ننشر في هذا العدد ترجمة ملخصة لدراستين استراتيجيتين تناولتا ملف الساعة العابر للحدود، هذا الملف الذي أخذ ينخر جسد هذه الأمة التي تغرق في سبات عميق والتي غابت عنها شمس الحضارة والإبداع والابتكار منذ مدة طويلة جداً، ألا وهو “ملف الطائفية” الذي نظّر له جيداً شيخ المستشرقين “برناردلويس” وتلاميذه الأذكياء من “تيار المحافظين الجدد“، والذي نظّر له كذلك الأمريكي الإيراني الأصل “ولي رضا نصر” مؤلف كتاب “انبعاث الشيعة” ونحن بدورنا نؤكد بأنه لايمكن تحدي ومواجهة هذا الملف وغيره من الملفات الساخنة إلّا من خلال امتلاك وتنمية وتطوير مهارة “الوعي الاستراتيجي” الذي يستوعب أبعاد الساحة من كل الجوانب بشكل عقلاني ومنطقي وناضج، بعيداً عن العواطف والمشاعر الانفعالية المشتعلة والآنية.
ففي تقرير “الطائفية تدق ناقوس الخطر في الخليج” للكاتب: توبي ماثيسن/زميل باحث في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في كلية بمبروك في جامعة كامبردج ، المنشور في “مجلة الفورين بوليسي” الأمريكية المرموقة، إشارة واضحة إلى أنه إذا كانت دول الخليج جادة في استتباب الاستقرار في المنطقة فينبغي عليها تمكين الحركات الإسلامية المؤيدة للديمقراطية من الانخراط في العملية السياسية، وعلى الغرب حثّ حلفاءه في الخليج لتخفيض حدَّة الخطاب الطائفي وبخلافه فإن الحرب الأهلية الطائفية التي تمتد الآن من بيروت إلى البصرة قد تعود لتطارد دول الخليج ومؤيديها الغربيين، ويتطرق الكاتب إلى شيعة البحرين والسعودية قائلاً: يشكّل الشيعة في البحرين الغالبية العظمى من السكان (60-70%) ولكن الأسرة الحاكمة من السنّة، لذا عمدت السلطة إلى استخدام وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية لتُظهِر الاحتجاجات بأنها طائفية، واتّبعت دولة البحرين استراتيجية الاستقطاب الطائفي، تماماً كما فعل الرئيس بشار الأسد في سوريا والتي كانت تهدف إلى نزع الشرعية عن المعارضة وتخويف الأقلية السنية من نظام سياسي بديل محتمل لغرض الحصول على الولاء التام للعائلة الحاكمة، في الوقت نفسه، فإن إمبراطورية وسائل الإعلام السعودية التي تسيطر على معظم وسائل الإعلام العربي تناقلت مسألة الاحتجاجات البحرينية واتهمت كل الشيعة في دول الخليج بالتخطيط لانتفاضة بإيعاز من إيران، وهذه الرواية موجهة بقدر كبير ضد الشيعة في البحرين والسعودية حيث يوجد (2 – 3) ملايين نسمة يتمركزون بشكل رئيس في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، حفزتهم انتفاضة البحرين فبدأوا بحركة احتجاجية خاصة بهم، وكان السعوديون فقط هم من خرجوا إلى الشوارع عندما دعت وسائل الإعلام الاجتماعية إلى فصل السعودية عن الربيع العربي على نطاق المنطقة في 2011، وقد طالب بعض السعوديين بالإفراج عن السجناء السياسيين، ولكن حركة الاحتجاج تلك بقيت في المنطقة الشرقية ولم تمتد إلى بقية أنحاء البلاد، ويوجّه الكاتب نصيحته إلى دول الخليج بالقول: إذا كانت دول الخليج تشعر بالقلق حقاً بشأن ولاء الشيعة، فينبغي أن تقبلهم كمواطنين وتمنحهم حقوقهم بالكامل بالتساوي مع أقرانهم.
وفي تقرير “هل دخلت الكويت في المنحدر الطائفي؟” للكاتب: مايكل روبين، أحد الباحثين الأساسيين في معهد المشروع الأمريكي الناطق باسم المحافظين الجدد، تأكيد على أن النهج الأفضل للولايات المتحدة هو تبنّي فهم أكثر دقةً للطائفية الإقليمية والاعتراف بأن الطائفية لا تأتي من الشيعة الذين غالباً ما يرفضون النفوذ الإيراني، بل من السنة الشباب الذين ينظرون إلى المجتمع السعودي كنموذج لهم، وفي الواقع، فإن احتواء وإشراك الشيعة المعتدلين في الكويت بالحياة العامة قد يكون الحل الأفضل لمواجهة النفوذ الإيراني، ولاحظ الكاتب أن الغالبية العظمى من الشيعة في الكويت يعدّون أنفسهم مواطنين والحكومة من جانبها أشركتهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلد، وتعد العوائل الشيعية من بين أغنى العوائل في الكويت وذلك يعكس الفرص التي توفرها الحكومة لمواطنيها بغض النظر عن الطائفة. ولدى الشيعة العديد من المساجد والحسينيات وبعض رجال الدين يتقاضى راتباً من الحكومة ومع هذا لا تتدخل الأخيرة في تعيين أئمة الجوامع ولا يوجد تمييز ملحوظ في قبول الطالب الشيعي في الجامعات سوى الدينية منها التي لا تستقبل سوى السنّة، واكتسب الشيعة الكويتيون أيضاً نفوذاً في البرلمان الكويتي، ولكن ليس بنسبة مماثلة لعددهم، وتحولت الكويت في الوقت الحالي إلى قاعدة مستقلة متكونة من طلبة الحوزات العلمية الشيعية بسبب انتقال بعض رجال الدين إليها، وساعدت الأحداث في العراق وإيران على زعزعة الهدوء النسبي الطائفي في الكويت، فبعد القمع البعثي الذي واجهه أعضاء حزب الدعوة الإسلامية في العراق، انتقل بعضهم إلى الكويت، فهيمن التنافس بين الدعوة وأتباع الشيرازي المتواجدين في الكويت منذ سنوات على الساحة السياسية الشيعية المحلية وانتقل التنافس من داخل المساجد إلى طلاب الجامعة أيضاً، وبعد الاجتياح العراقي للكويت قام الشيعة الكويتيون بمقاومة الغزو، مما جعلهم يحظون بالاحترام مجدداً بين أوساط السنّة، وتوترت العلاقات بين الشيعة في إيران ورجال الدين البارزين من الشيعة في الكويت فاستفادت الحكومة الكويتية من هذا الانقسام وسعت لاستمالة الشيعة للوقوف بوجه النفوذ الإيراني، وسمحت لهم بالترشيح للانتخابات البرلمانية بعد عملية تحرير الكويت، وخلال حقب التوتر انتصرت دائماً الهوية القومية المتماسكة في الكويت على عكس البحرين أو المملكة العربية السعودية، حيث تميزت القيادات السنية بالقيام بنشاطات ضد مواطنيها الشيعة، ولكن استعداد النظام الكويتي لاحتضان رعاياه الشيعة والدفاع عنهم، عمل على تقوية الدولة الكويتية وتحصينها ضد الاضطرابات الداخلية التي تصيب الدول الأخرى في المنطقة، ومن أكبر الشواهد على الطائفية في الآونة الأخيرة استصدار قوانين تنص على إعدام كل من يسب المقدسات السنيّة في حين لم يصدر قانون مماثل بحق من يتطاول على مقدسات الشيعة.