الكاتب: حاييم مالكا
ترجمة وعرض: حسين باسم عبد الأمير
إن التحدي الكبير للجيل القادم في الشرق الأوسط، هو كيف يجب أن يتم تطوير هياكل الدولة بما يلبي احتياجات السكان ويُقدّم لهم رؤية مُقنعة؟
. إن لم تقُم الحكومات بأخذ زمام المبادرة في وضع رؤى جديدة للمستقبل تكون مُقنعة بالنسبة للسكان، فإن المجاميع المسلحة غير التابعة للدولة سوف تفعل ذلك بدلا عنهم.
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى انصرام نصف قرن منذ أن انقسم الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة بين حلفاء للولايات المتحدة وخصوم، ومع ذلك فقد تمكنت الولايات المتحدة اليوم من أن يكون لديها علاقات ودية مع كل الدول العربية تقريبا، سوى نظام الأسد في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظهرت الجماعات المسلحة غير الحكومية كفاعلين رئيسيين في نزاعات المنطقة، وهم في الغالب معادون للولايات المتحدة. كما وتعمل هذه الجماعات على تقويض الأهداف السياسية للولايات المتحدة وزعزعة استقرار الدول الهشة وقتل المدنيين.
وهذا يحتم على الولايات المُتحدة – أكثر من أي وقت مضى – أن تتعامل بفطنة مع تلك الدول التي تحولت من العداء تجاهها، والتي تعمل في بيئات سياسية معقدة بشكل متزايد. ويتطلب ذلك قيام المسؤولين الحكوميين الأمريكيين بإظهار اليقظة والنشاط والإبداع في الوقت الذي تتصاعد فيه مخاوف أمنية عديدة يتم تباحثها داخل جدران السفارة.
الولايات المتحدة لديها العديد من أدوات الضغط على الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، إلّا أنها ذات تأثير أقل من تلك الأدوات التي تملكها الولايات المتحدة تجاه الحكومات. كما أن علاقاتها الثنائية وثيقة مع الحكومات التي شجعت الولايات المتحدة على تسمية العديد من مثل هذه المجموعات تحت لافتة المنظمات الإرهابية. وعندما يتعلق الأمر بالجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، فإن الهدف والأدوات غالبا ما تنحصر في “العزل” أو “القضاء” عليها.
وحتى الآن، فقد ازدهرت هذه المجاميع المسلحة غير التابعة للدول،حيث تكيّفت وتمكنت من توظيف القيود السياسية والفرص، وبدأت – وعلى نحو متزايد – تعمل وظيفيا حالها حال الدول. هذه المجموعات تسيطر على الأراضي وتنخرط في الدبلوماسية وتكون دوائر انتخابية وتمارس السياسة، بدلا من مجرد البحث عن حصة في أنظمة الدولة القائمة. كما أن هذه الجماعات غير الحكومية أعادت تصميم وإنشاء نُظمها الخاصة.
جزء من التحدي بالنسبة للولايات المتحدة هو كيفية معالجة الأسباب الجذرية التي توفر الدعم والتأييد الذي تتمتع به هذه الجماعات المسلحة. ففي كثير من الحالات، فإن الجماعات المسلحة غير الحكومية هي بطبيعتها أطراف سياسية فاعلة وتحمل أهداف متماثلة ومكررة ومُقنعة لدى قطاعات كبيرة من السكان المحليين. فقد قاتل حزب الله من أجل حقوق السكان الأغلبية الشيعة التي كانت مهمشة منذ فترة طويلة ضمن لبنان الحديث. كما قدمت حماس البديل الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية المتغطرسة والفاسدة والتي يعتقد النقاد بأنها لم تفعل شيئا يذكر لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وحتى في الحرب ضد تنظيم القاعدة و”داعش”، يبدو أن هناك العديد من الشباب مستعدون للموت من أجل الأفكار والأهداف التي تتبناها هذه الحركات. إن “داعش” تمتلك دوافع قوية توفر لها الدعم، فهي كيان اجتماعي سياسي “يوتوبي” يجتذب الشباب الساخطين، كما أنها توفر حماية قوية للمصالح الطائفية لملايين العرب السنة في سوريا والعراق ممن يشعرون بالحرمان المُمنهج.
سوف تستمر هذه المجاميع بجذب الأجانب طالما أنها تقنعهم بأن مشروعها لبناء الخلافة ما يزال صادقا وبديلا مجديا لأشكال الحكومات الأخرى في المنطقة. كما أنه من المرجح لها أن تستمر بالحصول على الدعم في العراق طالما أن مؤيدي تلك المجاميع يعتقدون أن السياسيين الشيعة يشكلون التهديد الأكبر لمصالحهم.
وبعيداً عن فطنتهم السياسية، فقد أصبحت العديد من الجماعات المسلحة غير الحكومية توفر لأولئك المؤيدين الأمن. حيث قامت ألوية عسكرية إسلامية بدفع الرواتب من بعد الثورة على الحكومة الليبية وتوفير الأمن في المستشفيات والمنشآت الحكومية. كذلك حماس، فبالرغم من أنها ما تزال ملتزمة بمحاربة إسرائيل، إلّا أنها تمنع أحيانا إطلاق الصواريخ من قبل مجموعات مسلحة أصغر حجما، وتستخدم هيمنتها الأمنية بما يُحدد أنشطة خلايا تابعة لتنظيم القاعدة في غزة والتي يمكن أن تشكل تهديدا أكثر فتكا. في سوريا، حزب الله يقاتل تنظيم “داعش” وجبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة، بهدف التقاطع مع الولايات المتحدة.
هكذا، فإن لهذه المجاميع بعد سياسي، وهو ما يشكل تحديات أكثر تعقيدا بالنسبة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة. كما أن تجارب العقود القليلة الماضية تشير إلى أن الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة لا يمكن القضاء عليها. إنه من الممكن أن يتم احتوائها وتفكيك قدراتها، ولكن بحكم طبيعتها يُمكن لها أن تستمر في التطور. إن هذه المجاميع لها قابلية التكيّف مع القيود الجديدة، واستغلال الفرص، وإعادة تشكيل نفسها لتواجه بيئات جديدة.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن النصر من غير المرجح له أن يتمّ عبر إلحاق الهزيمة والقضاء على هذه المجاميع. بدلا من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تغيير الظروف السياسية والاجتماعية التي تسمح لهم بالنمو والازدهار. إن التحدي الكبير للجيل القادم في الشرق الأوسط، هو كيف يجب أن يتم تطوير هياكل الدولة بما يلبي احتياجات السكان ويُقدم لهم رؤية مُقنعة. إن لم تقُم الحكومات بأخذ زمام المبادرة في وضع رؤى جديدة للمستقبل تكون مُقنعة بالنسبة للسكان، فإن المجاميع المسلحة غير التابعة للدولة سوف تفعل ذلك بدلا عنهم.
http://csis.org/publication/challenge-non-state-actors