الكاتب: كينيث بولاك /معهد بروكنغز/ واشنطن / ترجمة وعرض: د. حسين أحمد دخيل
قد يعود الأتراك إلى فكرة تأييد استقلال إقليم كردستان، إذ لا توجد معارضة صالحة لكل زمان
وغير قابلة للتغير. كما أن الأكراد يعملون بجد على إعادة بناء قدراتهم العسكرية ويُمكن أُن تُعقد صفقة في المستقبل مع بغداد بهذا الخصوص. ومن المرجح أن ترتفع أسعار النفط ومن ثم سيعمل الأكراد
على توسيع قدراتهم الإنتاجية والتصديرية، وعندما يحصل ذلك ستكون كركوك ضمن نطاقهم مما يجعل الاستقلال الاقتصادي ممكناً في تلك الرحلة.
يتعرض الكاتب إلى الاتفاق الذي حصل مؤخراً بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان ويؤكد أنه يصب في مصلحة العراق ككل، ويرى أن هذا الاتفاق لا يمكنأن يمثل نهاية للخلافات الواسعة بين الطرفين.
على الأقل ربح الطرفان من الاتفاق؛ إذ سيتمكن الإقليم من بيع نفطه، وسيحصل على ما نسبته 17% من الموازنة العامة للدولة، وحصل الإقليم كذلك على اعتراف ضمني بسيطرته على كركوك. وهذا مكسب كبير للأكراد الذين يعدون كركوك ملكاً لهم. وبالمقابل فإن الحكومة المركزية أسست لعلاقة وظيفية جديدة مع حكومة إقليم كردستان، وتأكيداً لالتزام الإقليم بالمساهمة بعوائده النفطية في دعم الموازنة العامة للدولة، ويلتزم الأكراد بتسويق نفطهم من خلال الحكومة المركزية عبر شركة تسويق النفط الوطنية (SOMO). وهذا تنازل آخر لصالح الحكومة المركزية.
ويتساءل الكاتب لماذا حصل هذا الاتفاق في الوقت الحاضر بعد سنوات طويلة من عدم الاتفاق؟ ويجيب أن هناك خمسة تطورات جوهرية أساسية قادت لهذا الاتفاق، وهي كالآتي:
1- اعتراض الأتراك على استقلال إقليم كردستان:وفقاً لمسؤولين أكراد رفيعي المستوى، فقد أشارت أنقرة إلى أربيل بأنها لا تعمل على دعم استقلال إقليم كردستان والذي يعد نقطة تحول مهمة للأكراد. وأن إعلان أنقرة هذا قطع أحلامهم في الاستقلال في الأمد القريب. وأكد رئيس الوزراء التركي السابق (حالياً رئيس جمهورية) رجب طيب أردوغان منذ 2012 للأكراد بأنه دعم استقلال إقليم كردستان في الظروف المناسبة – وهو موقف منطقي بالنسبة لتركيا والولايات المتحدة وكذلك الأكراد. وعلى الرغم من أن الأكراد لهم وجهات نظر مختلفة حول دوافع أردوغان في هذا الموضوع، إلا أنهم الآن يبدون مقتنعين ومحبطين، ولكنهم قبلوا الحقيقة. ومع هدف الاستقلال القريب المدى، يسعى الأكراد إلى وضع آلية عمل جديدة في التعامل مع بغداد حول النفط.
2- اهتمام الأكراد الحقيقي بأمنهم: لم تكن البيشمركة في تعاملها مع داعش الذين تواجدوا على بعد عشرة أقدام في الأيام الأولى من شهر آب/2014، إلا أنهم فوجئوا بهجوم داعش الذي كشف مدى ضعف أمن إقليم كردستان وهذا التهديد هز القيادات الكردية وبما أنهم بحاجة للأمن فمن الصعب عليهم التفكير بالاستقلال وهذا دفعهم لبدء علاقة جديدة مع بغداد.
3- انخفاض أسعار النفط:واجهت كل من بغداد وأربيل صعوبة انخفاض أسعار النفط خلال الثلاث سنوات الماضية، وأصبح الصراع على تصدير النفط يضر بالطرفين، فشركات النفط الكبرى قلقة من الاستثمار الواسع في العراق ككل، والأكراد يواجهون صعوبة في بيع نفطهم، وبغداد استغرقت وقتاً أكثر في محاولة عرقلة صادرات الإقليم من محاولتها زيادة صادراتها النفطية. إن انهيار أسعار النفط فرض على الطرفين أن يضعوا خلافاتهم جانباً ويعملوا سوية لتلبية احتياجاتهم المالية لسد النفقات التي تضخمت نتيجة قتال داعش. وإذا كان الأتراك قد قوضوا الجهود الدبلوماسية لاستقلال الإقليم، وتهديد داعش وضح مدى ضعف أمن الإقليم، فإن انخفاض أسعار النفط قوض المقوم الاقتصادي لاستقلال الإقليم.
4- تأمين حقول كركوك وصادراتها جعل الإقليم في موقف قوي جداً على المدى الطويل:إذا كان الأتراك قد وضعوا حكومة إقليم كردستان في موقف ضعيف على المدى القريب نتيجة عدم تأييدهم استقلال الإقليم، فإن استغلالهم لحقول كركوك وقدرتهم على تصدير نفطه وبيعه وضع حكومة الإقليم في موقف قوي على المدى الطويل. فمع نفط كركوك يستطيع الإقليم تصدير ما يقارب 500000 برميل يومياً وهذا أكثر من كافٍ لتلبية احتياجاتهم المالية إذا ارتفعت الأسعار إلى 100 دولار للبرميل الواحد. وطالما بقيت أسعار النفط منخفضة خلال المرحلة المقبلة فإن الأكراد لا يكونون مستقلين ذاتياً حتى مع إنتاج كركوك. ولكن من المحتمل أن تنتعش أسعار النفط وأن تضاف حقول جديدة في الإقليم على المدى الطويل. وهذا يعني أن وجود كركوك تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان ينبغي أن يُستغل من قبل الإقليم لترصين البناء الاقتصادي للإقليم تمهيداً للاستقلال.
5- اختيار العبادي يعد تغييراً إيجابياً: اختيار السيد حيدر العبادي لرئاسة الحكومة كان مثيراً للإعجاب بالنسبة للعراقيين حيث استطاعوا أن يستبدلوا نوري المالكي – بمساعد كبيرة من قبل إيران ومراجع الدين الشيعة في النجف – واختاروا العبادي بدلاً عنهُ، وتوافق عليه سياسيون عراقيون من بين عدة مرشحين. ومن المبكر أن نصف العبادي بأنه مخلص العراق إلا أنه لا يوجد شك بأنه يحاول جاهداً أن يفعل الصحيح واتخذ خطوات مهمة – وإن كانت قليلة – في هذا الاتجاه. فإقالته للعديد من القيادات العسكرية السيئة (من أتباع المالكي)، واتفاقه على تشكيل وحدات عسكرية سنية، ومعارضته تولي هادي العامري وزارة الدفاع، واتفاقه الأخير مع الأكراد، كل هذه الخطوات تثبت بأن السيد العبادي يرغب بمعالجة وحصر المخاطر ويعمل على وضع العراق على الطريق الصحيح. وهذا يتفق مع رؤية الولايات المتحدة والأكراد الذين اعترفوا بذلك في اجتماعات عدة. وعليه فإن السبب الأهم لاستعداد الأكراد في تقديم التنازلات – التي رفضوا تقديمها مع وجود المالكي – اعتقادهم بأن العبادي يحاول فعل الشيء الصحيح.
هذه العوامل مهمة وتبدو على الأرجح منطقية في تفسير اتفاق بغداد مع أربيل، كما أن هذه العوامل شكلت أساساً لكلا الطرفين ليستمروا في العمل سوية في المستقبل المنظور.
غير أن الكاتب يضيف أنه لا يتوقع أحد أن هذا الاتفاق يمثل نهاية الخلافات بينهما. فمن المؤكد أن الأكراد في الوقت الحاضر يتمتعون بأوقات أكثر راحة وهم جزء من العراق. ولكن على مدى التاريخ لم يكونوا كذلك. فخلال القرن الماضي شكل الوجود الكردي ضمن العراق مصدراً لعدم الاستقرار والعنف لكل من العراق والإقليم. وهذا هو السبب في عدم حصو الإقليم على الاستقلال بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، أو بعد غزو داعش في حزيران 2014 أو في أي مرحلة مضت. وسيكون كل من العراقيين والأكراد أفضل حالاً طالما أنهم في بلد واحد ويعيشون بشكل ودي .
ويناقش الكاتب أن بعض أو كل هذه العوامل التي ساهمت في خلق الظروف المناسبة للاتفاق الأخير قد تزول سريعاً، فقد يعود الأتراك إلى فكرة تأييد استقلال إقليم كردستان، إذ لايوجد معارضة صالحة لكل زمان وغير قابلة للتغير، كما أن الأكراد يعملون بجد على إعادة بناء قدراتهم العسكرية ويُمكن أُن تُعقد صفقه في المستقبل مع بغداد بهذا الخصوص. ومن المرجح أن ترتفع أسعار النفط ومن ثم سيعمل الأكراد على توسيع قدراتهم الإنتاجية والتصديرية، وعندما يحصل ذلك ستكون كركوك ضمن نطاقهم مما يجعل الاستقلال الاقتصادي ممكناً في تلك المرحلة.
وأخيراً يؤكد الكاتب أن السيد العبادي يعمل على مواجهة المخاطر الصعبة التي تواجه البلد ولاسيما المرتبطة بهيكلية إدارة الدولة وهي مسالة اللامركزية الإدارية. وقد انضم العرب السنة إلى الأكراد إلى حد ما في تأييدهم الفيدرالية اللامركزية، إلا أن العديد من الشيعة يعارضون ذلك. ومن ثم سيكون من الصعب على السيد العبادي التوفيق بين هذه المطالب وإقناع المعارضين الشيعة بالمطالب السنية والكردية. وعندما يتم ربط هذه القضايا – والتي يمكن أن تقسم المكونات العراقية – فإن الأكراد قد يعودوا إلى التفكير بالاستقلال.
http://www.brookings.edu/blogs/markaz/posts/2014/12/03-iraq-kurds-oil-revenue-sharing-agreement