ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لدراسة مهمة للكاتبة “جسيكا ماثيوس” رئيسة مركز كارنيجي للسلام الدولي والمنشورة في مجلة الفورين بوليسي والتي مضى عليها ما يقارب العام، إلا ان توقعاتها ما زالت واقعية وأقرب إلى الواقع ولربما ستستمر إلى الأعوام القادمة، إذ إنها توقعت بأن الفتنة الطائفية ستكون البوصلة التي تتحدد من خلالها وجهة الأحداث في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط، فقد أثار الغزو الأمريكي للعراق حرباً أهلية جعلته على حافة التقسيم إلى مكونات عدة كردية وعربية، وربما في وقت لاحق إلى مكونات سنية وشيعية منفصلة، ومن جانب آخر فإن تداعيات “الربيع العربي” ستستمر لمدة طويلة، ربما لعقود من الزمن، على خلاف ما توقّع الكثيرون، في ظل مخاوف من انحسار الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، وترى بأن القضية الأساسية للولايات المتحدة هي تجنّب الانزلاق إلى “الهاوية المالية”؛ فعلى الرغم من المعالجات إلا انها فشلت في الوصول إلى الحل اللازم لها، أما في أوربا فإن الأزمة الاقتصادية أكثر حدَّةً، وفي خضم ذلك يظل الشرق الأوسط محط اهتمام المجتمع الدولي؛ فالمنطقة الممتدة من المغرب إلى إيران ما تزال مسرحاً للاضطرابات السياسية في أعقاب الصحوة العربية، إذ تحوّل الإسلاميون من دورهم المألوف في المعارضة إلى مهمة أصعب بكثير وهي الحكم، وفي هذا السياق فإن الحركات الدينية تتحول إلى أحزاب سياسية فيما تكافح الجماعات العلمانية لتنظيم نفسها في أحزاب فعالة،ولفتت الفورين بوليسي النظر إلى المخاوف المترتبة على الانسحاب الأمريكي من العالم ومن ضمن ذلك الانسحاب المزمع من أفغانستان واستعداد الدول المجاورة لها (إيران والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى) لإعادة تشكيل نفوذها في أعقاب هذا الانسحاب، وإن ما يدعم هذا التوجه هو النمو الهائل في إنتاج الغاز والنفط الذي أدّى إلى ظهور شبح انخفاض حاد في اعتماد الولايات المتحدة على البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط، فضلاً على أن عجز الموازنة الأمريكية والحاجة إلى خفض الإنفاق يوحي للبعض بأن الولايات المتحدة ستلعب دوراً أقل في السنوات المقبلة، وفيما يتعلق بإيران تعتقد الدراسة بأنه حتى لو فشلت المفاوضات في العام 2013 بشأن الملف النووي، فإن إيران ما تزال لديها الطرق التي تجعل من الضربة العسكرية غير محتملة،وحذّرت المجلة في مكان آخر من أن ماسيحدث في سوريا سيؤثر بشكل كبير على قرارات السنّة حول المدى الذي سيذهبون إليه في التعبير عن استيائهم، وأوضحت أن فرص العراق في أن يصبح دولة مستقرة بعد عشر سنوات من الغزو الأمريكي – وإنفاق أكثر من ترليون دولار – ليست مشجعة، ورجّحت الدراسة دخول أفغانستان في مرحلة من عدم الاستقرار بعد رحيل القوات الدولية؛ وذلك لأن الوضع الأمني غير مشجع فيها، فضلاً على ذلك فإن نجاح المفاوضات مع طالبان أمر مشكوك فيه، واستبعدت الفورين بوليسي حدوث تغييرات حاسمة في روسيا، وانها لن تحدث في العام 2013 أو لسنوات بعد ذلك، لكن مع ذلك فإن روسيا اليوم ليست كما كانت في السابق، إذ توجد فيها نخبة متمدنة وطبقة وسطى مستنيرة وهي أكثر حرية وازدهاراً من ذي قبل، وهي تدرك جيداً إخفاقات النظام، وتضع الدراسة التوقعات المتعلقة بالقضايا الاقتصادية، والسياسية، والأمن العالمي، وما إذا كانت الولايات المتحدة وأوربا قادرة على التعامل مع الأزمات الاقتصادية، على درجة قصوى من الأهمية تتجاوز كل القضايا المذكورة آنفاً، فإذا ما اتفقت الأحزاب الأمريكية على طريقة تنقذهم من الوقوع في الهاوية المالية، فسيؤدي ذلك إلى معالجة الاضطراب الاقتصادي الحاد الذي اجتاح الاقتصاد خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، الأمر الذي سيطلق العنان لاستثمارات القطاع الخاص الذي بدوره سيشعل شرارة الانتعاش الاقتصادي ويعطي زخماً جديداً للدور الدولي للبلاد، وأما بالنسبة لأوربا، بوصفها أكبر كيان اقتصادي في العالم وتتولى زعامة النظام العالمي الليبرالي، فإن التحدي يتجسد بضبط الاقتصاد والإرادة السياسية، وهناك خطوات حثيثة اتُخذت في سبيل إنقاذ اليورو.
العدد45/كيف سيكون العالم عام 2013؟
Comments Off on العدد45/كيف سيكون العالم عام 2013؟