الكاتب: جيمس تروب (JAMES TRAUB)
ترجمة وعرض: د. حسين أحمد دخيل السرحان
دخلنا الحرب بين التطرف الإسلامي والحداثة، إلا أن ذلك صراع سينتقل من الغرب إلى العالم الإسلامي نفسه، وهذه هي أهمية بروز
وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الإرهابي في العالم الإسلامي.
بداية يثير الكاتب سؤالا مهما، هو لماذا لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تفعل سوى القليل جدا لتغيير مسار الأحداث في الشرق الأوسط في الوقت الراهن؟.
يشير الكاتب إلى أنه بعد الآثار الكارثية لغزو العراق، كتب نورمان بودهورتز (Norman Podhoretz) – كبير المحافظين الجدد ورئيس تحرير صحيفة كومنتري (Commentary) – مقالة طويلة أكد فيها، أن المعركة ضد التطرف الإسلامي وصلت إلى نطاق يمكن أن يسمى بـ”الحرب العالمية الرابعة”. كان بودهورتز ميالا للتعامل المروع وأسلوب التخويف، كما أن العديد من المعلقين والمحللين فهموا أن هجوم تنظيم القاعدة الإرهابي على الأراضي الأمريكية مثلت الجولة الافتتاحية للحرب بين الغرب والفاشية الإسلامية كما ادّعى ذلك كريستوفر هيتشنز (Christopher Hitchens). إلا أن هذا الشعور السلبي تراجع بعد فشل الإرهابيين في شن هجومات مماثلة، على الأقل في الولايات المتحدة الأمريكية، والفشل البشع للحرب في العراق، الذي أضعف حماس العديد من الإرهابيين المقاتلين بأن يلتحقوا بالقتال بين الإسلام المتطرف والغرب.
ويؤكد الكاتب أنه بكل الأحوال، لا يبدو استعارة تسمية الحرب العالمية وعكسها على ما يجري بأنه أمر حتمي، فإنشاء “الخلافة” التي أعلنت في قلب العالم العربي – فضلا عن قتل مجموعة من رسامي الكاريكاتير في قلب أوروبا – جعل الإسلام المتطرف يبدو أكثر تأثيراً، وأكثر قوة، وأكثر تهديدا للغرب مما كان، عندما قاد الحركة حفنة من الرجال في الكهوف. وحتى بعض الواقعيين الذين سخروا من فكرة بودهورتز – الذين تراجعوا عن فرضية أن الحرب الباردة شكلت الحرب العالمية الثالثة – يخشون الآن من أن الغرب في خطر.
وكتب كل من جورج فريدمان وهنري كيسنجر – اللذين يديرا شركة الاستخبارات العالمية “ستراتفور” – مؤخرا عن بزوغ “الحرب بين عالمين”، العالم الإسلامي والعالم المسيحي. ووصف ايرون ديفيد ميلر،رئيس الفورن بولسي – مشككا بثقة كبيرة بالمؤامرات الضخمة في الخارج – الصراع مع الإسلام المتطرف بأنه “صراع الأجيال القادمة” و “الحرب الطويلة“. إنكار الإسلام المتطرف لأساس حرية الاختيار والقرار الفردي في الفضاء العلماني، جنبا إلى جنب مع رغبة أعداد كبيرة من الناس لقتل الآخرين وأنفسهم من أجل تدمير هذا الشيء، يشكل تحديا أساسيا للغرب. ورغم ذلك، فإن وجود الصراع الحضاري يضللنا ويقودنا إلى الاعتقاد بأننا يمكن أن نعمل شيئا، ويجب أن نعمل ما لا نستطيع عمله، إلا أننا قد لا نتمكن من فعل شيء؛ لذا يجب أن لا نعمل.
ما نوع الحرب العالمية التي أوجدناها؟. الحرب العالمية فقط في القرن التاسع عشر بين فرنسا وبريطانيا في العقود التي تلت الثورة الفرنسية كانت – على الرغم من ادعاءات الجمهوريين الفرنسيين – صراعا تقليديا بين القوى العظمى. وشكلت الحرب العالمية الأولى آخر التوترات الجغرافية السياسية بدلا من التوترات العقائدية. وشاركت في الصراع العالمي العقائد الاستبدادية التي تسعى إلى توسيع نفسها ودورها عبر العالم. وكل من الصراع ضد الفاشية والصراع ضد الشيوعية – مع انتشارها العالمي – كانت حروبا بين المفاهيم الليبرالية والمفاهيم المضادة لليبرالية حول كيفية تنظيم العالم الغربي.
ويؤكد الكاتب، أن التطرف الإسلامي يقدم اليوم حالة معاكسة، وهي الحرب داخل الحضارة غير الغربية، والتي اجتازت العالم الغربي ولا يبدو ذلك أنه بداية الأمر. فقبل مدة طويلة كان تنظيم القاعدة الإرهابي والإرهابيين الإسلاميين يستهدفون قوات المارينز الأمريكية في لبنان، والخطوط الجوية الأمريكية والأوروبية والمعابد والمؤسسات اليهودية. ولكن هجمات 11 / أيلول / 2001، وبشاعة أعمال أسامة بن لادن أعطت بودهورتز والآخرين أسبابا جيدة للاعتقاد بأن الإسلام المتطرف أعلن الحرب على الغرب.
هذه البشاعة وهذه التكتيكات استمرت إلى هذا اليوم وتجسدت بالهجوم على تشارل ابدو، والمؤامرات ضد الولايات المتحدة التي حصلت في اليمن، والفوضى التي قام بها الإرهابيون في لندن ومدريد ومدن أخرى. ومع أن العواصم الغربية شكلت حصونا للنظام العلماني، والذي تعهد الجهاديون بتحطيمه، إلا أن هؤلاء الجهاديين يعيشون في الغرب، وعليه، شكلت المدن الغربية ومواطنوها أهدافا جاهزة للإرهابيين.
ويرى الكاتب، أنه حتى إذا قلنا بأننا دخلنا الحرب بين التطرف الإسلامي والحداثة، إلا أن ذلك صراع سينتقل من الغرب إلى العالم الإسلامي نفسه، وهذه هي أهمية بروز وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الإرهابي في العالم الإسلامي.
ويؤكد الكاتب، أن إعلان “الخلافة” في العراق وسوريا يمثل تهديدا خطيرا جدا للغرب، وهذا هو التهديد الوجودي للدين الإسلامي في المنطقة. ومثل تنظيم القاعدة، يرى تنظيم “الدولة الإسلامية” أن الدولة القومية هي اختراع أجنبي ونتاج للفكر الغربي وصلت إلى الإسلام. وعلى عكس تنظيم القاعدة الإرهابي، فإن تنظيم “الدولة الاسلامية” أنشأ في الواقع أنموذجا بديلاً يعكس التقاليد الإسلامية ما قبل الحداثة. وانتشر شعار تنظيم “الدولة الإسلامية” بسرعة مذهلة إلى ليبيا ونيجيريا وأفغانستان.
وحتى إذا كانت هذه الجماعات تمثل عددا قليلا من الإرهابيين في ظل راية سوداء، إلا أن الرغبة في ضم أنفسهم تحت راية “داعش” تظهر قوة هائلة مؤيدة لفكرة إقامة دولة إسلامية نقية داخل ما يسمونه العالم الإسلامي المزعوم. وهكذا تعطي هجمات 11 / أيلول / 2001، انطباعا مضللاً بأن بروز الإسلام المتطرف كان عن طريق الغرب، واحتاج الغرب لخوض حرب على الإرهاب من أجل إلحاق الهزيمة به. ولكن الإسلام المتطرف ظهر عن طريق الإسلام والأنظمة التي تحكم باسم الدين. فمن الصعب تصوّر أن السلوكيات المتطرفة الفاقدة لجاذبيتها يمكن أن تُكسِب الأنظمة العربية شرعيتها الحقيقية في عيون مواطنيها. وبدلا من ذلك، فالقيام بتكوين نسخة جديدة من الإسلام – مثلما فعل تنظيم الدولة الإسلامية – قد يفضح الآيديولوجية الجهادية بعدم رضاها لهذا الفعل الذي قد يقود إلى انهيار الفكر المتطرف في نهاية المطاف؛ نتيجة التناقضات الكامنة فيه مثلما حصل مع الشيوعية.
ويضيف الكاتب، أن هناك رأيا يمثل جانبا كبيرا من الغرب مفاده: أن الأخير يمكن – بل يجب – أن يقوم بالدفاع عن نفسه ويبعد نتائج رهيبة وكارثية عنه ناتجة عن الصراع في حضارة أخرى، وسيكون جانب كبير من ذلك تحت عنوان “الدفاع عن الوطن”، أو عمل الشرطة وقوات الأمن، أو عمل الاستخبارات، أو أمن الحدود وما شابه ذلك. كما سيكون جزء منه مرتبط بإعادة التفكير بالسياسات الوطنية لمعالجة قضية المسلمين المهاجرين. وسيتعلق بعض تلك الجهود – لكن ليس بقدر كبير – باستخدام القوة خارج الحدود. الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لا يمكنهما السماح لتنظيم “الدولة الاسلامية” الإرهابي بتعزيز سيطرته على أقاليمهما أو أي من الدول المجاور، وسيكون من العبث الرهان على أن الغرب لن يسعى إلى تدمير الأنظمة الإسلامية وقتل الذين ينظرون له على أنهم مرتدون من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة. مع ذلك، سيضطر العراقيون والسوريون والقوى المحلية الأخرى القيام بالقتال الفعلي.
فالغرب يمكن أن يناضل في الدفاع عن نفسه، ولكن هناك إمكانية محدودة يمكن من خلالها تعديل بنود وشروط هذا النضال في الدفاع عن النفس ضد المتطرفين.
وإذا كان في الواقع أننا نواجه حربا حضارية داخل حضارة أخرى، فإن العديد من الأدوات التي استخدمت خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي لن تكون مجدية ومفيدة في الوقت الحاضر. ومنذ السنوات الأولى للنضال الطويل ضد السوفيت اشتركت الولايات المتحدة بحملة دبلوماسية كبيرة وشاملة (سرية وعلنية) صُمِمت لإظهار تفوق الرأسمالية الديمقراطية على الشيوعية. وسعى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى إحياء وتأجيج هذه الإجراءات من جديد. فبعد أحداث 11 / أيلول / 2001 مباشرة، كلف الرئيس بوش شارلوت بيرز – مديرة إحدى الشركات الرائدة في شارع ماديسون – بتطوير رسائل جديدة إلى العالم الإسلامي. وقد عملت بيرز لقطات تلفزيونية تروج من خلالها بأن المعاملة المحترمة للولايات المتحدة تجاه المسلمين كانت عبارة عن سخرية بالعالم العربي. وقالت بيرز في وقت لاحق: “أعترف بأنه لا يمكن أن نتوقع من الولايات المتحدة كسب العقول والقلوب”. ومن خلفتها في عملها ليست أفضل. الآن من الصعب على مكتب الدبلوماسية العامة للرئيس باراك أوباما العمل لإدارة مدخلات موقع تويتر المعادية لتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي لتقود إلى عدم التنسيق بين أعضاء التنظيم. إنه مسعى غير مجد، ليس بسبب كون الولايات المتحدة غير كفوءة في الدبلوماسية العامة، ولكن بسبب أن عددا قليلا جدا من المستهدفين سيهتمون بذلك. الانتقاد واحد على الدبلوماسية العامة، هو أن الأفعال هي المهمة وليست الأقوال.
يؤكد الكاتب، أن الكلام الجميل عن التسامح الأمريكي لا يعني شيئا عندما كانت الولايات المتحدة تقوم بتعذيب المعتقلين المسلمين وتحتجزهم في غوانتنامو. وأعلن الرئيس أوباما في اليوم الأول له في مكتب البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة ستبتعد عن التعذيب، وألقى كلمة مهمة في القاهرة متعهداً ببداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، وأريد من ذلك التأثير على الرأي العام العربي. وسيكون من الجيد لو قامت الولايات المتحدة بإغلاق معتقل غوانتنامو، وأنهت عوامل التوتر الأخرى، ولكن لا أستطيع أن أصدق أن هذا الإجراء مهم بالنسبة للأمريكان. واعتماد حل الدولتين بين إسرائيل و الفلسطينيين سيشكل اختبارا قويا – واعترف أحد المقربين من بيرز، وهو “كارين هيوز” أن بيرز أخبرت الرئيس بوش بأنه لا يمكن أن يتناسب ذلك مع الرأي العام العربي حتى إذا دفعت واشنطن إسرائيل لتبني السلام – ولكن ربما لن يقود هذا الحل إلى تجفيف منابع الجهاديين في المنطقة.
بالتأكيد، فإن الاستراتيجية الأمريكية الأساسية خلال الحرب الباردة، التي تمثلت بالدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي إلى الحلفاء، تعرضت إلى تهديد من قبل الشيوعية. وعلى الرغم من تكرار الموضوع منذ مرحلة الرئيس الأمريكي هاري ترومان فصاعدا بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على مساعدة الديمقراطيات التي تتعرض للخطر، إلا أن المستفيدين من هذا الدعم كانت دول فيها أنظمة حكم استبدادية تقريباً، مثل إيران، مصر، باكستان، شيلي، المغرب، وغيرها. مع أفول الحرب الباردة – وخلال مدة حكم الرئيس جيمي كارتر والرئيس رونالد ريغن – استعدت الولايات المتحدة الأمريكية لتحمل مخاطر انتقاد نتيجة تحالفها مع الدول الاستبدادية – كما في تشيلي والفلبين – فقط.
وفي أعقاب أحداث 11 / أيلول / 2001، أدرك الرئيس بوش أن سياسة دعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أصبحت تهزم نفسها بنفسها ولن تعود مجدية. وتعلمت الولايات المتحدة – كما قال الرئيس بوش في خطاب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة – أن تبقى تستشعر خطر الإرهاب طالما أن هناك مناطق بأكملها من العالم ينضج فيها الاستياء والطغيان، وهذا كان أساس سياسة بوش في حماية الديمقراطية في الشرق الأوسط.
بداية، يرى الكاتب أن أجندة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تبنتها الغرب لم تقُد – كما في الدبلوماسية العامة – إلى تحقيق أهدافها المرجوة. والعراق – الذي رأى فيه الرئيس بوش الفرصة الكبيرة لتحسين الديمقراطية التي يمكن أن تأخذ طريقها إلى العالم العربي في المستقبل – أثبت مقاومة معروفة للجهود الأمريكية لتحسين الحكم مع أنه بعيد كثيرا عن المبادئ الديمقراطية. والاكثر من ذلك، وجدت إدارة الرئيس بوش الابن أنها تحتاج إلى الحلفاء الاستبداديين في المنطقة، مثل مصر والسعودية؛ لتحقيق أهدافها.
وفي مرحلة ما بعد بوش الابن، يرى الكاتب أن الرئيس أوباما استفاد من الاخفاقات التي رافقت مدة رئاسة بوش الابن، فلغة الديمقراطية والتأكيد على مبدأ المشاركة مع الأنظمة الاستبدادية على أمل امتثالها لمساعدة الولايات المتحدة لتحقيق الأهداف العالمية مثل منع الانتشار النووي، لم تجدِ نفعاً. والربيع العربي أظهر – لمدة وجيزة – آمال الشعوب العربية لتطالب وبصوت عال بحقوقها الخاصة والأساسية. وفي جانب أكثر وضوحا، أكد الرئيس السابق بوش الابن أن الولايات المتحدة لها مصلحة ملحة في تحقيق الإصلاح الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن انهيار الحركات الشعبية في كل مكان في المنطقة العربية وضعت – إلى حد كبير – النهاية لهذه الخطابات.
ويشير الكاتب إلى أن قيام الرئيس أوباما بزيارة السعودية فورا بعد وفاة الملك عبد الله أوضح كيفية استمرار واشنطن بالاعتماد على المصادر التقليدية – وهي أنظمة استبدادية – للاستقرار العربي. ومن جانبها، عملت السعودية على الالتحاق بالغرب في الحملة الدولية ضد تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) الإرهابي، كما حصل مع إيران، التي وقفت مع الغرب ضد الشيوعية في زمن الشاه.
ويؤكد الكاتب، أن الخطر يتمثل باستمرار استقرار الاستبداد في المنطقة العربية. ويمكن تشبيه ما يحصل من دعم الولايات المتحدة للملوك في السعودية في الوقت الحاضر مع ما قامت به الولايات المتحدة سابقا بدعمها للشاه. لذا، فإن الوقت سيأتي، وستدرك واشنطن خطأها في تقديمها الدعم بشكل منفرد إلى العائلة المالكة في السعودية كما حصل مع الشاه. وربما أكثر من ذلك، فشرعية الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، هي قضية أكثر مركزية مما كانت عليه الرأسمالية في نصف قرن الماضي في صراعها مع الشيوعية. ودوافع المتطرفين الإسلاميين هي المظالم ذاتها التي حركت غير المتطرفين للاحتجاج ضد الأنظمة الفاسـدة والهشة والضعيفة.
ويضيف الكاتب، أن إعلان قيام الخلافة من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية” وهم كبير – حتى لو فرض الحكم الطائفي من قبل الملايين من السُنة والشيعة – وقبلته الدولة التي تحكم باسم المبادئ الأكثر شمولية. وفي هذا الجانب المهم، كان الرئيس بوش على حق حتى إذا أخطأ في تقدير قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على معالجة المشكلة.
ويؤكد الكاتب، أنه من الواضح جدا أن إدارة الرئيس أوباما تذهب باتجاه نفش ريش السعودية كما فعلت ذلك الإدارات السابقة، ولكن الفوائد الفورية التي تحصل عليها السعودية – فيما يخص النفط والأمن والخطاب اللطيف – هي أكثر مما يقابله من أعمال الحكم الخبيث والقاسي للتيار الوهابي الذي يحكم السعودية باسم الملوك والقمع الوحشي الذي يخلق الادعاءات بأن الإسلام معاد للديمقراطية وحقوق الإنسان والتعبير عن الذات. ولنكُن أكثر وضوحا، فالسعودية هي مصدر للتطرف أكثر من كونها ضده.
ويؤكد الكاتب في ما يخص الإسلام المعتدل في بعض البلدان ومنها الإمارات العربية المتحدة، فهو يتمتع بجاذبية أكبر ومشروعيةأكثر. فشكل الحكم الإسلامي يظهر الجزر في الإمارات العربية المتحدة، إذ انتقلت الممارسات الدينية إلى الجانب الشخصي – كما يحصل ذلك في الغرب رغم الأخلاق العامة في قضايا تناول الكحول وما شابه ذلك – مما يجعلها تنسجم مع التعاليم الاسلامية السائدة. إن أي شخص يسافر بانتظام إلى إمارة أبي ظبي يدرك بأن هذا النظام – على الأقل عندما تعهد بجلب ملايين الدولارات من عوائد النفط – يعمل بشكل جيد باتجاه تحقيق الرفاهية للناس الذين يعيشون تحت حكمه. وربما هكذا نظام عمل بشكل جيد وقاد إلى دولة مزدهرة نسبيا ومتمدنة نسبيا في دول أخرى كما سوريا.
وعند المقارنة، يرى الكاتب أن هكذا نظام – أي النظام في الإمارات العربية المتحدة – لا يمكن أن يعمل في المناطق الأكثر فقرا وورعا كما هو الحال في مصر. ويشير شادي حامد في كتابه “إغراءات القوة” حول الإسلام السياسي، إلى أن المصريين أناس اتقياء ولا يمكن أن يقبلوا بأن تنتقل الممارسات الدينية إلى الفضاء الشخصي أو الجانب الشخصي. وهم يريدون العيش تحت حكم الشريعة رغم أنهم لا يتفقون معها في قرارة أنفسهم حول معناها ومضامينها كما يفعل مئات الملايين من الناس في العالمين العربي والإسلامي. وفي اللقاء الأخير، أكد حامد بأن الحركة الإسلامية الوحيدة التي حاولت استيعاب الدولة القومية هي جماعة الأخوان المسلمين، والتي ظهرت إلى حيز الوجود في عقد العشرينات من القرن الماضي، عندما اختفت الدولة العثمانية. الأخوان المسلمون – كما أوضح حامد في كتابه – ليس منظمة ليبرالية، لكنها تستند إلى تفاهم مع الديمقراطية، ويمكنها أيضا قبول نتائج الديمقراطية غير الإسلامية كما يفعل الإسلاميون في دول، مثل المغرب وتونس، والذين يسمحون بتناول الكحول مثلا أو ما شابه ذلك. وفوز الأخوان المسلمين في انتخابات عام 2012 في مصر، أعطى العالم العربي الفرصة الأكبر للتظاهر بأن الإسلام والديمقراطية منسجمان.
إلا أنه – وبفضل ضيق الأفق لحكومة الرئيس محمد مرسي، وكذلك التواطؤ الكبير بين الجيش والقضاء – أُطيح بحكومة مرسي بعد عام من تنصيبه، وهذا أحد الجروح الكبيرة في جسد ما سُمي بالربيع العربي. وحول مصر يتساءل الكاتب – كما هيمن الجيش على مرحلة الاستبداد العلماني – متى يضع الشعب المصري حدّاً للقمع الوحشي والركود الاقتصادي ؟، أم أن نظام السيسي غير مستمر بالأعمال الوحشية ويعمل على تقوية الاقتصاد ؟. رغم ذلك، أثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة للإسلاميين، أنه لا يوجد مكان لهم في النظام السياسي العربي.
وبهذا الصدد، يؤكد الكاتب أنه تم التعامل مع تدمير جماعة الأخوان المسلمين على أنه نجاح هائل في مصر والخليج العربي، ماعدا قطر، حيث يقوى فيها الأخوان المسلمون. ومع ذلك، فمن الصعب التفكير في أي شيء من شأنه تعزيز الشرعية طويلة الأمد للحكم العربي، وهي أكبر من كونها جزءًا لا يتجزأ من دور ديمقراطي للإسلاميين المعتدلين، وهذا هو عمق مصلحة الولايات المتحدة لتشجيع حلفائها العرب ليجدوا المكان المناسب لهكذا مجموعات، وبنفس الوقت هو تشجيع للديمقراطية نفسها. ويؤكد الكاتب أن هذا لن يحدث، إذ سأل مؤخرا مسؤولا كبيرا في الإدارة الأمريكية عما إذا كانت واشنطن قد تدفع الأنظمة في الشرق الأوسط لإلغاء حظر جماعة الأخوان بسبب كونها منظمة إرهابية ؟، وأجاب بـ ” لا ” قطعا.
وهنا يؤكد الكاتب أنه في هذه اللحظة على الأقل، هناك قضية وجودية واحدة، وهي: إن الشكل الوحيد المقبول للإسلام السياسي سيكون هو ذلك المطبق في الأنظمة الحاكمة نفسها.
وبالرجوع لحالة الصراع بين التطرف والاعتدال في المنطقة يؤكد الكاتب، أنه هذه الحرب في الحضارة المجاورة لمنطقتنا، ويرى القليل بأن الغرب يمكن أن يعزز شرعية الأنظمة العربية حتى لو أن تلك الأنظمة تضر بالمصالح الخاصة بهم على المدى الطويل.
فعل القليل لا يشبه عدم وجود فعل، إذ إن حرص اللاعبين الخارجيين على القيام بأي شيء – من دعم ومساعدات وغيرها – لتحصين شرعية الدول العربية، سيساعد على تقلب الموازين في الحرب داخل العالم الإسلامي، وهذا الدعم تضمن مساعدات اقتصادية هدفت إلى تحسين التعليم وقطاع الصحة العامة، أو تنظيم المشاريع، أو تحسين الوظائف للشباب، وهذا يجسد حقيقة بسيطة، أن الشباب من كلا الجنسين – والذين لديهم وظائف – سيكونون أقل غضبا من أن يكونوا بدون وظائف. كذلك تضمن ذلك، برامج تدريبية وتعليمية نظمتها مؤسسات مثل المعهد الديمقراطي الوطني (NDI). وفوق كل ذلك، فإن هذا النوع من الدبلوماسية التي قادت العراقيين إلى تغيير رئيس الوزراء الطائفي السابق نوري المالكي برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الأكثر شمولية.
الولايات المتحدة ليست قريبة من فصل نفسها عن المملكة العربية السعودية. حتى إدارة الرئيس أوباما لم تستعد لمعاقبة البحرين، الحليف البسيط الذي سحق وتصدى لأي أشارة أو تلميح أو نشاط من المعارضة السياسية. وبعد كل هذا، فإنها لن تجدي نفعا؛ فالبحرين فعلا، هي الفضاء الخارجي للسعودية التي أرسلت قواتها لخنق المعارضة السياسية هناك.
وبدأت الإدارة بتوجيه انتقاد حاد للمحاكمات الجماعية للمتظاهرين السلميين في مصر، ولكن بقت القاهرة الحليف المحوري للولايات المتحدة في مواجهة نشر الفوضى في المنطقة. وإذا استطاعت الولايات المتحدة والفاعلون الخارجيون الآخرون تغيير السرد والرواية الإسلامية وتحسين شرعية الدول العربية، فلا تبقى حاجة لاستخدام القوة العسكرية.
وهذا أيضا، سيثير مجموعة من الأسئلة الأساسية. ففي بداية الحرب الباردة، العديد من المستشارين العسكريين للرئيس ترومان جنبا إلى جنب مع المسؤولين السياسيين الكبار أكدوا على وجوب تعبئة شاملة لدحر المكاسب السوفيتية في أوروبا الشرقية. وعلى الرغم من ذلك، فقد اعتمد كل من الرئيس ترومان والرئيس دوايتايزنهاور سياسة محسوبة أكثر، أطلق عليها لاحقا “استراتيجية الاحتواء”.
وأعطى الإعدام العلني للرهائن الأمريكيين الرأي العام الأمريكي – المنهك واللا مبالي إلى حد كبير – الشهية للحرب الجوية في العراق وسوريا. وحتى الهجوم المتواضع على الأراضي الأمريكية، يمكن أن يكون عبر التصريحات بالانتقام. وأحد المشاكل في خطاب أو فكرة حرب الحضارات، هو الاستعداد للحرب الفعلية وليست المجازية.
وحاول الرئيس أوباما ضبط الاتصالات ومتابعتها ومراقبتها لتقصي الأعمال العدائية قبل وقوعها، ووافق على توجيه ضربات جوية لتنظيم “داعش” الإرهابي فقط بعد استبدال المالكي بالعبادي، وبعد أن قدم العراق محاولة جادة لإقامة سلطة سياسية وشرعية. وأعتقد أن ما قام به من ضربٍ لمعاقل التنظيم كان صحيحا.
وأما بخصوص سوريا، فيؤكد الكاتب أنه لا يستطيع تقييم سياسة أوباما في هذا البلد، إذ حصل أوباما قبل سنتين إلى ثلاث سنوات على فرصة لدعم المعارضة السورية، وإن كان – وعلى نطاق واسع – اشتراك تنظيم “الدولة الإسلامية” مع المعارضة في مواجهة نظام بشار الأسد القاتل. والآن، يأمل أوباما تدريب هؤلاء المعارضة – المنهكون حاليا – للقتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي بدلا من قتال نظام الأسد. وفي الوقتنفسه، أكد أوباما على أمله باحتواء وتفكك تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا بفعل الضربات الجوية، إلا أن تكون المعارضة على استعداد لقتال التنظيم أيضا. وربما في الحقيقة هو يتوقع ضعف البرنامج التدريبي، وربما ستكون سياسته قائمة على إحلال السلام مع الرئيس الأسد، على أمل تجنيده ضد تنظيم “داعش” الإرهابي. والأسد – على أي حال – ماكر حقيقي، فهو قد يكون مستعدا ليكون بجانب تنظيم “الدولة الإسلامية” طالما بقيت ضمن حدودها الحالية في شمال شرق سوريا، وهو قد يعتقد في الواقع أن هذا هو أفضل الخيارات السيئة.
لذلك، يؤكد الكاتب أن هذه الحرب ستكون حربا طويلة ليس فقط بيننا وبينهم، ولكن داخل العالم الإسلامي أيضا. والرئيس الأمريكي القادم ربما يكون محبّاً للقتال أو أكثر عدائية من الرئيس أوباما. والأمة الأمريكية قد يصيبها الضجر من الصبر على مخاطر المزيد من الهجمات التي قد يشنها تنظيم القاعدة أو تنظيم “الدولة الإسلامية” التوسعية. وهنا قد تبدو سياسة الاحتواء على أنها تهدئة. ولكن في هذا الاعتبار على الأقل، ستكون استعارة تجربة الحرب الباردة هي الصحيحة، فالأمريكان سيتعلمون احتواء العدو الذي لا يمكن تدميره ولا تحويله لخدمة مصالحهم، وسيكون ذلك الاختبار العظيم للأمة الأمريكية.