عنوان الافتتاحية يشير إلى مقال استراتيجي مهم منشور في صحيفة “النيويورك تايمز” ننشر في هذا العدد ترجمة مركزة له، حيث يعتقد كاتبا المقال بأن ناقوس خطر تقسيم العراق قد قُرع مع تدشين حكومة إقليم كردستان صفقات الطاقة مع تركيا، إذ إنها تأتي في سياق استراتيجية بطيئة لمتابعة مسار تعزيز الحكم الذاتي الذي يمهد الطريق لإعلان الاستقلال، وان الولايات المتحدة تخشى أن يشكّل ذلك خطراً أكبر، إذ إن المشكلة لا تكمن في الحرب بل في التجارة، فأكراد العراق يبيعون النفط والغاز الطبيعي مباشرة إلى تركيا، مما أثار غضب واشنطن والحكومة المركزية في بغداد التي تتخوف من أن استقلال الأكراد النفطي قد يؤدي إلى الاستقلال وإلى انقسام العراق،وعلى مدى سنة ونصف كان هناك تحركاً دبلوماسياً من جانب الولايات المتحدة لوقف تدفق النفط إلى تركيا ولكنها فشلت وهذا يعكس مدى تقلص نفوذ واشنطن في المنطقة.
وتابعت النيويورك تايمز بالقول: إن اتفاقيات النفط مع تركيا تدرّ عوائد بمليارات الدولارات وهي جزء من مجهود أكبر لأكراد العراق في السنوات الأخيرة لتكون لهم صفقاتهم الخاصة في مجال الطاقة بما في ذلك اتفاقيات تنقيب مع شركات أجنبية مثل اكسون موبيل وشيفرون وغازبروم، مع تهميش لدور الحكومة المركزية. ويؤكد الأكراد والأتراك على أنهم سيدفعون لبغداد نصيبها في تلك الصفقات، ولكن المسؤولين في العاصمة يصرّون على أن هذه الترتيبات غير قانونية.
ويشير الكاتبان في مكان آخر إلى أن عشرات الملايين من الأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران يطمحون منذ مدة طويلة إلى نيل الاستقلال، وقد وجدت القيادات الكردية في الاضطرابات الحاصلة الآن في الشرق الأوسط فرصة لاتخاذ خطوات حاسمة لدفع هذا الحلم إلى الأمام، وليس فقط في العراق، بل في سوريا أيضاً، حيث أعلنت الفصائل الكردية مؤخراً إدارة الحكم الذاتي في شمال شرق البلاد.
كما أن صفقات النفط – وفق ما يرى الكاتبان- قد سلّطت الضوء على إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في السنوات القليلة الماضية، فشعور تركيا بالقلق من أن الغزو الأمريكي كان من شأنه أن يعزز الاستقلال الكردي جعلها تعارض استخدام القوات الأمريكية لأراضيها كمنفذ للدخول إلى العراق، وتركيا اليوم بصدد صنع السلام مع مواطنيها الأكراد الذين كانوا قد شنوا حركة تمرد منذ ثلاثة عقود ضد دولتهم مستخدمين الأراضي العراقية كقاعدة لهم، ومع قلة حلفاء تركيا في المنطقة، أصبح أكراد العراق شركاء حقيقيين لها، وصفقات الطاقة مع كردستان العراق في مجال النفط والغاز الطبيعي تؤكد الإصرار التركي المستمر النابع من حرصها على تأمين إمدادات موثوقة من الطاقة اللازمة لاقتصادها،فتركيا تضم أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط ولكنها تفتقر إلى مصادر الطاقة المحلية إذ كانت تعتمد على روسيا وإيران في ذلك، لذا فإنها ترى أن من أهم أولوياتها أن تسعى لتنويع مصادر الطاقة.
وفي الختام أكد الكاتبان على أن القيادة الكردية العراقية تسعى لمزيد من الاستقلال في المفاوضات مع بغداد، ولكن مع استمرار تحسّن العلاقات بين أنقرة وبغداد فسوف يكون من الصعب تصدير الطاقة من كردستان إلى تركيا من دون موافقة الحكومة المركزية، وذلك كما قال “ديفيد غولدوين” منسق شؤون الطاقة الدولية في وزارة الخارجية خلال الحقبة الأولى من إدارة أوباما.
((إن هذه المقالة ومقالات أخرى كثيرة نشرناها في الإصدارات المختلفة من الملف الكردي تشير إلى مدى خطورة وحساسية هذا الملف ومدى تشابكه وتداخله مع عوامل معقدة أخرى داخلية وإقليمية ودولية، الأمر الذي يطرح سؤالاً استراتيجياً كبيراً عن مدى قدرة الحكومة – المكبلة بالمحاصصة وعدم الالتفاف حول زعيم قوي ومقتدر وعدم وضوح الرؤية لدى الكتل والأحزاب والإرهاب والفساد المالي والإداري ولربما التسليح الأحادي المصدر- على مواجهة وتحدي ما يجري على الأرض؟))