ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لمقالة مهمة للكاتب “ديفيد شنكر” مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن والمساعد الأعلى السابق في سياسة البنتاغون الخاصة بدول المشرق العربي، تسلط الضوء على الدور الغريب الذي يقوم به القرضاوي في التحريض الطائفي في المنطقة، هذا الدور الذي لا ينسجم مع ما عُرف به هذا الرجل المسن من اعتدال وانفتاح وعقلانية؟! الأمر الذي يُثير الكثير من التساؤلات والشكوك والشبهات حول شخصه وحول ارتباطاته وأهدافه ومراميه الغامضة في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة التي يراد لها أن تتشظى وتتجزء على أساس عرقي واثني وطائفي، كما نظّر له من قبل شيخ المستشرقين “برنارد لويس”.
يذكر الكاتب في البدء الصراع السني – الشيعي الذي يطغى على الوضع في العراق والبحرين وسوريا ولبنان، مشيراً إلى وجود صراع آخر داخل الطائفة السنية لا يقل أهمية عن الأول يجري بين الطوائف الإسلامية وتلك الأطراف الأكثر ميلاً للعلمانية في المنطقة، ويُعد عالم الدين المصري (يوسف القرضاوي) – الذي يتخذ من قطر مقراً له – رمزاً لهذا الصراع، فعلى الرغم من أنه أظهر نفسه لسنوات كرائد لتيار “الوسطية” الإسلامي المعتدل، إلا أنه أصدر في الأشهر الأخيرة فتاوى مثيرة للجدل تدعم الصراع بين السنة والشيعة في سوريا وتدعو لإعادة الرئيس الإسلامي المخلوع محمد مرسي إلى منصبه. وقد وضعت هذه الفتاوى رجل الدين البالغ من العمر 87عاماً في قلب اثنين من القضايا الأكثر استقطاباً في المنطقة.
ويُعد ّالقرضاوي – وفقاً للكاتب – رجل الدين السني الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، فضلاً على رئاسته لـلاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فهو أيضاً كاتب غزير الإنتاج وله برنامج يُعرض على قناة “الجزيرة” يتابعه ما يقرب من 60 مليون مشاهد. كما أنه المُنظّر الايديولوجي للإخوان المسلمين، فضلاً على كونه داعماً لجماعة حماس الفلسطينية الإرهابية، وفي الوقت نفسه، فإنه يدافع عن الديمقراطية والإصلاح السياسي، وكان قد أصدر فتوى دعا فيها كل مسلم سني تلقّى تدريباً عسكرياً إلى الذهاب لقتال الشيعة والعلويين في سوريا، قائلاً: إن العلويين (أحد فروع الإسلام الشيعي الذي يتّبعه نظام الأسد) أشدّ كفراً من اليهود، وقد بارك علناً استعداد واشنطن لتوجيه ضربة جوية إلى سوريا في أيلول الماضي، وقال: “نحن (العرب السنة) لا نمتلك مثل هذه القوة، لذا فإن يعاقبهم غيرنا فهذا أفضل من لا شيء”، ولئلا يسيئ أحد تفسير كلامه على أنه إعجاب بالولايات المتحدة، أضاف قائلاً: “إن الله يهلك الظالمين بالظالمين”.
وقد أشارت دعوة الجهاد في سوريا إلى تبنٍّ واضح للطائفية، بما في ذلك الجهاد ضد حزب الله الشيعي اللبناني الذي كان يدعمه القرضاوي سابقاً في عملياته ضد إسرائيل، وفي ظل ما كان يحدث في سوريا من فضائع متزايدة لم يستاء أهل السنة من النبرة الحادّة في خطابه، بيد أن بعض أتباعه التقليديين خالفوه الرأي بوضوح بشأن التدخل العسكري الخارجي، وكان من أبرزهم الفرع الأردني لـجماعة الإخوان المسلمين الذي ما زال يعارض التدخل العسكري الخارجي في سوريا، إذ أصدر بياناً أعلن فيه أن مثل هذا التدخل سيعمل فقط على تحقيق مصالح الصهاينة والأمريكان.
ويرى الكاتب بأن دعوة القرضاوي للجهاد في مصر ربما تكون قد قوّضت شعبيته الكبيرة بين عموم الناس الذين يؤيدون الجيش، لكن رسالته المناهضة للشيعة والعلويين قد تلقى قبولاً واسعاً خارج مصر، وفي حين يقلق بعض أهل السنة من التداعيات الطائفية المتنامية، تُعد سوريا عاملاً محفزاً لدرجة أن تغيير موقفه لغرض الوصول إلى رؤية عالمية أكثر عنفاً قد يجذب أتباعاً جدداً من السنة ربما يكونوا أكثر تشدداً ورغبة في القتال، ويختم بالإشارة إلى واشنطن وجمهور القرضاوي؛ إذ توضّح الفتاوى الأخيرة مواقفه الغامضة وربما مواقف أسياده القطريين أيضاً، والأهم من ذلك مدى انتشار موقفه المتغير تجاه النهج القتالي في المنطقة، وربما يكون ذلك مؤشراً على مركز الريادة بالنسبة لمستقبل الإسلام السُنِّي.