ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لأربع مقالات استراتيجية تناولت العلاقات العراقية – الإيرانية ومدى انتشار النفوذ الإيراني في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وسنخصص لاحقاً أعداداً خاصة بالملف الإيراني:
ففي مقالة للكاتب “تشارلز بيبيليز” مراسل شبكة أخبار 24نيوز المستقرة في إسرائيل ورد أنه بعد ما يقرب من مرور عقد على الحرب فإن أمريكا غادرت العراق بنفوذ محدود – إن كان فعلاً قد بقي لها نفوذ – في الوقت الذي تمكّن فيه محور الشر – كما كان يصفه القادة الأمريكيون في السابق – من جعل العراق يرزح تحت الهيمنة الإيرانية، وخسرت أمريكا الحرب، وتتفاقم المشاكل الداخلية في العراق من خلال حقيقة أن البلد قد وقع في المدار الإيراني، وان العراق يدعم الأسد، وإيران بدورها تمده بدعم كبير، إذ أشارت تقارير متعددة على مدار العام الماضي إلى أن المالكي سمح لإيران أن تمد سوريا بالأسلحة عبر المجال الجوي العراقي، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري للقيام بزيارة مفاجئة إلى بغداد في شهر مارس الماضي للضغط على المالكي ليكف عن ذلك.
وفي مقالة للكاتبة “سارة برتين” منشورة في موقع “يو أس نيوز” هناك إشارة إلى أن الانسحاب الغربي من العراق – الذي أنفق فيه الأمريكيون الكثير من الدم والأموال – تُرجم إلى مكاسب سياسية واقتصادية لإيران، وان رحلة الدليمي إلى إيران ما هي إلا مثال بسيط على التوجه السياسي في العراق، فمع استمرار التدهور الأمني في البلاد، ينجرف العراق إلى المدار الإيراني مرة أخرى، وهذه الحالة ليست جديدة، فمنذ سقوط نظام صدام في عام 2003، انتهجت إيران استراتيجية متسقة تجاه العراق لإنشاء قنوات خاصة موالية لها موجهة من طهران، وقد فعلت ذلك من خلال حملة واسعة النفوذ على المستويين العلني والسري، شملت تمويل الميليشيات الشيعية، ودعم سياسيين، وإدخال عناصر مخابرات، ولكن هذه الجهود تمت عرقلتها في السنوات الأخيرة من خلال وجود القوات الأمريكية، وقوات الصحوة السنية، والنظام السياسي العراقي الذي حاول التأكيد على الهوية الوطنية أكثر من الهوية الدينية، وبحلول نهاية هذه السنة سيتم تخفيض عدد الدبلوماسيين الغربيين، فعلى سبيل المثال سيتم تخفيض الوجود الدبلوماسي الأمريكي إلى الثلثين، وكذلك تفكر بعض دول التحالف في التخفيض من دبلوماسييها، في الوقت الذي يسعى فيه العراق للحصول على المساعدة للتعامل مع وضعه الأمني، لذا فسيجد نفسه لا محالة في أحضان إيران، وعلاة على ذلك فقد حققت إيران مكاسب ليست سياسية فقط بل عملت على تعزيز الروابط الاقتصادية معه؛ ففي شهر تموز عقدت الجمهورية الإسلامية صفقة تم بموجبها تحويل 25 مليون لتر مكعب من الغاز الطبيعي من جنوب إيران إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية في جميع أنحاء العراق عبر خط أنابيب جديد.
ويرى الكاتب “كينث بولاك” في مقاله المنشور على موقع “ريل كلير بولتكس” بأن معظم الأمريكيين يعتقدون بأن الولايات المتحدة وإيران على طرفي نقيض في جميع قضايا الشرق الأوسط، إلا أن هذا غير صحيح في العراق؛ إذ لم تدعم إيران الميليشيات الشيعية والمسلحين في السنوات الأولى من الاحتلال، بل شجّعت حلفاءها العراقيين على الانخراط في المشروع الأمريكي، كما وعملتا في الاتجاه نفسه لصالح المالكي ضد معارضيه، وضد تجدد العنف، وبخلاف هذه الرؤية فالولايات المتحدة إما أن تكون لا تفهم مصالحها، أو انها قد باعت العراق إلى إيران، وان كل ماقيل يوضح أن إيران لديها القدرة على التأثير القوي في عراق اليوم، وأنها قادرة على توظيف العنف في العراق من خلال دعمها لعدة مجاميع مسلحة في العراق، ومن المهم أن نفهم أن رئيس الوزراء نوري المالكي ليس العوبة بيد إيران؛ فعلى الرغم من أنه يعد شيعياً شوفينياً، إلا انه يرى نفسه عربياً وعراقياً وطنياً، وإن عملية صولة الفرسان عام 2008 التي شنها ضد ميليشيا جيش المهدي المدعومة إيرانياً، هي مدعاة فخر له، وزادت من شعبيته، وعلى الرغم من أن المالكي لم يُعجب بالإيرانيين ويفضّل الحد من نفوذهم في العراق، إلا انه يعتمد عليهم على مضض، فهم وفي مناسبات عدة أنقذوا حياته السياسية، وهكذا فإن المالكي يكره الإيرانيين ولكنه بحاجة إليهم أيضاً وهذا ما يزيد من النفوذ الإيراني في بغداد.
ويعتقد “أمير طاهري” الكاتب الإيراني المقيم في أوروبا والمهتم بشؤون الشرق الأوسط وبالإرهاب الإسلامي والمدير الحالي لمؤسسة كاتستون الأوربية بأن ابتعاد أمريكا عن العراق وإحاطته بالدول العربية ذات الأغلبية السنية وافتقاره إلى حلفاء موثوق بهم جعله يتطلع إلى إيران التي تهدف إلى أن تكون القوة الصاعدة في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي، وان ائتلاف المالكي أصبح على وشك الانهيار كما يلوح في الأفق في انتخابات عام 2014، إذ تُظهر معظم استطلاعات الرأي أنه ما لم يحدث إنجاز ضخم، فمن غير المرجّح أن يفوز المالكي بمقاعد كافية لقيادة ائتلاف جديد، ويأمل بأن يعقد صفقة استراتيجية مع أمريكا كإنجاز ضخم لينقذ ائتلافه، ولكنه يخدع نفسه، فإدارة أوباما المشوّشة قد تثبت عجزها عن فهم ما يجري في الشرق الأوسط، والرئيس قد يكون جل اهتمامه منصباً على إصلاح الوضع مع طهران، لقيادة الحلفاء في إيجاد هيكل أمني جديد في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن المالكي مستاء من التدخل الإيراني فلا يوجد دليل على كونه مستعداً للانتقال من طرف لآخر، خاصة وأن واشنطن قد تتوصل إلى عقد صفقة مع طهران.