ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لمقالة منشورة في مجلة الفورين بوليسي الأمريكية المرموقة للكاتب “رمزي مارديني” الكاتب والمحلل فيهذه المجلة تناول فيها بالوصف والتحليل شخصية المالكي وطريقته في الحكم ونظرته إلى الأحداث في سوريا، إذ يعتقد بأن التغيرات السياسية الإقليمية تثقل كاهل العملية السياسية العراقية، فخريطة الشرق الأوسط الجديدة لا تناسب نظام المالكي ولا العراق كدولة يحكمها الشيعة، فضلاً على أن صعود حكومة يهيمن عليها السنة في دمشق من شأنه إيجاد خصم إقليمي للعراق، وفي الوقت الذي يواصل فيه الإسلاميون السنة مثل جماعة الإخوان المسلمين توسيع سلطتهم في مختلف أنحاء المنطقة، فإن الشيعة في العراق قلقون من تضييق الخناق عليهم، ويشعر المالكي مثل أي زعيم عربي آخر بالارتياب والتآمر والتحسس من الانتقاد، وخاصة انه مطّلع على الأخطار التي تهدد حكمه ومصداقيته، فهو لا يحكم العراق، ولكنه يديره عازماً على البقاء في السلطة مهما كلف الأمر، وقد أثبت خلال مدة ولايته أنه كثير التحيز قليل المبادئ، فالقومية والطائفية لا تمثلان آيديولوجيات سياسية بالنسبة له، ولكنها أدوات فقط فهو يلعب بورقة معاداة الكرد عندما يحتاج أن يكون قومياً عربياً، وبورقة معاداة السنة عندما يحتاج أن يكون محامياً عن الشيعة، وينقل الكاتب قول الباحث المقدم “جويل رايبيرن” من جامعة الدفاع الوطني: “إن أنصار المالكي لا يمتلكون دوافع آيديولوجية مشتركة يتحركون وفقها، بل ان ما يحركهم هو التملك والتمسك بالسلطة، وهم ملتزمون جداً بإبقائه في الحكم“، ويذكر في مكان آخر أنه ومنذ استلام المالكي الحكم عام 2008، كانت طريقته في الحكم هي تأكيد السلطة ووقوفه على قمة الهرم السياسي، لذا فإن هدفه كان الحفاظ على الوضع الراهن على الأقل، وتحييد التهديدات المحتملة التي يمكن أن تقوّض سلطته أو الحكم السياسي الشيعي في العراق، ونظراً لغموض الوضع في المحيط الإقليمي والسياسي وما يرافقه من انعدام الثقة والمؤسسات الوطنية الضعيفة، والثقافة السياسية التي تلونت بتاريخ من الانقلابات، فقد اضطر إلى الهجوم بغرض تطهير قوات الأمن في البلاد من خصومه السياسيين وتثبيت الموالين له في المناصب الحكومية الرئيسة، فإذا لم ينتزع السلطة لنفسه، فإن أعداءه سيفعلون ذلك، وبعد انتهاء دور الجيش الأميركي كسلطة محتلّة للعراق، ارتبط أسلوب المالكي لبقاء النظام بما يحدث خارج حدود البلد، فالحرب الأهلية في سوريا تمثل تهديداً وجودياً متمثلاً بأبعاد أمنية وسياسية واستراتيجية بالنسبة له ولمجموعة من أنصاره،إذ أعلنت القوى المناهضة للأسد عن عزمها على نقل الثورة خارج الحدود السورية، وقد أثار تشكيل عدد لا يحصى من الميليشيات السنية المسلحة في الجوار خوفاً كبيراً لدى بغداد ولها الحق في ذلك، فبعد تخليص سوريا من الأسد، من المحتمل أن يتوجه المتمردون ضد نظام المالكي في العراق مستخدمين الدعم الخليجي، ويرى الكاتب بأن التهديد أضحى قريباً منه – أي المالكي-، فالمتمردون السنّة العراقيون يحاولون دمج العراق وسوريا في ساحة حرب طائفية موحّدة، والعمل المشترك الأخير للدولة الإسلامية في العراق وجبهة النصرة في سوريا أشار إلى إمكانية جعل القضية الطائفية الوطنية تهدف إلى إبعاد الشيعة عن السلطة، وليست فروع تنظيم القاعدة وحدها من يوجه التهديدات عبر الحدود، فالهوية الوطنية الضعيفة والحدود المصطنعة بين البلدين قد وضعت الأساس لارتباط متنامٍ بين أهل السنة في سوريا والعراق، وينقل عمّا كتبه “كينيث بولاك” الباحث في شؤون الشرق الأوسط: “في الحقيقة ان العديد من القبائل العربية السنية تمتد عبر الحدود أضافت وببساطة الوقودإلى النار، فرجال عشائر شمر والدليم والعبيد وآخرون يفرحونبمساعدة أبناء عمومتهم عبر الحدود الذين يحاربون النظام الشيعي في دمشق”، وأضاف الكاتب قائلاً: أما على الجبهة السياسية الداخلية، فإن انتصار القوى المناهضة للأسد سوف يمثل تهديداً للمالكي وسينشط خصومه من السياسيين المحليين، إذ اعترف خصوم رئيس الوزراء سراً أنهم ينتظرون سقوط النظام السوري للعمل على تنحية المالكي عبر تصويت بحجب الثقة، وقد نجا المالكي من مثل هذه المحاولات في الماضي، لكنه بالتأكيد سيكون أكثر ضعفاً في حال انهيار النظام السوري، وعلى أقل تقدير، فإن المالكي يرغب في بقاء الأسد في السلطة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2014، ذلك أنه يسعى للبقاء رئيساً للوزراء لولاية ثالثة، ولكنه الآن أضعف بكثير مما كان عليه في الانتخابات العامة السابقة في 2010 عندما ركّز حملته الانتخابية على إنهاء الاحتلال العسكري الأميركي وتحسين الأمن في العراق، وكلا الشعارين لم يعودا صالحين لهذه الدورة الانتخابية الجديدة، ولم يقم رئيس الوزراء بإثارة نفور حلفائه السياسيين بسبب تقاعسه عن الإيفاء بالاتفاقيات معهم مراراً فحسب، بل أصبح شديد الغلظة موظِّفاً قواته الأمنية لتهميش المعارضين مما أثار اعتراضات كبيرة ضد حكمه، فسقوط الأسد يمثل تهديداً استراتيجياً لنظام المالكي لأنه سيقلب موازين القوى في المنطقة ومنذ سقوط صدام حسين عام 2003 يسعى العراق لتأكيد السيادة على شؤونه الداخلية تاركاً البلاد ساحة لحرب طائفية لمنافسة إقليمية تجري على أراضيه، وقدبذلت الولايات المتحدة- وفقاً للكاتب- جهوداً مضنية لإعادة العراق إلى الحضن العربي، ولكنها حققت نتائج سطحية فقط، فالحواجز الطائفية حدّت من نطاق وعمق التعاون بين الشيعة في العراق والقادة العرب السنة الذين يرون بغداد امتداداً للنفوذ الإيراني.