في هذا العدد مجموعة أخرى من المواد الاستراتيجية التي تسلط الضوء على الجوانب المختلفة من الأحداث الجارية في الأنبار الآن، هذه الأحداث التي لها علاقة قوية بالانتخابات البرلمانية القادمة وبمصير المنطقة الغربية وبما يسمى “بالإقليم السني” الذي يراد له أن يرى النور لاحقاً، وفي إطار برنامج تفتيت المنطقة إلى دويلات مجهرية
لاحول لها ولاقوة على المستوى الاستراتيجي؟! ووفق ما نظَّر له شيخ المستشرقين “برنارد لويس”.
ففي مقال “صعود القاعدة في العراق والتهديد الذي يمثله المالكي” لأنطوني كوردسمان الخبير العسكري والأمني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تأكيد على أنه لا يمكن للحكومة الأمريكية الوقوف جانباً والسماح للقاعدة في العراق وداعش بتحقيق إنجازات، ولهذا قدّمت بعض الدعم في مجال مكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه تحتاج لاستخدام كل ما تملكه من نفوذ يمكّنها من دفع المالكي وحكومته إلى إجراء إصلاحات وإثبات معاملة منصفة للأكراد والسنّة، بشكل يعبّد الطريق أمام نتيجة نزيهة للانتخابات القادمة، قد تؤدي إلى وحدة وطنية وهو ما دعا إليه اتفاق أربيل، وان التغطية الصحافية المناسبة والتحليل يجب أن يركز على تقييم مناسب للحقائق ومقارنتها بأفعال حكومة المالكي من جهة، وبأفعال القاعدة وموقف الغالبية العظمى من السنّة من جهة أخرى، والذين لديهم أسبابهم الحقيقية للحقد على الطرفين وهذا يعني الدفع باتجاه إصلاح القيادة العراقية والحكومة لهزيمة القاعدة من دون أن يؤدي هذا إلى غضب سنّي عارم، أو المصادقة على عمليات القمع الحكومي أو بذر بذور النزاع الأهلي، كما يقتضي التقرير والتحليل المناسب للسياسة الخارجية الأمريكية الأخذ بعين الاعتبار المعضلة التي تواجهها إدارة أوباما والكونغرس، فلا توجد أمامهم خيارات جيدة، لأن المالكي يسيطر على قوات الأمن، وتسيطر حكومته على كل المال وعوائد النفط، وتستطيع التلاعب بالمحاكم والبرلمان وتستطيع اللعب على ورقة إيران في حال مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على المالكي، وتحديداً لو انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية المالكي وأفعاله بشكل علني.
ويرى رئيس تحرير صحيفة بلومبيرج في مقاله “الحرب القادمة في العراق” بأن الولايات المتحدة لاتريد الانجرار مرة أخرى إلى الصراع الطائفي في العراق، لكن مع ذلك فهي ماتزال الوسيط الوحيد القادر على الفصل بين الأطراف المتحاربة، ولعل المفارقة تكمن في أن باراك أوباما – الذي فاز بالرئاسة اعتماداً على معارضة حرب العراق – ربما يكون الشخص الأفضل لإقناع الرأي العام الأمريكي بالانخراط في العراق مرة أخرى.
وفي مقال “هل سيعود العراق إلى الهاوية؟” يعتقد “أنتوني لويد” الكاتب في مجلة التايمز البريطانية بأن المالكي بحاجة لنيل ثقة شيوخ العشائر السنّة في الفلوجة، على الرغم من عدم ثقتهم به، خصوصاً وأن الولايات المتحدة ترفض الانجرار إلى الصراع مرة أخرى.
ويذهب “تيد جالن كاربنتر” المحرر في مجلة “ناشنال انترست” والزميل الأقدم بمعهد كاتو في مقاله “هل يستطيع العراق الموحّد البقاء على قيد الحياة؟” إلى أن ارتفاع مستوى العنف في العراق خلال العام الماضي، يؤكد الاستقلال الفعلي لكردستان، وإن التمرد الذي يحدث الآن في الأنبار، يشير إلى عدم إمكانية بقاء العراق موحداً، ومن ثم فإن على صناع القرار السياسي الاستعداد لحالات الطوارئ قبل أن تخرج الأمور من نطاق السيطرة، وإن جذور الصراع الأخير هي أعمق بكثير وأكثر تعقيداً من قضية تنظيم القاعدة، بل تعكس الانقسامات العرقية والطائفية وضعف التماسك الوطني في العراق، وفي الواقع فإن الأحداث الأخيرة في الأنبار ما هي إلا مجرد تطور للأحداث التي تثير تساؤلات خطيرة حول ما إذا كان بإمكان العراق البقاء ككيان موحد، ويؤكد الكاتب على أن انتهاج النظام الحالي نهج سلفه (البعث) من حيث الفساد، وسياساته القمعية المتزايدة ضد المنتقدين من المعارضين السنة، هو الذي غذّى الاستياء في الأنبار وغيرها من المناطق، وبدأ يتضح أن التمرد يهدف إما إلى استعادة الهيمنة السنية على مستوى العراق كله، أو تحقيق الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال، وهذا لا يبشر بخير لمفهوم العراق كدولة موحدة، كما أن هذه الفكرة حقيقة واقعة وليست مجرد خيال، أما الأكراد في الشمال فقد نجحوا في استخدام الصراع الدموي بين واشنطن وصدام، لإقامة دولة شبه مستقلة، وإذا مافقدت بغداد السيطرة على معاقل السنة، فعلى الولايات المتحدة والحكومات الغربية قبول ذلك، والتفكير في هذا السيناريو كاستراتيجية للتحوّط من أي خطر، كما ينبغي على المسؤولين الأمريكيين تقييم كيفية تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع حكومة إقليم كردستان، وربما من غير المبكر إقامة اتصالات مثمرة مع زعماء العشائر السنية في الأنبار والمناطق المحيطة بها، بدلاً من تجاهلها أو رفضها بعدِّها واجهة لتنظيم القاعدة.
وأخيراً يرى “جيمس دوبيك” الجنرال المتقاعد والزميل الأقدم في معهد دراسة الحرب في مقاله “الحرب على القاعدة في العراق تصب في مصلحة الولايات المتحدة” بأنه إذا لم تتدخل الولايات المتحدة فمن المتوقع أن تكسب القاعدة الحرب في العراق، وعلى الرغم من أن كل الخيارات المطروحة تنطوي على مخاطر بما فيها عدم التدخل العسكري المباشر، لكنها بحاجة إلى نهج واقعي ودقيق يحدد ما إذا كان من الأفضل أن لا تشارك في القتال أو أن تكرر استراتيجية الاندفاعة، حيث إنها في وضع لا يمكنها سوى أن تختار الأفضل من الخيارات السيئة، ويفتقر العراق إلى القدرة على التخطيط الواسع لحملة جوية – أرضية، ولا يحتاج إلى تواجد قوات كبيرة للمساعدة في تلك الحملة، وبالنظر إلى الوضع الأمني في الأنبار وخارجها، فيمكن التغلب على هذه العقبات على ما يبدو، وهذا النوع من المساعدة يجب أن يكون مشروطاً باعتراف الحكومة العراقية بالحقوق الشرعية لخصومها، ويجب أيضاً بذل جهود دبلوماسية تكمّل الخيارات العسكرية.