ميثاق مناحي
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
نيسان / 2015
إن ما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط في ظلّ غياب الرؤى الاستراتيجية المشتركة
سواء من جانب الدول العربية أم من جانب المجتمع الدولي يثير قلق المراقبين في داخل العراق وخارجه، ومثال على ذلك الأزمة السورية التي أدخلت العالم العربي والمنطقة في صراعات طائفية وأزمات سياسية أشعلتها برمتها، وأخذت تداعياتها السياسية تنعكس سلباً على المنطقة العربية ولا سيما العراق الذي يعد الخاسر الأكبر من تلك الأزمة في ظل سيطرة المتطرفين والتنظيمات الإرهابية على أجزاء كبيرة من سوريا، مما تسبب بخسارة العراق لمحافظة الموصل بعد سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي عليها منذ حزيران الماضي من العام 2014، كما أن هشاشة الحدود بين الدولتين وفرت ممرات آمنة لتلك التنظيمات المتطرفة، تمر من خلالها كل أشكال التنظيمات الإرهابية المهددة لوحدة وسيادة هذا البلد.
كذلك بروز أزمة اليمن بعد سيطرة جماعة “أنصار الله الحوثي” على السلطة في اليمن وتدخل المملكة العربية السعودية العسكري عن طريق الضربات الجوية بما يسمى “عاصفة الحزم” بالاشتراك مع دول عربية مثل: “الامارات, مصر, قطر, البحرين، والكويت وغيرها من الدول العربية”. كل هذه الأحداث الساخنة حركت مشاعر الزعامة في دول المنطقة وفقا لخلفيات طائفية ومطامع سياسية استراتيجية متقاطعة. فتركيا تحلم في استعادة السيطرة على المنطقة العربية لتبدو بأنها حامية وراعية لمشروع الإسلام السني وفق التصور العثماني، وإيران تسعى لتأسيس امبراطورية الطوق الشيعي في المنطقة العربية عبر دعمها لقضايا الشيعة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين. ولكن المشروع الإيراني يبدو أقل تطرفا من المشروع التركي، ولا سيما إذا ما عرفنا بأن إيران لم تدعم الجماعات أو الفصائل الشيعية فقط في المنطقة، بل دعمت أيضاً منظمة “حماس” الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، ومشروعها السياسي يبدو تحدياً حقيقياً للمشروع الإسرائيلي والحركات المتطرفة على غرار تنظيمي “داعش والقاعدة”. وبين هذين المشروعين وحلم تزعمهما للمنطقة ما زال كل من العراق وسوريا واليمن وبلدان أخرى تدفع الثمن، وسيزداد الوضع سوءا في المستقبل المنظور. ونتيجة لهذين المشروعين، بدأت دول المنطقة تبدو وكأنها اليوم عرفت مفهوم الدولة القومية، لتتصارع من أجل إثبات وجودها، في الوقت الذي أصبحت فيه الهيمنة والحروب بين المجتمعات المتقدمة منبوذة وغير محبذة. فالعولمة بأشكالها المختلفة والقوة الناعمة باتتا من أبرز أساليب الهيمنة في عالمنا المعاصر، حتى أن الحروب والهيمنة أصبحتا تداران بوسائل ثقافية ناعمة, تاركة حروب القرون الوسطى الطائفية وحروب الاستعمار التي سادت العالم في بدايات القرن العشرين وحلم الامبراطوريات إلى دول العالم الثالث التي ما زالت تعاني من تخلفها وتطرفها الفكري والمؤسساتي. فالحرب أصبحت أداة قديمة نبذتها الدول المتقدمة في ظل الاعتماد المتبادل والعيش المشترك، واجدة بذلك وسائل ومؤسسات اقتصادية وأمنية وسياسية مشتركة، وقد أخذت هذه الدول ترّسخ مفهوم المواطنة العالمية في الوقت الذي ما نزال نحن نبحث عن هويتنا ومواطنتنا في أوطاننا. وحتى أصحاب النظرية الواقعية – وهي من النظريات المتشائمة، والتي تعد القوة العسكرية أداتها الأساسية – اختلفت أطروحتهم بعد نهاية الحرب الباردة بخصوص الحرب والقوة العسكرية، حيث يدعي كل من “روبرت جيرفس، وجاك سنايدر“، وهما من رواد الواقعية الدفاعية “أن قادة الدول بدأوا يفهمون بأن تكاليف الحرب أصبحت بوضوح أكبر من فوائدها، وأن استخدام القوة العسكرية من أجل الغزو والتوسع عبارة عن استراتيجية أمنية يرفضها الكثير من القادة في هذا العصر، الذي يمتاز بالاعتماد المتبادل المعقد والعولمة. الحرب بقيت كأداة لفن الحكم عند قليل من القادة. في الوقت نفسه، فإن أغلب الحروب ينظر إليها من قبل المواطنين والقادة وكأنها ناتجة عن القوة اللاعقلانية”، وأن الحرب يمكن تفاديها من خلال إيجاد المؤسسات الأمنية التي تقوم بدورها بالحسر التدريجي للمأزق الأمني وتوفير أمن متبادل للدول المشاركة في تلك المؤسسات. فمتى تفهم الدول العربية أو الإسلامية ذلك، وتعمل على إيجاد مؤسسات أمنية واقتصادية مشتركة بدلا من التشجيع على التطرف والطائفية ودعم المتطرفين؟.
تركيا التي نزعت أقنعتها الديمقراطية ولبست ثوب الطائفية السياسية بعد أن وقفت سنين طوال على أبواب أوربا راغبة بالسماح لها بالانضمام الى الاتحاد الأوربي، وبعد أن أغلقت كل الأبواب بوجهها اتجهت إلى المنطقة العربية والعالم الإسلامي لاستعادة الحلم العثماني في السيطرة على المنطقة بدوافع طائفية، مدعية بأنها الحامية للمكون السني في المنطقة والحافظة لحقوقهم, والمواجهة للمشروع الإيراني المهدد لأمن المنطقة العربية والشرق الأوسط حسب زعمها، وهذا ما أعلن عنه الرئيس “أردوغان” بأن تركيا لن تسمح لإيران بالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط, حيث دعاها – أي إيران – إلى الكف عن التدخل في شؤون الدول المجاورة, وقال: “إن محاولات طهران للهيمنة على المنطقة تزعج أنقرة والدول العربية”, لكن أردوغان لم يرد التطرق إلى ما يبدو قيادة سعودية للعالم السني. هو يريد إمساك العصا من المنتصف الآن بين الرياض وطهران بانتظار نتائج ما يجري في اليمن وكذلك الاتفاق الإيراني مع الغرب. وبين المشروعين التركي – الإيراني، مرورا بالسعودية، يبدو أن المنطقة العربية ستدخل في صراعات طائفية وسياسية، مما يزيد الوضع سوءا، وهذا من جهة. ومن جهة ثانية، هناك تحديات كبيرة أمام هذين المشروعين, فعلى سبيل المثال: هناك الدول العربية وأمريكا وإسرائيل فضلا عن بعض الدول الإسلامية والمجتمع الدولي وأروبا تقف بوجه المشروع الإيراني. بالمقابل أيضا، هناك تحديات كبيرة تقف أمام المشروع التركي, ولذلك فإن الصراع بينهم ربما سيؤدي إلى تحالفات وتحالفات مضادة بدوافع طائفية، مما ينعكس سلبا على المنطقة وعلى الصعيد الداخلي للدول, ولا سيما دولة مثل العراق. فضلا عن تلك التحديات التي تمثل في الوقت نفسه تحديا للعراق والحكومة العراقية وهو ما نسميه “حلم الزعامة في المنطقة”, فالحكومة العراقية لا تريد أن تخسر أي طرف من تلك الأطراف، سواء “أميركا, أم الدول العربية أم الإقليمية, زيادة على أوربا والمجتمع الدولي”. فالعراق مجبر على توحيد الخطاب السياسي، بدءا من الحكومة إلى وزارة الخارجية العراقية والكتل السياسية بخصوص تلك الأزمات المفتعلة لصالح المرتبطين بحلم الزعامة. فتداعيات الأزمة اليمنية، ومن قبلها الأزمة السورية تحتاج إلى حكمة وحنكة سياسية لكي لا تلقي بضلالها على الداخل العراقي. فما يعنينا هو توحيد الصف الداخلي، والتفاعل الإيجابي وفق مفهوم المصلحة الوطنية والأمن القومي العراقي بما فيه أمن المواطن العراقي، ونبذ التطرف والطائفية؛ لأن البديل هو ضياع العراق وتلاشي مفهوم المصلحة الوطنية ومفهوم الوطن والمواطنة بين تلك المشاريع والأزمات التي تهدف إلى تمزيق وحدة الصف العراقي, والتي تريد من العراق أن لا يتعافى ويبقى في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. وخلاصة الكلام: ما نريده اليوم هو توحيد الخطاب والكلمة اتجاه أزمات المنطقة العربية من منطلق المشروع الوطني العراقي والمصلحة الوطنية, وأن تكون وزارة الخارجية العراقية هي المعنية اتجاه تلك الأحداث الخارجية, لكي يكون هناك خطاب رسمي واحد، وينبغي أن يكون الدعم الدولي للعراق في مواجهة الإرهاب في الإطار الحكومي الرسمي.
ختاماً، يمكن القول بأنه في ظلّ الأزمات ومشاريع الزعامة في المنطقة, فإن الحاجة ماسة لإيجاد المشروع الوطني العراقي، لكي يقابل تلك المشاريع، منطلقا من وحدة الحكومة والشعب العراقي, وإنهاء كل الخلافات بين الأحزاب والكتل السياسية، والمصالحة الحقيقية بين الأطراف السياسية وبين الحكومة والشعب، منبثقا من الاستجابة الفعلية لمطالب جميع الأطراف، مع مراعاة القانون والدستور ومفهوم الشراكة الحقيقة والاتفاق السياسي, وتوحيد الهدف الخارجي مع الاتفاق السياسي الداخلي بخصوص كل النقاط الخلافية.