ننشر في هذا العدد القسم الثاني من دراسة مهمة تضمّنت 43 صفحة، تناولت بالبحث والتحليل والتقييم والدراسة المعمقة المدعمة بالأرقام والإحصائيات الدقيقة لظاهرة عودة نشاط تنظيم القاعدة في العراق منذ آب عام 2013. هذه الدراسة منشورة في موقع معهد دراسة الحرب التابع لتيار المحافظين الجدد الذي لديه فضلاً على هذه المؤسسة، معهد المشروع الأمريكي وصحيفة الويكلي ستاندرد النصف شهرية. هذه الرموز الثلاثة تعبّر عادة عن آراء وأفكار هذا
التيار الذي يتميز بكثرة وثقل وأهمية مفكريه وتأثيرهم على صناعة القرار الأمريكي، ومن المحتمل جداً أن يتقدم هذا التيار إلى الواجهة مرة أخرى مع فوز الجمهوريين بالانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة عام 2016. حرّرت هذه الدراسة جيسيكا لويس، مديرة الأبحاث في مركز دراسات الحرب التي سبق أن عملت حوالي ثمان سنوات كموظفة في استخبارات الجيش الأمريكي وعملت في العراق وأفغانستان. وتأتي هذه الدراسة في سياق دراسات مستمرة ومتكررة يقوم بها هذا المعهد لما يسمى بتنظيم القاعدة.
ونحن بدورنا لا نستطيع فهم مغزى هذه الدراسات وغيرها من إصدارات ونتاجات المراكز البحثية الأخرى والكم الكبير من المقالات والتقارير الصادرة من مختلف الصحف والمجلات العالمية التي تتناول نشاطات هذا التنظيم الذي تحوّل إلى بعبع مخيف وعدو قاهر وكابوس غاشم يجب أن تخشاه كل الدول في العالم؟! إلا من خلال النظرية المطروحة في كتاب صموئيل هنغتنتون الموسوم “من نحن؟” الذي يشير إلى حاجة الولايات المتحدة إلى عدو بديل للاتحاد السوفييتي، ويشير كذلك إلى أنه بعد نقاشات في أروقة المراكز البحثية دامت لما يقارب العقد من السنين، تم اختيار الإسلام الجهادي كعدو بديل؟!
ولايمكننا كذلك فهم مايجري ويدور من أحداث ترتبط بما يسمى بالقاعدة إلا من خلال فهم أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 على أساس أنها كانت تمثل حاجة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة لتوفير الذريعة للشروع بسياسة عالمية جديدة تكرس الهيمنة الأمريكية بعد غياب الاتحاد السوفييتي، والتي تجلّت من خلال غزو أفغانستان والعراق ومن ثم أحداث ما يسمى بالربيع العربي. إن فكرة حاجة الولايات المتحدة لحدث كبير جداً بحجم 11 أيلول كانت قد طُرحت في كتاب “رقعة الشطرنج الكبرى” للخبير الاستراتيجي المعروف “بريجنسكي” مستشار الأمن القومي السابق إبّان حكم الرئيس الديمقراطي “كارتر”.
إن فهم وإدراك هذه الأمور يُعد من العناصر الأساسية في “منظومة الوعي الاستراتيجي” التي يحتاجها صانع القرار الاستراتيجي العراقي اليوم لكي يستطيع من خلالها خدمة المصلحة الوطنية العليا من دون لبس وتشوش في الرؤية التحليلية الثاقبة لما يجري ويدور من أحداث كبيرة عبر المنطقة والعالم.
فمعاً لننظر في الفقرات الآتية كمثال للمبالغة المتعمدة بقدرات هذا التنظيم:
[إن تنظيم القاعدة في العراق أضحى في العام 2013 يمتلك القوة والمرونة، كما وأصبح قادراً على العمل من البصرة إلى سوريا. وأشّرت هذه الدراسة نهضة تنظيم القاعدة في العراق منذ تموز 2012، وفي 21 تموز عام 2013 شنَّ عملية أطلق عليها اسم حملة “هدم الأسوار”. وقد انتهت هذه العملية بنجاح، عندما اخترق التنظيم سجن أبي غريب وهو ما أدّى إلى هروب أكثر من 500 سجين.]
[إن نمو تنظيم القاعدة لايعود للأحداث في سوريا فحسب، بل وبسبب هروب السجناء من السجون العراقية، إذ إن معظمهم من المتشددين المقاتلين في التنظيم.]
[وتؤكد الدراسة على مصلحة الولايات المتحدة في تقدير القوة القتالية لتنظيم القاعدة من أجل تقييم مستوى التنظيم وتأثيره على الدولة العراقية. يهدف التنظيم من خلال حملة هدم الأسوار إلى إقامة دولة تشمل أجزاء من العراق وسوريا، وبعد هذه الحملة يسعى التنظيم إلى حملة جديدة اسمها “حصاد الجنود”.]
[وتشير الدراسة إلى وصف أهداف تنظيم القاعدة وفقاً لما قاله الجنرال راي اوديرنو قائد القوات الأمريكية في العراق، في تموز من عام 2010: كانت أهداف التنظيم هي إقامة خلافة إسلامية في العراق، إلا أنه من الصعب عليه القيام بذلك مقارنة بقدراته في العام 2005، لذا سيبحث عن ملاذات آمنة لأعضائه في جميع أنحاء العالم، فهم يبحثون عن أراضٍ تعاني من فراغ في السلطة لتشكيل إقليم.]
ونحن بدورنا نتساءل: من الذي يوفر أراضي تعاني من فراغ في السلطة؟ أليست هي أحداث ما يسمى بالربيع العربي التي هي خارطة طريق لإيجاد الفوضى الخلاقة التي تمهد السبيل لرسم خارطة جديدة للمنطقة؟
ونتساءل كذلك: من الذي يوفر المال والسلاح والفكر التكفيري وفتاواه الشاذة والغريبة؟ أليست هي السعودية وقطر وتركيا وتحت مرأى ومسمع الأمريكان والأوروبيين؟
وكيف يمكن لهذا التنظيم من خلال حملة هدم الأسوار، إقامة دولة تشمل أجزاء من العراق وسوريا، من دون دعم إقليمي ودولي؟ هذه الدولة أو الدويلة التي يراد منها إثارة الصراع الطائفي في المنطقة، كما نظّر له كتاب “انبعاث الشيعة” لكاتبه “ولي رضا نصر” ويراد منها كذلك تشويه سمعة الإسلام السمحة من خلال مشاهد الجلد والخنق وقطع الأيدي واللعب برؤوس المذبوحين وممارسة جهاد النكاح …. الخ؟ كما نظّر له كتاب “صِدام الحضارات” المعروف.