في هذا العدد ننشر خلاصة مركزة لثلاث مقالات مهمة للكاتب الاستراتيجي الأمريكي وليام مارتيل، المنشورة في مجلة الديبلوماسي الأمريكية المرموقة، يتناول فيها الأهمية البالغة لوجود سياسة خارجية استراتيجية كبرى للولايات المتحدة عبر العالم، هذه الاستراتيجية التي هي أكبر بكثير من الاستجابة للمشاكل فقط، إذ يجب أن تنطوي على المبررات والدوافع الأساسية التي توضّح كيف ولماذا تشارك الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، ومثلما أنه من غير الممكن أن يكون هناك بديلاً عن وجود مثل هذه الاستراتيجية الهادفة والمتماسكة، فإن الفشل في تحديد ملامحها ينتج عنه ضبابيةخطيرة جداً في السياسة الخارجية للبلاد وفقدان البوصلة على المستوى الاستراتيجي. هذه الخلاصة تبيّن طريقة التفكير الأمريكية ومشاغل وهموم واحتياجات صانع القرار الاستراتيجي في هذا البلد الذي له مصالح عبر العالم، الأمر الذي يجب أن يهتم به ويدركه صانع القرار الاستراتيجي العراقي ويرتب عليه الأثر اللازم.
فالكاتب يرى أن الولايات المتحدة تفتقر إلى إطار استراتيجي يحدد دورها في العالم وكيفية تحقيق التوازن بين هذا الدور وموارد الأمة والإرادة العامة. حيث تتجلى الحاجة إلى معرفة ما هي المبادئ التي ينبغي أن تحكم سياسة الولايات المتحدة في عالم غير مستقر بشكل متزايد، ويعتقد بأن مصادر الاضطرابات وانعدام الاستقرار تتمثل بما يأتي:
1 – القوى الكبرى:
يشير الكاتب هنا إلى صعود الصين الذي يعد من الأمثلة البارزة، فاقتصاد بكين أصبح ثاني اقتصاد في العالم، فضلاً على زيادة قدراتها العسكرية. ويشير كذلك إلى روسيا التي استعادت حيويتها.
2- القوى الإقليمية المزعزعة للاستقرار:
تأتي إيران – وفقاً لرأي الكاتب – في مقدمة هذه القوى، حيث تواجه أمريكا اليوم مهمة حساسة وهي كيفية الموازنة بين اعتماد الغرب على نفط الشرق الأوسط، وعواقب هجوم عسكري ضد الصناعة النووية الإيرانية. يضاف إلى ذلك كل من كوريا الشمالية وباكستان، ويشير كذلك إلى الحرب الأهلية في سوريا التي ما تزال مصدراً قوياً للفوضى والاضطرابات، حيث من السهل أن تتفاقم إلى أزمة تشمل العراق وتركيا وإيران.
3 – مصادر اضطراب أخرى غير متوقعة:
يعتقد الكاتب بأن أفغانستان واحتمال عودة التطرف إليها من أمثلة هذه المصادر غير المتوقعة للاضطراب، فضلاً على دوامة العنف التي اجتاحت المنطقة بعد أحداث الربيع العربي في كل من مصر وسوريا وليبيا، والتحديات المتمثلة بكيفية مواجهة الحروب الالكترونية والتعامل مع الناشطين غير الحكوميين الذين يقومون بتعبئة أنصارهم عن طريق الأفكار.
يُقرّ الكاتب بأن هذه الاضطرابات والتحوّلات تتطلب من واضعي السياسات مواكبة هذه التحديات على الصعيد الفكري، فجزء من المشكلة يبدو في عدم رغبة صناع القرار في تبنّي أشكال جديدة من التفكير الاستراتيجي نتيجة التمسك بعناد بالمناهج التقليدية على الرغم من أنها ساهمت بتعميق الشكوك وتزايد الفوضى والاضطرابات منذ نهاية الحرب الباردة.
ويوصي الكاتب بضرورة الالتزام بالمبادئ الثلاث الرئيسة التي يجب أن تأتي على رأس أولويات الاستراتيجية الأمريكية الكبرى وهي كآلاتي:
أولاً: تعزيز البنى الداخلية للقوة الوطنية الأمريكية: وهي دعوة لإعادة تنظيم الولايات المتحدة لنفسها على المستوى الداخلي وتعزيز أسس القوى المحلية، وذلك لمعرفة كيفية التعامل مع التحديات في الداخل والخارج.
ثانياً: تعزيز القيادة الأمريكية لكبح مصادر الاضطراب: فمن الضروري استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة أن تعمل أحياناً للقيادة “من الأمام” إن جاز التعبير. وعلى واشنطن أن تستعمل أسلوب القوة وليس المقصود فقط القوة العسكرية التقليدية، بل القوة في استخدام كل الوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية للمساعدة في الوصول إلى عالم أفضل.
ثالثاً: تدعيم التحالفات والشراكات: إذ إن تأثير الولايات المتحدة يتزايد مع إظهار رغبتها في دعم وتشجيع الدول الأخرى في ممارسة القيادة، لأن قوة أمريكا محدودة ولابد من العمل مع مؤسسات المجتمع الدولي التي تسعى لحفظ الأمن وازدهاره، وضرورة الموازنة بين العمل الجماعي على الصعيد الدولي والمحافظة على خيارها في العمل الفردي عند الحاجة.
وفي الختام يشير المقال إلى حقيقة استراتيجية كبرى وهي: انه لا يجب أن يتوقع الشعب ولا واضعو الخطط والسياسات أن تفوّق أميركا سوف يدوم إلى الأبد.