عنوان افتتاحية هذا العدد يشير إلى دراسة استراتيجية مهمة، نضع بين يدي المتابع الكريم في هذا العدد، ترجمة ملخصة لها، وهي منشورة على موقع مركز أبحاث “تشاثام هاوس البريطاني” المرموق والمعروف على مستوى العالم والذي يُعد توأم “مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي” وتأتي أهمية هذه الدراسة من نظرتها الاستشرافية لمستقبل العراق، إذ تعتقد بأن ثروة العراق النفطية ستعمل على تغيير قواعد اللعبة في العلاقات العراقية – الإيرانية، فتحوّل العراق إلى اللاعب الأكثر فاعلية في أوبك وفي المنطقة، قد يُفضي إلى تغيير جوهري في ميزان القوى بين البلدين، الذي يميل اليوم لصالح إيران بشكل كبير، لكن في الوقت نفسه من غير الواضح إلى أي مدى ستكون التفاعلات الإقليمية في المستقبل، بما في ذلك علاقات العراق مع بقية دول الشرق الأوسط، فهل ستكون محكومة بتنافس الهويات العرقية والطائفية أم سيحددها الشعور والتطلعات المشتركة لشعوب المنطقة؟
جاءت هذة النظرة الاستشرافية بعد أن قدّم المعهد الملكي للشؤون الدولية عرضاً مفصلاً لواقع العراق بعد عشر سنوات من الغزو الأمريكي فضلاً على سيناريوهات لما ستؤول إليه الأحداث في العراق، واستهل ذلك بالتأكيد على أنالعراق تاريخياً كان المركز الثقافي والديني والسياسي للشرق الأوسط، لكنه اليوم دولة ضعيفة جداً وصوته غائب عن المشهد السياسي في المنطقة.
وتضيف الدراسة قائلة: إن العراق اليوم يعاني من إهمال صنّاع القرار الغربيين المشغولين الآن بديناميات التغيير الجديدة في المنطقة وعلى رأسها الانتفاضات العربية، والأزمة السورية والملف الإيراني، ولكنهمن الناحية الجيوستراتيجية هو البلد المحوري في العالم العربي وإن فهم توجهاته الحالية والمستقبلية يعد أمراً حاسماً لفهم التطورات الإقليمية بشكل أوسع. فضلاً على ذلك، إن تفاقم الأزمة السياسية الراهنة في العراق ستكون له انعكاسات سلبية خارج الحدود. وإن الحراك السياسي العراقي، المتميز بقيام الفاعلين في دفع الأمور إلى حافة الهاوية من أجل تحقيق مكاسب معينة فضلاً على المعادلة الصفرية التي تحكم العلاقات بينهم، ساعد السياسيين على تحقيق انتصارات رمزية لكن في الوقت نفسه ساهم في سخط الجمهور على الطبقة السياسية التي ماتزال تفشل في العديد من مجالات الخدمات الأساسية.
ووفقاً للدراسة تُعد المخاوف من “استبداد الأغلبية” عالية جداً، في وقت ماتزال فيه الذكريات من تجارب الاضطهاد ماثلة وشبح الحرب الأهلية يعيش في الأذهان، وإن الأحزاب السياسية الإسلامية والجماعات المتطرفة ستبقى الجهات المهيمنة، ممثلةً مطالب سياسية وطائفية في بيئة سياسية مضطربة وغير مستقرة. علاوة على هذا فهي تمثل أهمية إثبات الهوية الإسلامية والقيم المرتبطة بها لدى العديد من أبناء المجتمع العراقي. وتُعد موارد الطاقة مصدر التمويل الحيوي لإعادة إعمار العراق وتحديثه إلا انها في الوقت نفسه قد تكون عاملاً لإشعال الحريق المقبل، إذ تسعى حكومة إقليم كردستان لتأسيس بنى تحتية مستقلة للتصدير التي هي بقدر ما تقوّي موقفها التفاوضي مع بغداد إلا انها من المحتمل أن تكون مصدراً للتوترات.
ومن الأمور المهمة التي أشارت إليها الدراسة هو النقاش في الولايات المتحدة الذي كان يتمحور حول جدوى الحرب في وقت يتم فيه تخفيض الموازنة ومحاولة الإدارة إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية وتوجيهها صوب آسياً، حيث إن استعراض القوة في الشرق الأوسط غير مجدٍ كونه ذا تكلفة مرتفعة والعوائد المباشرة ليست مؤكدة دائماً.
وخلُصت الدراسة إلى وضع ثلاثة سيناريوهات رئيسة لما ستؤول إليه الأحداث في العراق على النحو الآتي:
- سيكون الصراع السوري المحرّك الرئيس للتوجهات السياسية في العراق.
- أن يبدي العراق مرونة أكبر ولاسيما في مقاومة جهود تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات التي تثير التوترات الطائفية، بعض المرونة السياسية تتأتى من المصلحة المشتركة بين الفرقاء لتجنب العودة إلى الحرب الأهلية التي ما تزال ماثلة في الأذهان.
- أن يبقى العراقيون على عنادهم وانشقاقهم، ففي الوقت الذي يستمر فيه تأثير الوضع السوري في المشاكل داخل العراق إلا انه ليس المحرك الأساسي للسياسات الداخلية فيه، فالفصائل تستمر في وضع ثقتها على القوى الخارجية أكثر من أبناء بلدهم والسياسة ماتزال تتأثر إلى حدٍّ كبير بأجندات القوى الإقليمية المتنافسة وعلى الأخص إيران والسعودية وتركيا.
على الرغم من أن العراق – وفقاً للدراسة – قد شرع في عملية الانتقال السياسي منذ عشر سنوات، إلا ان ذلك لايعني أنه بمنأى عن تأثيرات العوامل الديمغرافية والسياسية والاقتصادية التي تكمن خلف الانتفاضات العربية، من قبيل قلة فرص العمل للشباب والمحسوبية في السياسة والعمل وعدم قناعة الشعب بالنخبة الحاكمة وكذلك التطور السريع في تكنولوجيا الاتصالات.