الكاتبان : لارا جاكز، كاتي برانين
ترجمة وعرض : د. حسين أحمد دخيل السرحان
يُنظر إلى معركة تكريت – وعلى نطاق واسع – على أنها تهيئة الظروف إلى الهجوم القادم على مدينة الموصل في شمال العراق
وهي معقل لتنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) وعاصمة “دولة الخلافة”. وتستعد “الميليشيات” الشيعية بالفعل إلى تلك المعركة. وبعض المقاتلين والقادة العراقيين يحتاجون إلى القوة الجوية في تكريت على الرغم من أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين قالوا بأنه لا توجد – في الوقت الحاضر – خطط للبنتاغون لزيادة فعالية الضربات الجوية الأمريكية؛ نظرا لتردد واشنطن المعلن لمساعدة القوات المدعومة من قبل إيران كما تدعي ذلك واشنطن.
إن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت المقعد الخلفي بعد الفصائل الشيعية والقادة الإيرانيين في معركة تحرير تكريت من عناصر تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”). والسؤال هنا: هل سيجعل ذلك واشنطن غير ذات جدوى أو ليس لها دور في تقدم القوات العراقية إلى الأمام؟، في إشارة من الكاتبين إلى قرار بغداد في تحرير صلاح الدين.
يشير الكاتبان إلى أن القوات الخاصة الإيرانية وبدعم من الفصائل الشيعية العراقية استعدتا لإنهاء وجود تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) وطردها خارج مدينة تكريت التي ولد فيها الرئيس السابق صدام حسين بأقرب وقت ممكن، وسيكون هذا أول انتصار لبغداد والقوات العراقية على التنظيم المتشدد بدون أي تدخل مباشر للقوات الأمريكية على الإطلاق.
ويرى الكاتبان أن الضربات الجوية الأمريكية القاتلة ما تزال حيوية لتحويل مسار المتطرفين في غرب وشمال العراق، كما أنها كشفت الطريق للقوات العراقية للتحرك في المناطق الأخرى. ولكن هناك حقيقة بديهية بين دول وأمم الشرق الأوسط، وهي أن ساحة المعركة تشجع على انبثاق دور أكبر للطرف الأقوى في الميدان، ويشيران بذلك إلى الدور المتصاعد لإيران.
ويؤكد الكاتبان أن هذا الدور غير مريح ومقلق بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين والعراقيين وهم يشاهدون إيران تفعل شيئا كبيرا. وكانت إدارة أوباما غير مستعدة لإرسال جنود للقتال في مدينة عراقية كبيرة (صلاح الدين) ضد تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) على أرض الواقع. والقوات الأمنية العراقية – المكونة من الشيعة وأبناء العشائر – تقاتل في تكريت أيضا، ولكن بأعداد أقل بكثير. والطائرات الحربية الأمريكية – على الأقل حتى الآن – لم تقم بغارات جوية لدعم الهجوم البري في المدينة التي يهيمن عليها الغالبية السنية.
وينظر إلى معركة تكريت – وعلى نطاق واسع – على أنها تهيئة الظروف إلى الهجوم القادم على مدينة الموصل في شمال العراق وهي معقل لتنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) وعاصمة “دولة الخلافة”. وتستعد “الميليشيات” الشيعية بالفعل إلى تلك المعركة. وبعض المقاتلين والقادة العراقيين يحتاجون القوة الجوية في تكريت على الرغم من أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين قالوا بأنه لا توجد – في الوقت الحاضر – خطط للبنتاغون لزيادة فعالية الضربات الجوية الأمريكية؛ نظرا لتردد واشنطن المعلن لمساعدة القوات المدعومة من قبل إيران كما تدعي ذلك واشنطن.
وهناك – مع ذلك – سابقة: في الصيف الماضي ساعدت الضربات الجوية الأمريكية في دحر هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية” وحصارها لمدينة آمرلي، وهي المعركة التي ضمت جنود عراقيين وقوات من الأكراد فضلا عن “الميليشيات الشيعية” التي تقودها إيران. وفي الكونغرس، فإن المشرعين من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) يشعرون بالقلق؛ لأن البيت الأبيض يقوم فعلا بالكثير لتمكين إيران. ويقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكرفي جلسة الاستماع التي حضرها أمام الكونغرس “نحن جعلنا العراق مكانا أفضل بالنسبة لإيران”.
ويضيف الكاتبان، أن نتائج الحرب البرية في محافظة صلاح الدين سيكون لها صدى في وضع السياسة العراقية حتى لو كانت الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد تأمل أن تبقى على مقربة لكل من واشنطن وطهران.
وأخبر السفير العراقي في واشنطن السيد لقمان الفيلي مؤسسة الفورن بوليسي (Foreign Policy) بأن “الديناميكيات الفورية تأثرت كثيرا”، وأضاف “لكننا نتوقع وجود علاقة قوية مع جميع الحلفاء في حربنا ضد تنظيم (الدولة الإسلامية الإرهابي “داعش”) بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران”.
في الأيام الأخيرة، اعترف مسؤولون أمريكيون على مضض بمساعدة إيران للولايات المتحدة في هزيمة تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”). فواشنطن متمسكة بعدم التنسيق أو العمل مباشرة مع طهران في قتال تنظيم “داعش” الإرهابي، وفي الوقتنفسه توافق واشنطن على جهودها جنبا إلى جنب مع جهود إيران في قتال التنظيم المذكور.
ومع ذلك، فالمسؤولون الأمريكيون قلقوا بشأن ما أكد عليه رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في الأسبوع الماضي، واصفا إمكانية تحقق السيناريو: استيلاء الميليشيات الشيعية على المناطق السنية التي تحررت، وهذا بدوره يضع أسس حرب أهلية جديدة.
وأخبر الجنرال ديمبسي لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في الكونغرس “نحن جميعنا قلقون بشأن ما سيحدث بعد توقف الطبول والاقتتال وهزم تنظيم “داعش”، وعما إذا كانت الحكومة العراقية ستستمر بكونها حكومة شاملة لكافة المكونات المختلفة داخل المجتمع أم لا ؟”.
يوم الأحد الماضي 15/3/2015، اتهم الأميرال المتقاعد مايك مولننظام الملالي الشيعي في إيران بتأجيج الإرهاب في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط ومساعدة المليشيات الشيعية في قتل أعداد كبيرة من القوات الأمريكية في العراق بعد الغزو إلى وقت الانسحاب.
ويضيف الكاتبان أن الأميرال مولن أخبر وكالة أن بي سي NBC الأخبارية “إننا نعمل معا حتى الآن بطريقة بناءة للقضاء على التهديد رقم 1 في العراق. وأنا لا أعتقد أن ذلك سيفتح الباب لقبول من فعل ذلك في الماضي”. ولا يبدو أن بغداد تراعي – أو على الأقل تحاول – استرضاء واشنطن في وقت مايزال الاعتماد على مساعدة طهران مستمر في القتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
وبينما زودت إدارة أوباما العراق بالأسلحة والمعدات، متضمنة: البنادق، والذخيرة، وصواريخ الهيل فاير، والدروع الواقية للبدن، والعربات المدرعة، إلا أن بغداد تشكك في بعض الأحيان في تحرك الولايات المتحدة البطيء جدا في تزويدها بشحنات الأسلحة وتدريب القوات العراقية. ويعتقد خبراء أن رئيس الوزراء حيدر العبادي قلق من أن تردد الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم “داعش” في سوريا سينعكس سلبا على العراق والوضع الأمني العراقي.
وفي الآونة الأخيرة أغضب البنتاغون القادة العراقيين بإخباره الصحفيين أن القوات العسكرية الأمريكية تتوقع أن تطلق بغداد عمليات تحرير الموصل في نيسان أو أيار المقبلين، وستضم الحملة العسكرية ما يقارب 25000 من القوات العراقية والمقاتلين الأكراد وبدعم من الضربات الجوية الأمريكية. في حين أن العراقيين دفعوا باتجاه أن الموضوع متروك للحكومة العراقية التي تقرر متى سيبدأ الهجوم وليس الولايات المتحدة. وكشفت الولايات المتحدة تفاصيل حول موضوعة الموصل وردة الفعل التي ربما تفتح الباب لمشاركة أوسع من قبل الميليشيات الشيعية وإيران.
ومع ذلك يحاول العبادي تحقيق توازن بين الحليفين الأقوى للعراق من دون إغضاب أي منهما. وأشاد السيد لقمان الفيلي بالمساعدات الأمريكية، والمتضمنة ما يقارب 1500 غارة جوية منذ الصيف الماضي كتغيير في قواعد اللعبة في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. وعلى النقيض من ذلك، قال “إنه يوجد أقل من 100 إيراني حاليا يقاتلون في العراق والذي ينبغي أن لا أقول الكثير عن مشاركتهم”، فضلا عن قائد القوة الإيرانية في العراق الجنرال قاسم سليماني، قائد قوات النخبة (فيلق القدس) الذي يدخل إلى أرض المعركة ويخرج منها ويلتقط الصور مع الجنود (سيلفي) ويسطر الانتصارات وكأنه يعزز نهجه الطائفي.
ومع وجود الجنرال سليماني في القيادة، فربما لا تحتاج إيران إلى أعداد متزايدة من المقاتلين الإيرانيين على الأرض، على الأقل في التصور العام للقوة. وقال سفير العراق السابق في الأمم المتحدة وواشنطن سمير الصميدعي “إنه وبينما ينظر – وعلى نطاق واسع – إلى التفوق الأمريكي على الأجواء، إلا أن الإيرانيين يسيطرون على الأرض في العراق، وستحصل إدارة الرئيس باراك أوباما على دور أكبر على الأرض إذا أرادت التغلب على التأثير أو النفوذ المتزايد لطهران في العراق”.
كما وأخبر الصميدعي مجلة الفورن بوليسي (Foreign Policy) بـ”أن هذا الموضوع يعتمد على درجة إرادة الولايات المتحدة على منع أو تقليل الهيمنة الإيرانية على مستقبل العراق”.
ويؤكد الكاتبان أن إدارة الرئيس أوباما أكثر تركيزا على ما يصفه المسؤولون الأمريكيون باللعبة الطويلة،وهي التأكد من أن المتطرفين لا يعودون إلى نشاطهم بعد المعركة التي انتصروا فيها. ويسعى البيت الأبيض إلى ما وصفه وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارترفي الشهر الماضي، وهو “الهزيمة الدائمة” لتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي.
حتى الآن، القوات الأمريكية دربت الآلاف من القوات العراقية لتأمين أجزاء من العراق – متضمنة تكريت وأجزاء من غرب محافظة الأنبار – لتندفع الحرب باتجاه شمال العراق إلى محافظة الموصل. ويعول البيت الأبيض أيضا على بغداد لإنشاء قوات عراقية خاصة بكل محافظة تكون قريبة من ساحة الأحداث، وهي أقرب إلى ما يسمى بالحرس الوطني الذي يديره المسؤولون المحليون بدلاً من الحكومة المركزية. هذا المشروع تعثر في البرلمان العراقي. وسينصب التركيز على تفاقم أو تهدئة التوترات الطائفية بين الأغلبية الشيعية والأقلية من السكان، وهم الأكراد والسُنة.
وقال مسؤول في إدارة الرئيس أوباما والذي لم يكن مخولا بمناقشة هذا الموضوع: “كيف يمكن غربلة هذه الأفكار وجعلها أكثر حيوية للمناقشة وبطرق عديدة. إن إيران لديها بالتأكيد بعض التأثير والنفوذ على تلك المناقشة، وهو ما نتطلع إليه كما يفعل الآخرون”.
وقال مسؤول أمريكي “أعتقد أن هناك دول تهدف إلى وضع حدود لما يعرف بالنفوذ الإيراني فضلاً عنا”، وأضاف: “إننا ندرك ذلك جيدا”.
ومع ذلك، يؤكد الكاتبان أن الدعم العسكري الإيراني المقدم إلى العراق يطرح مشاكل حقيقية لتحالف أكثر من 60 دولة، والذي حشدت له الولايات المتحدة للمساعدة في هزيمة تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”). إن التحالف يعتمد – إلى حد كبير – على مشاركة الحلفاء العرب السنة في المنطقة – مثل السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة – الذين قاموا بغارات جوية، وقاموا بالتدريب والإصلاحات المحلية لمنع المقاتلين الأجانب ومنع التمويل من أن يصل إلى المتطرفين في سوريا والعراق.
ويضيف الكاتبان، أن الدور الإيراني أفزع المسؤولين الأوروبيينأيضا. وفي مؤتمر صحفي صغير للصحفيين في واشنطن، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير: “إن هزيمة تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) سيتحقق إذا اهتمت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة في بغداد بمطالب المكون السني للحصول على حصة مناسبة في الوظائف ودور أكبر في إدارة السلطة ومنعهم من التقرب من المتطرفين”.
وعلى الرغم من أنه لدى شتاينمايرمؤشرات بأن العملية جارية بإشراك السُنة في إدارة السلطة والحصول على وظائف، إلا أنه حذر من “أن السُنة قد يقاومون الفصائل الشيعية والقوات الإيرانية التي ترسخ الانطباع والإدراك بأن الجيش العراقي المهيمن عليه من قبل الشيعة سيعيد استقرار النفوذ الشيعي”.
ويؤكد الكاتبان، أن الأولوية للولايات المتحدة في العراق هي هزيمة تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”)، والتعامل فيما بعد مع النفوذ الإيراني المتزايد في بغداد. وقال جون آلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن: “إن المفاضلة بين الهدفين (إنهاء “داعش”، والتعامل مع النفوذ الإيراني) يحمل عواقب كبيرة على المدى الطويل، وإن هذه المفاضلة غير واضحة”، وأضاف ايضا: إن معركة تحرير محافظة صلاح الدين أرسلت رسالة إلى العراقيين حول قدرتهم في الانتصار وإنهاء التنظيم مع أو بدون دعم الولايات المتحدة”.
أما سفير العراق السابق في واشنطن سمير الصميدعي، فقد جعل الموضوع أكثر وضوحا إذ قال “إن النتيجة الصافية إذا هُزم تنظيم “داعش”، فالهزيمة ستقيد لصالح القوات البرية العراقية، وإنهم سيدّعون أنهم هم من حقق النصر وليس القوات الأمريكية، ومن ثم لا يمكن للولايات المتحدة أن ترقص رقصة النصر”.
http://foreignpolicy.com/2015/03/16/how-to-win-friends-and-influence-iraqis/