز السنة في الغرب والكرد في الشمال.
– مصر لديها هوية وطنية راسخة ومتميزة عن هويتها العربية أو الإسلامية، وتضم في كنفها أقليات كبيرة من المسيحيين الأقباط والعنصر الأفريقي، فضلاً على ذلك كان يقطن هناك الكثير من اليونانيين والأوربيين واليهود إلا أن معظمهم قد غادروا.
– أُسست لبنان بوصفها دولة مسيحية إلى جانب سوريا بوجود الكنيسة الأرثودوكسية الشرقية والمارونية بوصفها هويات أساسية، فضلاً على مجموعات سكانية كبيرة من السنة والشيعة والدروز. وفي السابق كان هناك مكوناً يهودياً يسكن في لبنان.
– أما إسرائيل فعلى الرغم من أنها دولة يهودية، إلا أنها توفر الحريات الدينية للمسيحيين والمسلمين وغيرهم، واليهود فيها ينحدرون من أعراق عدة من أفريقيا وأوربا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وكذلك الأشكيناز والسفارديم، فهنالك تيارات دينية متنوعة وأناس من مختلف المشارب.
– الأكراد الذين يسكن جزء كبير منهم في العراق وتركيا وإيران وسوريا، وعلى الرغم من كون معظمهم من السنة إلا أنهم يقدمون هويتهم الكردية على هويتهم المذهبية.
– إن منطقة الشرق الأوسط تشهد في الوقت الحاضر تحولات سياسية كبيرة لم تمر بها منذ بداية القرن الماضي عندما انهارت الدولة العثمانية. فقد أدّى الانتصار البريطاني إلى تشكيل كيانات سياسية جديدة في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين والجزيرة العربية،وإلى تقديم الدعم من قبل بريطانيا إلى الأقليات في المنطقة كالأرمن واليهود والأقباط والأكراد والموارنة والشيعة، إذ ساهم الإنكليز في دعم الحقوق اليهودية في فلسطين.
– تناوب على لعب هذا الدور معظم الدول الكبرى مثل أمريكا وفرنسا بتقديم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل التي ظلت تصارع التحديات الإسلامية منذ تأسيسها، حتى أصبحت اليوم مناراً مشعاً بالديمقراطية، والأمل المنشود الذي تطمح إليه جميع الأقليات في المنطقة.
– حان الوقت المناسب للتخلي عن النظر إلى الشرق الأوسط بوصفه عربياً – مسلماً، وهي اللحظة المناسبة لتلافي إهمال الأقليات والأخذ بعين الاعتبار التنوّع الواسع لسكان المنطقة.
– إن المصطلحات الجديدة من قبيل “فسيفساء الأقليات في الشرق الأوسط” ربما تجسد هذا التوجه الجديد، فضلاً على أنه يعكس الواقع التاريخي ويلبّي المطالب بشأن إيجاد وتمكين الديمقراطيات التمثيلية التي تحمي “حقوق الأقليات“، وان ذلك من شأنه إن لم يمكّن من الوصول إلى السلام الشامل، فعلى الأقل سيُسهم في تصحيح الاختلالات الإقليمية على صعيد القوة والاستقرار.
((إذن فالمطلوب وفقاً لوجهة النظر الإسرائيلية، الكف والتوقف عن وصف المنطقة بالعربية والإسلامية، وبدلاً من ذلك يجب إطلاق العنان للأقليات العرقية والمذهبية والدينية لكي تبرز وتؤسس دويلاتها المجهرية الصغيرة التي لا تشكل خطراً استراتيجياً على وجود ومستقبل إسرائيل، ولكي تبرّر كذلك وجود دويلة يهودية في فلسطين التي رفض السلطان العثماني أن يهبها لهم)).