بقلم : ميثاق مناحي
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
فيما تتزايد مخاوف دول عديدة من التهاوي المتواصل لأسعار النفط، يرى خبراء أن هناك أطرافًا وراء ذلك، ومن بينها السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم. فما هي أهدافها؟ على الرغم من أن انخفاض
أسعار النفط العالمية لها أسبابها الاقتصادية, مثل ارتفاع العرض في المنتوج النفطي العالمي وتباطؤ الطلب, وضعف النمو الاقتصادي للصين والاتحاد الأوربي, وارتفاع سعر الدولار الذي يسبب انخفاض بأسعار النفط لأن العلاقة
عكسية بين سعر الدولار وأسعار النفط العالمية, فعندما يرتفع سعر الدولار ينخفض سعر النفط. والتباطؤ في الطلب ربما يعزو إلى طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية, فعلى سبيل المثال كانت الولايات المتحدة تستورد مايقارب 400 ألف برميل من النفط النيجري, واليوم الولايات المتحدة لا تستورد شيء من نفط نيجيريا. ويبدو أن من المفارقة أن منظمة أوبك رفضت في اجتماعها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خفض معدل سقف الإنتاج لتدارك الفائض في الإنتاج على خلفية رفض السعودية خفض حصتها في الإنتاج. وعلى مايبدو أن السعودية تتبع هنا استراتيجة متوسطة المدى للحيلولة دون دخول منافسين جدد إلى السوق على غرار النفط الصخري الأمريكي الذي تعد تكاليف استخراجه عالية جدًا. ومن خلال توفير مزيد من النفط مقابل أسعار منخفضة وتسعى أيضاً إلى الحيلولة دون استخراج مزيد من النفط الصخري في الولايات المتحدة, فهل استراتيجية السعودية اقتصادية بحتة أم تحركها أيضًا دوافع سياسية؟
عند التمعن في الأسباب الاقتصادية لانخفاض أسعار النفط نرى أنها غير مقنعة تماماً لتسبب ذلك الانهيار في سعر النفط العالمي, وهذا يعطي انطباعًا بأن هناك دوافع سياسية وراء هذا الانخفاض, وعادةً ما تتعمد السعودية عبر التاريخ ضرب أسواق النفط العالمية, والهدف السياسي الأكثر ترجيحاً هو ضرب الاقتصادين الروسي والإيراني, وهذا ما أكّده السيناتور الأميركي جون مكين حين قال: “علينا شكر السعودية التي سمحت بانهيار الاقتصاد الروسي”, وأوضح أيضاً في مقابلة مع شبكة CNN وتابتعها وكالة نون الخبرية قائلًا: “علينا تقديم الشكر للسعودية التي سمحت لسعر برميل النفط, بالهبوط لدرجة تؤثر بصورة كبيرة على اقتصاد الرئيس فلاديمير بوتين”. وفي مقال لصحيفة “نيزافيسيمايا غزيتا” الروسية، يعود تاريخه إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وُجهت اتهامات إلى السعودية والولايات المتحدة بالترتيب لتشديد الضغوط على كل من روسيا وإيران على خلفية دورهما في الملف السوري ودور موسكو في الاضطرابات التي تشهدها أوكرانيا.
وهذا غير مستبعد أبداً فمن المؤكد أن الهدف السياسي للسعودية في ضرب سوق النفط هو موجه ضد روسيا وإيران, إلا أن احتمالية استمرار هذا الانخفاض من عدمه يتوقف على أمرين اثنين: أولهما يتوقف على نجاح المفاوضات الأميركية الإيرانية بشأن برنامجها النووي والتوصل إلى حلول سلمية للطرفين, ومن المرجح أن يتوصل الطرفان إلى حل لأن انخفاض أسعار النفط وتأثيراتها المدمرة للاقتصاد الإيراني والمسبوقة بالعقوبات الدولية, سيدفع إيران للتوصل إلى حل مرضي لكلا الطرفين بخصوص تلك المفاوضات, وهذا بدوره سيبعث برسائل اطمئنان إيرانية لكل العالم ودول الخليج والسعودية, هذا من جهة ومن جهة أخرى سيؤدي نجاح المفاوضات إلى تقارب إيراني أميركي, بوجهات النظر ولربما يودي إلى كف أو إضعاف التدخل الإيراني في بلدان مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن, ومن المؤكد أن ذلك التقارب سيجد حلاً للمعضلة السورية, التي تشغل العقل السياسي السعودي _الأميركي, ومن ثمّ ستعيد السعودية النظر بنظريتها في التلاعب بأسعار النفط واستهداف الاقتصاد الإيراني مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط, إلا أن هذا الارتفاع مرتبط بالنقطة الثانية توالياً , وهي روسيا, فروسيا اليوم التي أدارت ظهرها بتعجرف إلى الاتحاد الأوربي نتيجة العقوبات الاقتصادية, ومشاكلها المتكرر في أوربا وآخرها بخصوص الاضطرابات التي تشهدها أوكرانيا, ودعمها للنظام السوري ومعارضتها لانضمام أوكرانيا لحلف النيتو, وربما كان انخفاض أسعار النفط هو من يدفع بروسيا إلى كبح جماحها في أوروبا, وهي رسالة تنبيه لروسيا قاسية جداً مفادها كفى مهاترات فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد الروسي على غرار ذلك الانهيار الاقتصادي في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي إبّان حقبة حكم الرئيس الأميركي ريغان, الذي تسببت به العربية السعودية, وذلك بعد انكشاف الأرشيف الدبلوماسي السابق وقد تسبب ذلك بإسقاط الاتحاد السوفيتي بالضربة القاضية خلال الحرب الباردة, لأن خفض أسعار النفط أدى إلى انهيار كبير في الاقتصاد السوفيتي سابقاً. فمن غير الممكن أن تكون روسيا قادرة على مواجهة هذا الخطر حالياً, ولا تريد تكرار سيناريو مشابه لسيناريو الحرب الباردة, ومواجه انخفاض أسعار النفط العالمية, ومقاومة العقوبات الاقتصادية الأوربية, وانخفاض سعر الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي. ومن المؤكد أيضاً أن روسيا ستحاول إيجاد مخرج لهذا التدهور في اقتصادها ومن ثمّ تكف عن دعم ومساعدة النظام السوري وربما ستكون من المساهمين في إيجاد مخرج للمعضلة السورية وإيجاد بديل لبشار الأسد, واحتضانها لمبادرات رعاية في حل الأزمة السورية عبر الضغط على الأسد, وهذا ماطُرح مؤخراً, ومن الغريب أن المعارضة السورية هي من رفضت تلك المبادرة. على الرغم من تأكيد (هادي بحرة) المبادرة الروسية إلا أنه استبعدها بحجة عدم وجود ورقه روسية حقيقية تدعو إلى ذلك.
إذًا يمكن القول إن نجاح المفاوضات الإيرانية الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني, وكف إيران عن التدخل في شؤون الدول ولاسيما العراق وسوريا, وإيجاد حل للمسألة السورية, وكف روسيا عن التدخلات المماثلة, وإثارة المشاكل والاضطرابات في أوروبا, من شأنه أن يعيد توازن أسعار النفط العالمية, وربما هي المعادلة التي تستخدمها السعودية بدعم أميركي لإخضاع كل من روسيا وإيران إلى سياسة الأمر الواقع خشيةً من الانهيار الاقتصادي ولربما يسبب تغير شامل في الأنظمة المستهدفة سياسياً على غرار استهداف نظام الشاه في العام1977م, وحقيقة الأمر أن السعودية وأميركا إذا ما نجحتا في ذلك ربما يؤدي الأمر إلى انتعاش أسعار النفط العالمية من جديد.
هذا يجعل صانع القرار العراقي أمام حقيقة واحدة وهي التفاعل مع المحيط الخارجي والدور الإقليمي بشكل إيجابي, ويجب أن يترك انطباعًا لديه بأن الدور الإقليمي مهم ولا يقل أهمية عن الداخل, فالأزمات والمشاكل الخارجية ولاسيما الإقليمية تترك انطباعًا وأثرًا على الداخل, وهذا يتطلب تفاعل صانع القرار العراقي مع المحيط الإقليمي وتحسين السياسة الخارجية بالشكل الذي يجعل من صانع القرار العراقي وحكومته محط احترام وثقة وسيمنحه حضورًا في المتغيرات الإقليمية, وهذا يتطلب جدية ورؤية حكيمة واطلاعًا ومرونة لدى صانع القرار.