ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لمقالة استراتيجية تلقى الضوء الكاشف على الأحداث الجارية في المنطقة، الأمر الذي يدخل في صميم اهتمامات صانع القرار العراقي الاستراتيجي.
يشير الكاتب إلى الفوضى الشاملة التي عمت العراق بعد الغزو الأمريكي والأجواء المفعمة بالطائفية المقيتة، على الرغم من تحذير البعض للرئيس بوش من ذلك، إلا انه أهمل تلك التحذيرات؟! فيقول:
وبعد مرور عشر سنوات على الغزو، بدا من الواضح أن حرب العراق كان لها انعكاسات كبيرة وقاتمة إلى حدٍّ تجاوزت فيه الأوهام التي كانت تدير السياسة الخارجية الأمريكية وتوقعاتها، فعندما أُطيح بصدام كان الشيء الرئيس الذي تحرر هو الكراهية الدموية التي كبتتها عقود الدكتاتورية ومنعتها من أن تظهر على السطح.
وتطرق الكاتب إلى كتاب يؤرخ لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت بقيام الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بطريقة تؤجج العنف لعقود وربما لقرون قادمة، إذ إن الحدود التي رسموها في الشرق الأوسط ظلت باقية، وهي لم تمت بصلة إلى الحدود التاريخية والطبيعية بين الجماعات الطائفية وغالباً ما قسمت أعضاء الجماعة الواحدة بعضها عن البعض الآخر أو فرضت حكم الأقليات على الأغلبيات.كما وبقي أيضاً الحكام الذين سلطهم الغرب على الدول المصطنعة وكان أحد المهام الرئيسة التي اضطلعوا بها هو اضطهاد الجماعات أو رشوتهم أو استعداء بعضهم على البعض الآخر من أجل الإبقاء على حكمهم، وجاءت الصدامات الداخلية بين السنة والشيعة لتهيمن على السياسات الإقليمية، وما يحصل في معظم أنحاء الشرق الأوسط الآن هو انهيار هذا النظام.
والسؤال- وفقاً للكاتب- هو إلى أي مدى سيصل هذا التفكك، هل ستندلع الحروب الأهلية في هذه الدول المصطنعة واحدة تلو الأخرى؟ وهل سينتشر النموذج السوري ليمتد إلى لبنان والأردن ومن ثم المملكة العربية السعودية؟ هل سينقل السنة أو الشيعة أو كلاهما صراعهم الطائفي عبر الحدود إلى النقطة التي تنهار فيها تلك الحدود نفسها؟ وإذا كان الأمر كذلك هل سيتم رسم حدود جديدة مطابقة لبعض الانقسامات الطائفية التاريخية؟
ومن المعلومات الاستراتيجية المهمة الواردة في هذه المقالة هي ما ذكره كتاب “فرومكين” حول الفوضى الوشيكة التي ستستمر لمدة طويلة، مشبهاً ذلك بوضع أوربا في القرن الخامس عندما أفضى انهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب إلى أزمة حضارية أجبرتهم على العمل بنظام سياسي جديد خاص بهم، ووفقاً لفرومكين “فقد استغرق الأمر في أوربا ألفية ونصف لحل أزمة الهوية الاجتماعية والسياسية لما بعد الرومان وما يقرب من ألف سنة ليستقر على شكل الدولة القومية للتنظيم السياسي ومايقرب من خمسمائة سنة أو أكثر لتحديد أي الأمم يحق لها أن تكون دولاً.
يحاول الكاتب في مقالته هذه تبرأة صانع القرار الأمريكي مما يجري الآن في العراق وفي المنطقة من فوضى ومن انتشار للطائفية المقيتة، التي ستأكل الأخضر واليابس، إذا لم يتدبر الأمر وبسرعة العقلاء والواعون الاستراتيجيون لما يخطط له الطرف الآخر لتفتيت دول المنطقة المحيطة بإسرائيل إلى دويلات مجهرية صغيرة لا تشكل خطراً استراتيجياً على أحد، عملاً بتوصيات شيخ المستشرقين “برنارد لويس”.