انتوني كوردسمان، بمساعدة: مايكل بيكوك
إعداد وعرض: حسين باسم عبد الأمير
لقد تغير التوازن الأمني في الخليج جذريا في خصائصه على مدار العقد المنصرم. وإن هذا التغير في التوازن
الأمني يعكس حقيقة مفادها أن أسباب الصراع قد تغيرت جذريا
أعد الباحثان انتوني كوردسمان، وساعده مايكل بيكوك دراسة جديدة تم نشرها في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تحت عنوان “التوازن الأمني المتغير في الخليج”وهي متاحة على موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الإلكتروني. وتدور حول “توازن القوى التقليدية، الحرب غير المتكافئة، القوى الصاروخية والقوى النووية، وكذلك القوات شبه العسكرية وغير الحكومية في منطقة الخليج”.
وتربو الدراسة على أكثر من 300 صفحة، كما وتتضمن أكثر من 150 رسما بيانيا وجداول وخرائط تفصيلية. إن الدراسة تحاكي الواقع وتؤكد أن التوازن الأمني في الخليج قد تغير جذريا في خصائصه على مدار العقد المنصرم. فما كان في المقام الأول توازن عسكري تقليدي، تشكل – إلى حد كبير – نتيجة للتهديدات التي انبثقت من أطراف حكومية مثل إيران والعراق، قد تغير إلى مزيج معقد من القدرات التقليدية، وقدرات الحرب غير النظامية أو غير المتماثلة، وقدرات صاروخية، وأخرى نووية محتملة، وتمرد وصراعات داخلية أو حركات إرهابية متطرفة، وأيضا تهديدات أمنية داخلية.
في الواقع، إن تحليل التوازن الأمني يعكس حقيقة مفادها أن أسباب الصراع قد تغيرت جذريا لتنطوي على التطرف الديني العنيف، والتوترات الطائفية والعرقية، فضلا عن الاضطرابات السياسية والعنف الناجم عن مشاكل في الحكم، والاقتصاد، والاستقرار الداخلي.
وهكذا يستطرد الباحث في دراسته حول التوازن الأمني المتغير في الخليج والتهديدات الإقليمية ويقول: إن التوترات بين إيران ودول الخليج العربية ما تزال تهيمن على التوازن العسكري التقليدي في المنطقة، ولكن النتيجة النهائية هي أوسع بكثير وأكثر تعقيدا من مجرد توازن أمني، إذ إن سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية جعل إسرائيل تساهم بدور نشط في التوازن العسكري الخليجي، على الأقل بقدر ما لها من ترسانة نووية وصاروخية. لقد حافظت الولايات المتحدة وضاعفت التزاماتها تجاه الدول العربية في الخليج، وتترأس حاليا تحالفا يسعى إلى تفكيك وتدمير جهود الأطراف غير الحكومية الجديدة مثل “الدولة الإسلامية”، الهادفة إلى إنشاء “الخلافة” في سوريا والعراق.
وفي السياق ذاته، يستمر الباحث بالقول: يجب على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وعمان وقطر والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية – وكذلك الدول المحيطة بها – مصر وإسرائيل وإيران والعراق والأردن ولبنان وسوريا واليمن – أن تتعامل الآن مع المشاكل والتهديدات التي تسير إلى ما هو أبعد من الصراع العسكري التقليدي. ففي الواقع، لعبت ثلاث قوى في السابق دورا رئيسا في تشكيل التوازن التقليدي -العراق وسوريا واليمن – فيجب عليها الآن التعامل مع الصراعات الأهلية وقتال التحول الممتزج مع الأطراف غير الحكومية التي تجعلها عاجزة عن تقويم قواتها التقليدية لتكون على شكل قوة قتالية متماسكة.
ثم يعود الباحث ليقول: لا يمكن التكهن بالسيناريوهات المحتملة، كما وعلى الأرجح لا يمكن استخدام العناصر الأساسية للقوة. لقد أظهرت “الدولة الإسلامية” أن الأطراف غير الحكومية يمكن لها أن تتطور بسرعة من حركات متطرفة صغيرة نسبيا إلى ما يشبه الدول، بينما مارست الحكومة العراقية نمطا خاطئا للقيادة وكانت عاجزة عن تحويل القوات العسكرية النظامية إلى أكثر من مجرد “واجهة” وإهمال قوتها وعددها ومعداتها وتجهيزاتها وتدريبها النموذجي. في الواقع، إن الدولة الإسلامية تمتلك حضورا كبيرا في كل من العراق وسوريا، فضلا عن تحول دور الأقليات الكردية في العراق وسوريا وتركيا، مما جعل من الصعب تحديد الخطوط الجغرافية لتقييم التوازن في الخليج.
إن تدفق المتطوعين والمال الخارجي للجماعات المتطرفة، وتنامي دور الجهات الحكومية في دعم مختلف الميليشيات والجماعات المتطرفة والمتمردين، كالجهات الفاعلة الشيعية مثل تنظيم فيلق القدس الإيراني، وحزب الله، والميليشيات الشيعية، تمثل أحد عناصر هذه التغيرات. فضلا عما ذكرناه من عناصر، فإن هناك مجموعة أخرى منها متمثلة بالسنة “الجهاديين”، مثل “الدولة الإسلامية”، و كتائب جبهة النصرة – التي تتقاتل أيضا مع بعضها البعض – وهي تلعب دورا متزايدا. وبالمثل تفعل الجماعات العرقية غير العربية، مثل الأكراد العراقيين والسوريين والأتراك. في المقابل فإن الأقليات – الإسلامية وغيرها – أصبحت – على نحو متزايد – أهدافا للفاعلين غير الحكوميين.
كما ويعرج الباحث على الجانب المدني من التطورات في المنطقة أيضا، ويقول بأنه أصبح عاملا حاسما في تغيير التوازن الأمني. فقد أكدت الاضطرابات السياسية منذ العام 2011 التحذيرات طويلة الأمد في تقارير التنمية العربية بأن النمو السكاني والحكم الفاسد والضعيف وسوء التنمية الاقتصادية والعراقيل الكبيرة في التدرج الوظيفي إلى أي شخص من السكان يؤدي إلى أزمة بنيوية مع انفجار محتمل يؤثر على الأمن الداخلي.
هذه القوى نفسها تتفاعل مع اتجاهات التحضر المفرط، والتحولات الهائلة في وسائل الإعلام والاتصالات. كما وأن فشل العلمانية ساعد في تمكين ظهور توترات طائفية وعرقية وإقليمية وقبلية جديدة، وأعطى قوة وزخما لكل من الانقسامات المتزايدة بين السنة والشيعة والطوائف الأخرى والتطرف الديني المسلح. التهديد من الداخل غالبا ما يكون أكثر أهمية من التهديد من الخارج، فضلا عن تنامي تأثير الإرهاب الدولي، والصلات بين الأطراف غير الحكومية، وتدخل الدول في شؤون الدول الأخرى بواسطة جماعات مثل فيلق القدس الإيراني، كلها تجعل مسألة التمييز بين الأمن الداخلي والخارجي وصيانتهما غير مؤكد في أحسن الأحوال.
وقد كانت لهذه التغيرات في المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط آثار عميقة على العلاقات بين الخليج ودول الشرق الأوسط الأخرى، والقوى الخارجية. كما وينطبق هذا على العلاقة بين الدول العربية في مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة بالتأكيد.
فمن ناحية، هذه التغيّرات قد أدت إلى نشوء مجموعة جديدة من الأسباب للتعاون العسكري، مثل التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في مهاجمة “الدولة الإسلامية” وكذلك التعاون الأمريكي – السعودي من أجل التعامل مع عدم الاستقرار المتزايد في اليمن. ومن ناحية أخرى، غالبا ما تختلف الولايات المتحدة مع كل دولة منفردة في مجلس التعاون الخليجي إزاء الكيفية في التعامل مع الاضطرابات السياسية التي حدثت منذ عام 2011، وخاصة في دول مثل البحرين ومصر، وكيفية التعامل مع التوترات الداخلية والقتال في سوريا والعراق، والآثار المترتبة على المفاوضات فيما بين الولايات المتحدة وإيران حول برنامجها النووي، وتركيز الولايات المتحدة الاستراتيجي على “محور آسيا” والاعتماد الذاتي الأمريكي المتزايد على احتياطيات البترول المحلية. دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة الأمنية أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فالعديد منها سألت الولايات المتحدة حول الالتزامات الأمنية.
وفي الوقت ذاته، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مشاكل مشابهة إلى حد ما على الصعيد الداخلي. إنهم بحاجة إلى التعاون والتكامل والتوافق أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، فإن التوترات بين الدول الأعضاء ما تزال موجودة، كما وتوجد مشاكل جادة تعيق التحرك إلى الأمام، وحتى الآن تتركز الحاجة إلى إيجاد مجلس تعاون خليجي فعال أكثر من ذي قبل. وقد اعترف البعض في قمة مجلس التعاون الخليجي الـ 35، التي انعقدت في ديسمبر كانون الأول عام 2014 إلى الحاجة للتغيير، والدعوة إلى بذل المزيد من الجهود الموحدة، والاندماج في إنشاء قوة بحرية وشرطة إقليمية. وقد ذكرت القمة حاجة استخدام قوات الشرطة لأغراض مكافحة الإرهاب في دول مجلس التعاون الخليجي لمعالجة التهديدات التي تواجهها جميع الدول الأعضاء. في حين نشأت قوة بحرية مشتركة من دون تفسير معلن، بيد أنه من الواضح أن هذه القوة البحرية أنشأت لتكون بمثابة رادع عسكري ضد زيادة التدخل الإيراني في الخليج. وهكذا فإن دول الخليج – وكذلك الدول الإقليمية الأخرى فضلا عن الولايات المتحدة – بدأت للتو في الاستجابة للتغيرات الجوهرية في التوازن الأمني.