ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لمقالتين استراتيجيتين تناولتا الملف الكردي العراقي من أبعاده المختلفة. ففي تقرير مؤسسة ستراتفور الاستخباراتية “رسالة من كردستان” تعتقد الكاتبة: ريفا بهلا، بأن إيران ربما كانت غير قادرة على تحقيق التوازن مع تركيا في الأراضي الكردية على مدى العقد الماضي، إلا أن الأمر في السنوات المقبلة سيبدو مختلفاً، فإيران والولايات المتحدة جادتان في التوصل إلى تقارب استراتيجي في
علاقاتهما، على الرغم من وجود عقبات تقف في طريق ذلك، إذ تم وضع أسس الانفراج بين الطرفين، وتشير الكاتبة إلى عودة المنافسة التركية الإيرانية في كردستان، لكن هذه المرة بسبب خطوط أنابيب النفط، وقد أعلن وزير الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق، أن أنابيب النفط التي تربط حقول النفط الكردية بتركيا اكتملت وأنه سيتم ضخ النفط بموافقة أو من دون موافقة بغداد، إن هذا الإعلان يمثل إعلان استقلال الأكراد، كما يمثل إعلان الأكراد المدعوم تركيّاً الحرب على بغداد ورعاتها الفرس، وتعد الولايات المتحدة الحامية والراعية القوية للأكراد، إلا أنهم لا يستطيعون الاعتماد عليها، فبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق بدأت شركات النفط تقدم أفضل تأمين لهم، فوجود شركات النفط الغربية يعطي لأربيل النفوذ اللازم لتحقيق التوازن ضد حكومة بغداد،وبتعاون أنقرة وضعف دمشق وانشغال طهران وإرهاق بغداد، وبوجود مجموعة من المستثمرين المتلهفين أُسّس لمشروع خط أنابيب بدأ خلسة عام 2012 على أنه خط لأنابيب الغاز الطبيعي صُمم لتغذية السوق المحلية الكردية، إلا أنه تم تحويل الخط إلى تركيا، ومع تقدم بناء خط الأنابيب واصلت قوات البيشمركة الكردية الانتشار خارج حدود الإقليم إلى الأراضي المتنازع عليها، في محاولة لتوسيع النفوذ الكردي، وان تركيا بدأت بالتكيف مع تغير ميزان القوى، فهي تكافح من أجل التوصل إلى تسوية مع بغداد وطهران وواشنطن، بشأن هذه القضية الشائكة، بينما تحاول الولايات المتحدة تجنب التورط في هذا المستنقع السياسي، وتحديد أولوياتها في التفاوض مع إيران مع الحفاظ على عراق واحد، ومع مرور الزمن فإن الولايات المتحدة سوف تستعيد قدرتها على إدارة توازن القوى بين إيران الشيعية ومنافسيها السنة مثل تركيا والسعودية، وإن تقدم العلاقات الأمريكية الإيرانية يعني المزيد من الوقت والاهتمام من قِبل إيران لتوفير التسليح القوي لحلفائها الإقليميين مثل بغداد في مواجهة النفوذ التركي في شمال العراق، وأكدت الكاتبة على التنافس التركي – الإيراني القديم الذي تم إيقاظه مرة ثانية في كردستان، حيث تعزز إيران دور حلفائها الشيعة في بغداد عن طريق الضغط على الأكراد، وذلك باستخدام العمليات العسكرية في المناطق الكردية الإيرانية، لتبرير تدخلها خارج حدودها، وقد بدأت إيران بالفعل التنقيب عن الطاقة في المنطقة الحدودية مع كردستان العراق، مؤكدةً أنه في حال وجود مشكلة لدى أربيل، فإنه يمكن تناول الموضوع مع بغداد.
وفي مقال “كردستان تزدهر رغم تزايد ضغوط بغداد” يؤكد الكاتب: ديفيد ديفوس/مراسل صحيفة ذا ويكلي ستاندرد على أن إدارة أوباما يبدو أنها تدعم بغداد على أمل أن تكبح حكومة المالكي الشيعية جماح آيات الله في إيران وتحدّ من نفوذهم، ونظراً لانتعاش الشيعة في العراق ودعم المالكي للرئيس السوري بشار الأسد، يبدو أن هذه الإدارة قد تكون مستعدة للتضحية بالحكم الذاتي للأكراد في مقابل تحقيق وهم النفوذ الاستراتيجي، ويشير في مكان آخر من مقاله إلى أن في العراق هناك أكثر من خمسين شخصاً يموتون أسبوعياً جرّاء أعمال العنف المتواصل، في حين ان حكومة المالكي الشيعية تزداد استبداداً يوماً بعد يوم، وفي الذكرى السنوية العاشرة من عملية تحرير العراق, تفتخر واشنطن بأحد أوجه نجاحها المشرق وهو (كردستان العراق) الإقليم الذي يضم ثلاث محافظات هي دهوك وأربيل والسليمانية ويعدّ من أكثر المناطق أماناً وازدهاراً في البلاد، إذ إنه يتمتع بنمو اقتصادي يقدر بنسبة 12% سنوياً ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أعلى بنسبة 50% من باقي مناطق البلد، وإن الفضل في ما يجري في كردستان العراق الآن يعود إلى حد كبير إلى جهود الرئيس جورج دبليو بوش حينما أطلق عملية تحرير الأكراد عام 1991 لوقف هجمات صدام حسين والإبادة الجماعية ضدهم عندما قصفهم بالأسلحة الكيمياوية التي راح ضحيتها الآلاف من الأكراد، إذ منعت الإدارة الأمريكية الطائرات العراقية من التحليق فوق كردستان وأقامت منطقة حظر جوي وتم تعزيز المراقبة على الشمال العراقي في عهد الرئيس بيل كلينتون وأصبحت المنطقة الكردية معزولة عن باقي محافظات العراق، وتطلق كردستان اليوم على نفسها اسم “العراق الآخر” فهي بمثابة بلد مستقل، والمحافظات الكردية لديها برلمان خاص وسياسة استثمار ونظام جمارك، والقادمون جوًّا من بغداد يجب أن يُعرضوا على دائرة فحص الجوازات على الرغم من أنهم ضمن حدود العراق، وينتشر اليوم 35 مليون كردي في المنطقة، يعيش ما يقرب من 18 مليون منهم في تركيا ومليونين في سوريا و 8 ملايين في إيران و 7 ملايين في العراق، وبسبب استقرارها وازدهارها المتنامي أصبحت كردستان العراق تمثل وطناً للأكراد المهجرين من بلدانهم وملاذاً للمسيحيين المضطهدين، وان النمو الاقتصادي المتسارع في كردستان ناتج عن المشاكل التي تعاني منها بقية مناطق العراق المقيّد بفعل العجز البيروقراطي والفساد المستشري والالتزام بالتخطيط المركزي، ورفض تبنّي القواعد التجارية الدولية، ولم تعد حكومة بغداد الشيعية مستعدة للتفاوض حول مصير الأراضي المتنازع عليها خارج المحافظات الكردية، كما أنها ستتخلى عن سيطرتها على النفط الذي يقع ضمن سيطرة الأكراد،وانتهى الكاتب إلى القول: لأكثر من عقدين من الزمن احتضنت أمريكا إعادة إنعاش الأكراد فهل ستعمل اليوم على زرع بذور عدم الاستقرار؟ ذلك ما جعل الأكراد الآن يشعرون بالخوف.