في هذا العدد ننشر خلاصة دراسة استراتيجية مهمة تعبّر عن وجهة نظر روسيا حول المنطقة، وهي منشورة من قِبل مجلس الشؤون الخارجية الروسي، وتم إعدادها من قِبل مجموعة من الخبراء الاستراتيجيين الروس، وهذه فرصة لصانع القرار الاستراتيجي العراقي للتعرف على الكيفية التي تنظر من خلالها روسيا إلى الأحداث في المنطقة ولتفهم مصالحها ومصادر قلقها، ونظراً لكثرة عدد صفحات هذه الدراسة فقد تم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام ستُنشر تباعاً في الأعداد القادمة بإذن الله.
وفيما يأتي استعراض لأهم الأفكار والطروحات الواردة في هذه الدراسة:
– شهد العالم العربي خلال السنتين الماضيتين تحولات سياسية جوهرية قادت إلى تغيير النظام في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن، ونشر قوات سعودية في البحرين، وإلى حرب أهلية في سوريا، وإصلاحات في كل من المغرب والأردن.
– إن قراءة لطبيعة التحوّل القائمة تضعنا أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسة:
– سيناريو الإصلاح: في ظل هذا السيناريو تجري الإصلاحات على الصعيد الدستوري والتشريعي برعاية الأنظمة نفسها، كما حدث الأمر في كل من المغرب والأردن، وبدرجة أقل في دول الخليج والجزائر.
– سيناريو الثورات: أطاحت الثورات بصورة سريعة بالأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر، لكنها لم تجنح إلى المسار المتطرف في تقويض النظام القائم برمته، بدلاً من ذلك فقد تطلعت إلى الانتقال إلى مرحلة يمكن السيطرة عليها نسبياً والقيام باصطلاحات ضمن الإطار القانوني القائم.
– سيناريو الحرب الأهلية: تجسّد هذا المشهد في ليبيا وسوريا، وبشكل جزئي في اليمن؛ فقد لعبت كل من المؤسسات السياسية المتخلفة، والنقص أو الغياب في الموارد اللازمة للاستجابة إلى احتياجات المتظاهرين وعدم مشروعية السلطة القائمة دوراً في حصول هذا السيناريو في هذه البلدان.
– ومن العوامل المهمة أيضاً التي حفّزت هذا المشهد هي:
– التدخل الخارجي والانقسامات المجتمعية واعتماد الأنظمة على النخب والمجموعات التي كانت تتمتع بحقوق تفضيلية في مختلف المجالات.
– إن المشهد الأخير من الممكن أن ينتقل إلى أجزاء أخرى من العالم العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ما لم تستخدم الأخيرة الأموال أو توفر أعداداً كبيرة من الوظائف لإسكات الاحتجاجات التي تجري على خلفية انتشار الفوضى في المنطقة وصعود إيران.
– امتازت معظم القوى السياسية التي برزت بعد التحولات التي شهدتها المنطقة بافتقارها إلى الخبرة في الحكم.
– وبصورة عامة هناك مدرستان فكريتان أساسيَّتان في الساحة السياسية في الوقت الحاضر تتمثل الأولى بالإسلاميين المعتدلين (الإخوان المسلمين).
– أما المدرسة الثانية فتمثلها القوى العلمانية التي لا تعتقد بوجود اختلاف بين الإسلاميين المعتدلين والسلفيين فهما يسعيان إلى الهدف ذاته – إيجاد حكومة إسلامية – لكن باستخدام أساليب ووسائل مختلفة.
– فازت القوى الإسلامية في الانتخابات التي أعقبت الثورات في مصر وتونس والفضل في ذلك يعود لاستخدامها خطابات سياسية بلغة تحبذها غالبية المواطنين فضلاً على الصورة التي ترسخت في الأذهان خلال حقبة طويلة كونهم ضحايا ونجاحهم في جمع الناخبين ذوي الميول المحافظة تحت لوائهم.
– وفي ظل ذلك فإن مستقبل القوى العلمانية (الليبرالية واليسارية) سيبقى غامضاً، فهي تعاني من الضعف وتفتقر إلى التنظيم كما أنها غير قادرة على تبسيط خطابها بطريقة تحشّد الجماهير بسهولة.
– إن سبيل القوى العلمانية لانتزاع مقاليد السلطة من الإسلاميين مشروط بتحقق مجموعة من الأمور تتمثل بما يأتي:
– أولاً: فشل السلطات الجديدة في اجتياز الاختبار المتمثل في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.
– ثانياً: تبنيها لإجراءات وتدابير لا تحظى بشعبية واسعة وهو ما يدفع جزءاً من الناخبين إلى صفوف المعارضة.
– ثالثاً: الفشل في السيطرة على المؤسسات التي ساهمت في حفظ الأنظمة السابقة من الثورات، كالجيش والشرطة والقوى الأمنية التي ما تزال تحتفظ بنفوذها ومراكزها في النظام الجديد.
– إن مشاهد التحوّل التي قامت على الإصلاح والتغيير ستسهم على المدى البعيد بتحقيق التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يتوقف على زيادة شرعية النظام السياسي وإضفاء الطابع الديمقراطي عليه وتعزيز السيادة الداخلية والتوفيق بين الأفعال الحكومية والحاجات العامة للشعب.
– إن النموذج المرجّح أن يتم اتباعه في هذه البلدان هو الديمقراطية غير الليبرالية.
– إن الوضع في (ليبيا وسوريا والعراق) من الممكن أن يدفع بالصراع خارج حدود هذه الدول، الأمر الذي قد يقوّض الاستقرار في المنطقة ككل.