عنوان الافتتاحية يشير إلى مقال استراتيجي مهم للكاتب البريطاني “ديفيد بلير” الذي يعمل رئيساً لمجموعة المراسلين الصحفيين الأجانب في صحيفة الديلي تلغراف البريطانية المعروفة، إذ يعتقد بأن الصراع في العراق أصبح طائفياً بين الأغلبية الشيعية التي تتولى مقاليد الحكم والأقلية السنية، والتوترات بين السنة والشيعة تزداد باطّراد في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي ينمُّ عن حرب باردة ذات طبيعة فكرية واجتماعية، حيث إن الصبغة الدينية هي الطاغية على سياسات هذه المنطقة،وليس من المفاجئ أن يصرّح القرضاوي (الداعية الرئيس للسنة وجماعة الإخوان المسلمين) بأن الشيعة بشكل عام – وإيران بشكل خاص – يتآمرون لقتل السنة، وان الصراع بين الطائفتين في معظم البلدان لا يجري بواسطة الأسلحة بل من خلال التصدع الديني وعلى نطاق أوسع مما كان عليه في أي وقت مضى،وقد يُفسّر هذا على أنه “الحرب الباردة الإقليمية الجديدة” التي تعمل على تقسيم الشرق الأوسط، كما وصفها توبي دوج، وهو مختص في العلاقات الدولية في كلية لندن للدراساتالاقتصادية، وان إيران والمملكة العربية السعودية هما قطبا الصراع الدائر، فالأولى تمثل حضارة بلاد فارس الشيعية، والأخيرة تُعد معقلاً للعرب السنة ومدافعاً عنهم وتقع فيها أقدس الأماكن، ويستخدم كلاهما لغة الولاء الطائفي وتشويه سمعة خصومهم، مما حدى بدول المنطقة أن تقف إمّا وراء إيران، أو وراء المملكة العربية السعودية، وبعد أن كان العراق العدو الأكبر لإيران، أصبح اليوم حليفها الجديد، وذلك بفضل منح السلطة للأغلبية الشيعية بعد سقوط صدام حسين، أما بقية دول المنطقة فتقع بطبيعة الحال ضمن المعسكر العربي السني بقيادة السعودية، وتحاول قطر أن يكون لها دور في السياسة الخارجية ولكنها تبقى في الأخير مملكة سنية موالية للسعودية، وفي البحرين، ذات الأغلبية الشيعية التي ترزح تحت حكم نظام ملكي سني، فقد قاموا بثورة عام 2011 ضد حكم آل خليفة تمّ سحقها بمساعدة القوات السعودية، وكانت تلك رسالة واضحة من السعودية إلى الشيعة بأنها لن تتسامح معهم بشأن محاولة الاستيلاء على السلطة في البحرين، حيث تقع معظم احتياطياتها النفطية على بعد أميال عبر الجسر الفاصل بين المملكتين شرق السعودية،ومن غير المريح لها وجود الشيعة بنسبة غالبة هناك وفي كلتا الدولتين، لذا فهي تفضل القضاء على شرارات التمرد في البحرين خشية إشعال حريق قد يمتد إلى داخل كيانها، وفي هذه الحرب الباردة، تقع المعركة الأكثر دموية في سوريا، حيث أصبحت الثورة ضد استبداد الرئيس بشار الأسد مسرحاً للصراع الطائفي، إذ تهيمن الطائفة العلوية على نظام الحكم، وهي فرع من الإسلام الشيعي، ووفقاً لذلك، حوّلت عشيرة الأسد سوريا إلى الحليفة الأكثر ولاءً لإيران، وترفض الأخيرة وحزب الله فقدان هذا الموقع الحيوي، لذا فإنهم يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على الأسد في السلطة، وقد كان لمساعدتهم المباشرة – العسكرية والمالية – في الأشهر القليلة الماضية دور أساسي في صموده وبقائه، وفي المقابل فإن المتمردين يحصلون على الدعم من السوريين السنّة بنسبة70%، وتقوم العربية السعودية وقطر بتسليحهم بشكل متواصل، وللأردن كذلك دور حيث تمدهم بخطوط التجهيز الحيوية.
((هذه المقالة تعد مثالاً بارزاً على المقالات ذات اللغة الطائفية الواضحة، التي تؤكد على الاستقطاب السني- الشيعي في المنطقة المتمثل بقيادة إيران والسعودية، الذي يُراد من خلاله استنزاف المنطقة وإنهاكها تمهيداً لتقسيمها وتجزئتها إلى دويلات مجهرية لا تشكّل خطراً استراتيجياً على إسرائيل والولايات المتحدة، وان ترجمة هذه المقالة ومثيلاتها ووضعها بين يدي المهتمين بالشأن العام وصنّاع القرار الاستراتيجي العراقي، يأتي في سياق التواصل المستمر مع العقل الاستراتيجي الغربي والأمريكي بالذات، لمتابعة ومعرفة ما يجري ويدور في أروقة صناعة القرار هناك، كجزء من عملية بناء وتطوير الوعي الاستراتيجي، اللازم لخوض الصراع وإدارة معارك التحديات التي تواجهنا من كل حدب وصوب)).