الكاتب: اندروا سكوت كوبر/الفورن بوليسي
ترجمة وتلخيص: م.م.حيدر رضا محمد
بين ثورة النفط الصخري الأمريكي واتهامات التلاعب بالضخ السعودي, وبين الماضي والحاضر, إيران هي من تدفع الضريبة, فلا يوجد شك في أن الصخر الزيتي يؤثر على السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم، إلا أن المملكة العربية السعودية ما تزال لها
القدر الأكبر على ضرب أسواق النفط، وهي على استعداد للقيام بذلك.
ابتدأ الكاتب ، اندروا سكوت مقاله بالقول: في 2/ يناير من عام 1977، أدلى شاه إيران اعترافا مؤلما حول اقتصاد بلاده، وقال: “لقد أفلسنا”، مصارحاً أقرب مساعديه، وزير البلاط أسد الله علم في اجتماع خاص. وتوقع علم أن القادم أخطر، حيث يقول: لقد أهدرنا كل سنت لنجد أنفسنا مهزومين بخطوة أمام المملكة العربية السعودية. وقد كتب لاحقاً رسالة إلى الشاه قائلاً: نحن الآن نواجه أخطر أزمة مالية، ويجب شد الأحزمة إن أردنا البقاء على قيد الحياة. وكان الرجلان يتحدثان عن الاضطرابات الأخيرة في أسواق النفط، فقبل أسابيع، وخلال اجتماع منظمة أوبك في الدوحة، أعلن السعوديون أنهم سيصدون تصويت الأغلبية الذي تقوده إيران لزيادة أسعار النفط بنسبة (15 %)، حيث كان شاه إيران بحاجة إلى دفع المليارات لتعهدات الإنفاق الجديدة.
إن الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود رأى أن ارتفاع الأسعار ليس له مبرر، خصوصاً وأن الاقتصادات الغربية مازالت غارقة في الركود، وكذلك كان حريصاً على وضع قيود اقتصادية على إيران في وقت كان شاه إيران يأمر بوضع محطات الطاقة النووية، وكان يتوقع أن تحدث تأثيرا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولذلك أغرقت المملكة العربية السعودية الأسواق بزيادة إنتاج النفط من (8) ملايين إلى (11.8) مليون برميل يومياً، مما أخرج إيران بسرعة من السوق، حيث تراجع إنتاج النفط خلال شهر بنسبة (38 %)، مما تسبب باختفاء مليارات الدولارات من عائدات النفط المتوقعة، وعليه اضطرت إيران إلى التخلي عن تقديرات ميزانيتها لمدة خمسة أعوام، وما يزال تأثيرها مدمرا، فخلال صيف عام 1977، انخفض الإنتاج الصناعي في إيران بنسبة (50 %)، والتضخم ما بين (30 – 40 %). واقدمت الحكومة على تخفيض كبير في الإنفاق المحلي لتحقيق التوازن، إلا أن التقشف زاد الأمر سوءاً، خصوصا عندما فقط آلاف الشباب وظائفهم. وقد أثرت الضائقة الاقتصادية على دعم الطبقى الوسطى للشاه، لتنهار بعد عامين في الثورة الإيرانية.
اليوم انخفضت أسعار النفط مرة أخرى من (115$) للبرميل في آب من عام 2013، إلى أقل من (60 $) للبرميل في منتصف كانون الأول من عام 2014. ويتوقع خبراء غربيون فيما يعنيه نفط رخيص لسوق الأوراق المالية، أما لماذا انخفضت أسعار النفط؟، فقد رأى بعض المحللين أن لا علاقة لها كثيراً بأي تلاعب بالضخ السعودي. وفي مقال بموقع “بلومبرج” أرجع الأمر إلى ثورة النفط الصخري الأمريكي.
ويؤكد الكاتب على أنه لا يوجد شك في أن الصخر الزيتي يؤثر على السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم، ولكن بفضل قدرتها على الضخ والاحتياطات والمخزونات، ما تزال المملكة العربية السعودية أكثر قدرة على ضرب أسواق النفط، وهي على استعداد للقيام بذلك. ففي سبتمبر من عام 2014، فعلوا ذلك تماماً، بزيادة إنتاج النفط بمقدار نصف بالمائة (9.6) مليون برميل يومياً، وأغرقت الأسواق التي كانت ممتلئة أصلاً بالخام الرخيص، وبعدها ببضعة أيام عرضت زيادة تخفيضات لكبار زبائنها الآسيويين، وبهذا تراجعت الأسعار العالمية بسرعة بما يقارب الـ(30 %).
ويشير الكاتب إلى أن هذا مثل ما حدث في عام 1977، إذ إن السعودية حرصت على هذا الإغراق لأسباب سياسية، ويتساءل الكاتب ما إذا كان محللون أجانب يعتقدون ذلك أو لا، فإن أسواق النفط تبقى أماكن مهمة في الصراع السعودي الإيراني.
إن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السعودية منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي النفط كسلاح سياسي ضد منافسيها. ففي نوفمبر من عام 2006، أشار نواف عبيد، المستشار الأمني السعودي والمرتبط بالأمير تركي الفيصل، في مقال في صحيفة الواشنطن بوست، إلى أنه إذا عززت المملكة العربية السعودية من إنتاجها وخفضت سعر النفط إلى النصف، فإنه سيكون مدمرا لإيران، وسوف يحد من قدرتها على مواصلة ضخ الملايين كل عام للمسلحين الشيعة في العراق وأماكن أخرى.
وبعد ذلك بعامين، وفي ذروة الأزمة المالية العالمية، أغرق السعوديون السوق، وخلال ستة أشهر انخفضت أسعار النفط من أعلى معدل (147 $) للبرميل إلى (33 $) فقط، وبهذا بدأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عام 2009، مكافحة لمواجهة الانهيار المفاجئ في عائدات النفط الحكومية، واضطر لخفض الدعم الشعبي والبرامج الاجتماعية.
وقد ظهرت إشارات لطوفان جديد في وقت مبكر في حزيران من عام 2011، ففي كلمة ألقاها أمام كبار المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين في قاعة عمليات حلف شمال الأطلسي، حذر الأمير تركي الفيصل إيران من استغلال الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن الربيع العربي. وأشارت في وقتها صحيفة الغارديان معلقة على تصريحات الأمير تركي، إلى أن الاقتصاد الإيراني يمكن أن ينكمش بشدة بسبب تقويض أرباحها من النفط، وهو أمر يراه السعوديون في وضع مثالي للقيام به.
وفهم السعوديون أيضا، أن أفضل وقت لضرب الأسواق عندما تكون الأسعار بالفعل منخفضة والطلب على النفط أقل من قبل المستهلكين. وفي أوائل كانون الأول، وبعد بضعة أشهر فقط من آخر إغراق سعودي للسوق بالنفط، كتب المستشار الأمني السعودي نواف عبيد، في مقال بوكالة رويترز، أن قرار حكومته بخفض الأسعار سوف يكون له تاثير كبير على الوضع السياسي في الشرق الأوسط، وستتعرض به إيران لضغط اقتصادي ومالي لم يسبق له مثيل، في الوقت الذي يحاول فيه الإيرانيون الحفاظ على اقتصادهم الذي يعاني أصلا من العقوبات الدولية.
ويقول اندروا سكوت كوبر: إنه لا يوجد شك في أن السعوديين ابتهجوا لرؤية أسعار الخبز ترتفع بنسبة (30) بالمائة في طهران.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: في 10/ كانون الأول، أعلن وزير النفط السعودي أن بلاده ستستمر في ضخ (9.7) مليون برميل يوميا في الأسواق العالمية، بغضّ النظر عن حجم الطلب، وقد أنذر الإيرانيون بالخطر، حيث ندد الرئيس الإيراني حسن روحاني من دون أن يذكر أسماء “بالغادرين المنتجين للنفط، والذين تدل تصرفاتهم على دوافع سياسية ووجود مؤامرة ضد مصالح المنطقة…. وأن إيران وشعوب المنطقة لن ينسوا هذه المؤامرة”.
رابط المقال:
http://foreignpolicy.com/2014/12/18/why-would-the-saudis-crash-oil-markets-iran/