ميثاق مناحي العيساوي
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
نيسان / 2015
طل علينا الكونغرس الأمريكي الأربعاء الماضي بمشروع قرار مثير تقدم به أحد النواب الجمهوريين ينص على
“أن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، تصوّت الأربعاء، على قانون يتعامل مع “البيشمركة” و”الفصائل السنية” كقوتين مستقلتين.وتزامنا مع ذلك، تصاعدت الدعوات من سياسيين وناشطين وإعلاميين، إلى الحكومة العراقية بالتحرك لإيقاف “تصويت مجلس النواب الأمريكي على قانون يتعامل مع السنة والبيشمركة كـ(بلدين)”. وفعلاً كان هناك موقف حكومي رافض. ويعد هذا المشروع هو أحياء لخطط نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تقسيم العراق. وقد أكد جو بايدن في حزيران 2013، على أن إنشاء الأقاليم الثلاثة (الإقليم الشيعي والإقليم السني والإقليم الكردي) بات خياراً “ملحاً وضرورياً” لاحتواء الأزمة في العراق. إلا أن تقديم هذا المشروع بهذا الوقت ينذر بمشكلة خطيرة وكبيرة ويحمل في ثناياه تداعيات استراتيجية وسياسية وطائفية ستكون نتائجها وخيمة على العراق والمنطقة.
يتضمن مشروع القانون منح مساعدات إلى بغداد بقيمة 715 مليون دولار لتطوير القوات العراقية لمحاربة تنظيم “داعش” ويوصي بالتعامل مع قوات “البيشمركة” والفصائل “السنية” المسلحة في العراق كقوتين منفصلتين من أجل “توازن القوى” أمام الكمّ الهائل من الجماعات المسلحة “الشيعية”، على حد تعبير المشروع الأمريكي. وهذا يؤدي بالتأكيد إلى أن تمنح الولايات المتحدة مجالاً واسعاً في تجنب التعامل مع الحكومة العراقية وتوجيه الدعم مباشرة إلى “السنة” و”الكرد” وتدريب قواتهم على يد القوات الأمريكية؛ لأن الحكومة العراقية رفضته سابقاً. وتشير بعض التقارير إلى أن هذا القانون يضم في ثناياه إنهاء الدعم للجماعات الشيعية المسلحة, ودعوة المقاتلين الشيعة للانضمام إلى الحرس الوطني. ويرى البعض “بإن هذا المشروع هو مناورة سياسية تهدف إلى الضغط على الحكومة العراقية ولاسيما (التحالف الوطني) من أجل تقديم تنازلات استراتيجية تتعلق بموقفه النهائي من نوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تعالي أصوات كثيرة فيه تجاهر بالعداء لأمريكا. كذلك يعد وسيلة ضغط على الحكومة الاتحادية في احتواء الأزمة, وتسليح العشائر السنية, والشروع بتشكيل الحرس الوطني في المناطق الغربية والحد من التدخلات الخارجية في تسليح الفصائل الشيعية المسلحة. وهذا ما يفسر لماذا تعالت الأصوات مسبقاً لرفض مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الأنبار؟ ورفض مشاركته في تحرير الموصل أيضاً؟.
وكان جمهوريون من مجلس النواب الأمريكي اقترحوا مؤخراً تخصيص ميزانية لتمويل قوات “البيشمركة الكردية”، والقوات “السنية” التي تقف في صف الحكومة العراقية في قتالها ضد تنظيم “داعش”، وفقاً لما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية. وتضمن المقترح أن يصل إجمالي التمويل لكافة الأطراف العراقية المقاتلة بجانب الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي إلى 715 مليون بحلول العام المقبل.
ويرى بعض المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية أن إعادة تأهيل القوات العراقية أمر حرج لضرورة تشكيل قوة برية قادرة على استرداد المناطق التي حصل عليها تنظيم “داعش”، وطالبوا بدعمهم بميزانية 429 مليون، تصل بشكل مباشر للأكراد والجماعات السنية وقوات أمنية أخرى من القبائل التي تنخرط في الحرب ضد داعش، أي بنحو 60 % من الميزانية المقترحة تذهب مباشرة إلى تلك القوات.
وعلى ما يبدو، فإن المطروح في واشنطن هو مسودة قانون في إحدى اللجان وليس تصويت الكونغرس عليه كما أُشيع، والذي سيأخذ وقت وبالتالي تعديل للمسودات. حيث أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، الأربعاء، أن سياستها تجاه العراق لم تتغير، وفيما أبدت دعمها وتأييدها لعراق موحد، أشارت إلى أن المشروع المقدم لمجلس النواب الأمريكي لا يستند إلى أية قوانين، ولا يعكس سياسة ومواقف أمريكا. وقال المتحدث الرسمي باسم السفارة الأمريكية جيفري لوري في بيان: إن “سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق لم تتغير”، معرباً عن دعمه وتأييده لـ”عراق موحد”. وأضاف لوري أن “كل الدعم والمساعدات والمعدات العسكرية المقدمة من الحكومة الأمريكية يتم تسليمها للحكومة العراقية وقوات الأمن العراقية”. مشيراً إلى أن “المشروع المقدم لمجلس النواب الأمريكي من قبل عضو الكونغرس “ماك ثوربيري” لا يستند إلى أية قوانين، ولا يعكس سياسة ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية”، مبيناً أن “الرئيس أوباما مسؤول عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية”.
إذاً في حال قدم هذا القانون بالفعل إلى الكونغرس الأمريكي وتم التصويت عليه بدون تعديل لفقرات التسليح سيصبح قانوناً ملزماً بالتعاون الأمريكي مع الكرد والسنة على أنهم دولتان مستقلتان عن الحكومة العراقية, هذا القانون وهذا التعاون ستكون له تداعيات داخلية خطيرة منها:
- تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات مستقلة بعضها عن البعض الآخر في مجال التسلح, مما يؤدي إلى نوع من توزيع توازن القوى الداخلية على المستوى العسكري, ومن ثم الانتقال من التوازنات الإقليمية إلى التوازنات المحلية الداخلية؛ الغرض منه أن تكون قوات البيشمركة الكردية والقوات السنية موازية لقوات الحشد الشعبي؛ لأن الولايات المتحدة تنظر إلى الحشد الشعبي والفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي كقوات تابعة لإيران, وهذا لا يعجب الإدارة الأمريكية أبداً. وربما تهديد قيادات الحشد في الأشهر الماضية بدخول كركوك عنوة لتحرير محافظة الموصل, كشف عن ذلك, مما أثار مخاوف الإدارة الأمريكية. ولهذا بادرت الولايات المتحدة في ذلك ليكون هناك توازن قوى محلي داخلي على صعيد التسليح العسكري, للوقوف بوجه الفصائل الشيعية المسلحة وتقويض المشروع الإيراني ومنافسته داخلياً على أقل تقدير. ومن ثم يصبح أمر التقسيم ضرورة ملحة فيما بعد ليس فقط على صعيد التسليح وإنما كدول مستقلة في تمثيلها الخارجي وعقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بعيداً عن حكومة بغداد. وهذا المشروع هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي جاءت به إدارة بوش الابن وتيار المحافظين الجدد ذو العلاقة القوية بإسرائيل, وهو ما ينبئ بأن هذا المشروع هو جزء من مخطط صهيوني سنعرج عليه بعد توضيح النقطة الثانية.
- هذا المشروع ينذر بمخاطر الاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب العراقي وإبقاء العراق مقسماً وضعيفاً؛ لأنه إذا ما تم ذلك -مشروع التقسيم- ستكون الحدود بين المحافظات العراقية هشة, الأمر الذي يؤدي إلى أن تُمسك تلك العناصر المسلحة -السنية والشيعية والكردية- المجهزة بأحدث الأسلحة والمحتقنة طائفياً بأقاليمها, وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى صراعات داخلية حدودية بين المحافظات ولاسيما في المناطق المتنازع عليها بين العرب والكرد, وأيضاً بعض المحافظات الشيعية الحدودية مع المحافظات الغربية السنية وحدودها الإدارية التي لم ترسم بعد. ومن ثم ستقود هذه الصراعات والحروب إلى حرب طائفية وحرب أهلية لا يوجد فيها رابح سوى الأجندة الخارجية. فضلاً على ذلك ربما سيرمي الإقليم الشيعي نفسه في أحضان إيران, والإقليم السني في أحضان السعودية أما الكرد التي تجمعهم علاقة قوية مع الغرب وإسرائيل فمن المؤكد أن يرموا بأنفسهم إلى الغرب وإسرائيل, إلا أن هناك بعض التخوفات الداخلية والخارجية في الإقليم, على سبيل المثال الصراع على رئاسة الإقليم التي يتمسك بها مسعود برزاني بدعم ساسة أربيل على حساب السليمانية, ربما سيؤدي إلى انفصال السليمانية في إقليم مستقل عن أربيل. وهذه المخاوف كانت لها بوادر ولاسيما فيما يتعلق برئاسة الإقليم. فضلاً على المشاكل مع إيران وتركيا وأيضاً سوريا فيما بعد. كل هذه ستنذر بمشاكل داخلية طائفية مدعومة خارجياً بين تلك الأقاليم الثلاثة, ومن ثم فإن هدف الولايات المتحدة في تحقيق عراق مستقر لا يمكن تثبيته بهذا المشروع؛ لأن السعودية وإيران والدول الإقليمية ستكون حاضره بقوة في تثبيت نفوذها في تلك الأقاليم. يضاف إلى ذلك بأن الأقليات العراقية الأخرى مثل “التركمان, الأيزيديين وغيرهم” سيطالبون بتسليحهم على غرار البشمركة والقوى الأخرى. وربما هذا التسليح سيقع جزء منه بيد التنظيمات المتطرفة, كما حدث في سوريا وتسليح الغرب للمعارضة السورية, وأيضاً كما حدث مع الحكومة العراقية السابقة عندما سلحت الصحوات في الأنبار.
إذاً في ظل استقراء هذا المشروع فهو بالنتيجة اعتراف صريح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بأن هناك ثلاث دويلات داخل العراق يجب التعامل معها كل واحدة على حدة. فإذا ما ربطنا هذا المشروع المقدم من قبل أعضاء جمهوريين في الكونغرس الأمريكي مع اتفاق الإطار النووي وتخوفات إسرائيل من أن يكون هناك اتفاق نهائي في يونيو المقبل, وفي ظل المعارضة الشديدة والرفض من قبل الكونغرس الأمريكي بأعضائه الجمهوريين الذين يمثلون الأغلبية ذات العلاقة المتينة بإسرائيل لهذا الاتفاق, سنصل إلى نتيجة بأن هذا المشروع هو ضربة استباقية إلى المشروع الإيراني في العراق, ومن ثم مواجهة إيران في العراق من خلال الكرد والسنة وخلق توازن للدور الإيراني في العراق من خلال هذا المشروع. ولاسيما إذا ما عرفنا وكما عرجنا سابقاً بأن هذا المشروع هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي جاء به تيار المحافظين الجدد “التيار المتصهين”. إذاً هذا المشروع يحمل في طياته مخاوف إسرائيل من إطلاق يد إيران في المنطقة بعد نجاح الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران. وهذا بالنتيجة له مردود سلبي وخطير على المجتمع العراقي بكل طوائفه وقومياته, وسيكون العراق ساحة حرب وتصفية حسابات بين اللاعبين الإقليميين والولايات المتحدة الأمريكية وستكون نتائجه وخيمة جداً على الشعب العراقي بالدرجة الأساس ناهيك عن الموقف الإيراني الذي سيقف بقوة بوجه الدولة الكردية إذا ما أصبحت حليفاً لإسرائيل والولايات المتحدة في ردع الدور الإقليمي لإيران, ومن ثم دخول إقليم كردستان في صراعات مع إيران الحدودية مع الإقليم. أيضاً ستكون المملكة العربية السعودية مرحبة بهذا المشروع؛ لأنه إذا ما شرع فسوف تكون هناك على الأقل دولتان تفصل السعودية عن إيران, ومن ثم الابتعاد قليلاً عن المواجهة المباشرة والتهديد المباشر من قبل الطرفين. وربما سيكون هناك ضغط إسرائيلي- سعودي على الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية في تقديم هذا المشروع. إلا أن الكرة ما زالت في ملعب الحكومة العراقية في قدرتها على استيعاب الأزمة الأمنية ومحاربة داعش بقوة عراقية جامعة للكل وتقويض التدخلات الخارجية؛ لأن التسليح الأمريكي اذا ما تم سيغني بعض الشيء الحكومة العراقية عن طلب المساعدة من جهات خارجية أخرى. وهذا ما تريده واشنطن, بأن تكون الحكومة العراقية قادرة على تحمل المسؤولية وحماية شعبها بعيداً عن مساعدة إيران.
يذكر أنه بعد احتجاجات الحكومة العراقية على هذا المشروع صوتت “لجنة القوات المسلحة الأمريكية على قانون 1223 بعدما ألغت فقرة “معاملة البيشمركة والسنة كدولتين. ووافقت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي، على مشروع قانون الدفاع القومي الأمريكي لسنة 2016 المثير للجدل، بعدما ألغت إحدى فقرات القانون التي تعد قوات البيشمركة الكردية والعشائر السنية “دولاً” وصوتت اللجنة بغالبية 60 صوتاً، مقابل صوتين، على مشروع القانون على أن يتم طرحه في جلسة مجلس النواب خلال شهر أيار القادم .وأضاف “ثورن بيري” وهو راعي مشروع القانون: “بعد يوم من مناقشات مستفيضة، أنتجنا التشريع الذي هو الخطوة الأولى في عملية إصلاح جوهرية“. ويطلب مشروع القانون من وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين تقديم شهادتيهما، بشأن إعطاء الحكومة المركزية في بغداد دوراً أكبر للأقليات في العملية السياسية وإدارة البلاد. وبحسب التشريع إذا لم يكن هنالك تقدم سياسي واضح من قبل الحكومة العراقية خلال ثلاثة أشهر من تمرير مشروع القانون فإن الولايات المتحدة ستحجب المساعدات العسكرية، عن الحكومة المركزية في بغداد وسيذهب 60 بالمائة من أصل 75 بالمائة المخصصة لبغداد الى قوات البيشمركة.”
هذا المشروع سيفرض على الحكومة العراقية وسياستها الخارجية وصانع القرار العراقي أن يبعثوا تطمينات إلى الإدارة الأمريكية في مد جسور الثقة بين الجانبيين, وأن العلاقة بين بغداد وطهران هي جزء من العلاقات الخارجية الإقليمية بين جارين تربطهما روابط كثيرة، وعدم السماح بإقامة العلاقات مع قوى سياسية خارج علم الحكومة أو أية علاقة خارج الإطار الرسمي, ورفض التسليح أيضاً خارج إطار الدولة العراقية, وأن تتمسك الحكومة بالتأكيد على أن أي مشروع للتسليح سواء من واشنطن أو طهران لا بد أن يكون من دون شروط مسبقة وأن لا يمس السيادة العراقية. وأيضاً على الحكومة العراقية أن تعلن موقفها الصريح بشأن الفصائل الشيعية المسلحة, وهذا ما فعله السيد العبادي بعد عودته من واشنطن إذ قال بالحرف الواحد بأن “لا وجود للمليشيات في العراق”. وعلى الحكومة أيضاً تطمين الشركاء السياسيين من السنة العرب والمضي بتسليح العشائر والحرس الوطني الذي أصبح المطلب الرئيس للطرف السني والولايات المتحدة الأمريكية. وعليها أيضاً – الحكومة العراقية- أن تجد وسائل ضغط –لوبيات- أكثر فاعلية وأكثر نجاحاً على غرار اللوبيات الأخرى, لكي تكون وسائل ضغط على صانع القرار الأمريكي أو دوائر صنع القرار. كذلك من المفيد الاستفادة من تقديم هذا المشروع ليكون عامل ضغط على الحكومة العراقية والقوى السياسية لتوحيد الخطاب الداخلي والخارجي وتذويب الخلافات الداخلية بمشروع وطني ورفض تقسيم العراق, وهذا لا يعني أن تقف الحكومة ضد إقامة الأقاليم أو الفيدرالية؛ وإنما رفض إقامة هكذا أقاليم بقرار أمريكي وفي هذا الوقت الحرج؛ لأن العراق اليوم بحاجة إلى توحيد الصف اتجاه خطر تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية المتطرفة واستعادة محافظة الموصل والأنبار وطرد التنظيم من البلد وإرجاع العوائل النازحة إلى مدنهم وبعدها لكل حادث حديث.