ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
حزيران 2015
من يتابع أحداث ما بعد10حزيران من العام الماضي, يلاحظ بأن الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها كانت في انتظار دخول تنظيم “داعش” وسيطرته على بعض المحافظات العراقية, لتملي شروطها بعد ذلك على بغداد فيما يتعلق ببدايات تشكيل الحكومة الحالية,
حتى تبدي استعدادها لمساعدة العراق في الحرب ضد التنظيم, ليتشكل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة ذلك التنظيم عن طريق الضربات الجوية, إلا أن هذا التحالف لم يُفلح حتى الآن في تقويض التنظيم وطرده, ربما حدَّ من تمدده إلا أنه لم يقدِّم النتائج المرجوة منه, ليبقى التحالف وتبقى الولايات المتحدة محل شك؛ وذلك لعدم جدية الأخيرة في مساعدة العراق في التخلص من سيطرة التنظيم بشكل فعلي. وهذا ما ظهر جلياً من خلال التباطؤ في تسليح المؤسسة العسكرية على الرغم من الزيارات المتكررة للحكومة العراقية إلى واشنطن ومطالبتها بذلك. ربما هذا يعكس استراتيجية الولايات المتحدة من خلال إطالة أمد الحرب في العراق واستنزاف القدرات العسكرية؛ ولربما لكي يكون هناك قبول داخلي لمشروع بايدن, وهذا ما تزامن مع إطلاق الكونغرس لمشروع التقسيم الذي يتعامل مع بعض المكونات العراقية كدولتين مستقلتين في مجال التسليح. من خلال ما تقدم يمكن تشخيص بعض الملامح للاستراتيجية الأمريكية في العراق في ضوء الآتي:
- الإلحاح المتكرر من قبل الولايات المتحدة على تسليح العشائر في المحافظات الخاضعة لسيطرة التنظيم, على الرغم من أن قانون الحرس الوطني في طريقه إلى الإقرار, وتحفّظ الحكومة من هذا التسليح إلى ما بعد التحرير.
- تحجيم دور الحشد الشعبي في تحرير المناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف, على الرغم من أن الحشد أصبح مؤسسة أمنية قوية رافدة للمؤسسة العسكرية ونواة لها في المستقبل, والتي لا يمكن الاستغناء عنها.
- المطالبة المستمرة بضرورة إشراك العرب السنة في الحكم وتسليحهم.
- احتواء التنظيم وليس إنهاءه.
- الحدّ من التدخل الإيراني ومنع طلب الحكومة العراقية مساعدة إيران في الحرب ضد تنظيم داعش, على الرغم من تنصّل كل الدول المجاورة والإقليمية والعربية وأمريكا ودول الغرب من مسؤولياتها في مساعدة العراق ودعمه على أقل تقدير عسكرياً. لا بل إن بعض تلك الدول المجاورة متهمة اتهاماً مباشراً بمساعدة المتطرفين للدخول إلى العراق عبر حدودها مثل تركيا. وعلى الرغم من التقارب الإيراني – الأمريكي الذي يبدو قريباً ويلوح في الأفق بعد اتمام صفقة الاتفاق النووي, تريد الولايات المتحدة إبعاد العراق عن إيران رغم وقوف الأخيرة مع الحكومة العراقية في حربها ضد تنظيم “داعش”, وهذا ما يضع حكومة العبادي في موقف حرج.
- غياب الجدية الواضحة للتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بتقويض تنظيم داعش, على الأقل مسك الحدود ومعاقبة تلك الدول المسببة لدخول الإرهابين والمشتركة في التعامل مع التنظيم من شراء النفط وتهريب الآثار وغيرها.
من خلال ذلك التشخيص يمكن أن نصل إلى استراتيجية الولايات المتحدة في محاربة تنظيم “داعش” في العراق بشكل عام، وهي على ما يبدو تتمثّل في أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة في إنهاء وجود تنظيم داعش في الوقت الحالي في العراق وفي المنطقة، نعم، ربما تفعل ذلك في نهاية المطاف لكن ليس الآن. وهذا ما عبر عنه مسؤولون من داخل الإدارة الأمريكية والبنتاغون. ويرى البعض في وزارة الدفاع الأمريكية “أنه ما زالت هناك مقاومة قوية داخل إدارة أوباما لإجراء أية تغييرات جادة في الاستراتيجية الحالية لمكافحة داعش، وذلك على الرغم من تزايد الشكوك لدى البعض في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حول جدوى النهج الأمريكي الحالي في هذه الحرب”. وعلى الرغم من أن تصريحات إدارة أوباما العلنية تشير إلى أن النهج الأمريكي ما يزال يرغب في “تفكيك داعش وهزيمته في نهاية المطاف”, إلا أن الكثير في البنتاغون يعتقدون أن الهدف الحقيقي هو جعل الوقت يمر فقط. ويعتقد أحد المسؤولين الذى يعمل بشكل وثيق على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية “أن هذا (الاعتقاد) يدفعه إلى الشعور بأن هذه الحرب ليست حربنا، وأن علينا محاولة احتواء الوضع فقط، والتأثير فيه ما استطعنا، هذه معركة طويلة، وستكون معالجتها ضمن مسؤوليات الإدارة (الأمريكية) المقبلة”؛ وبدلاً من السعي لتحقيق نصر حاسم، استقر نهج الولايات المتحدة على الحفاظ على ما يصفه البعض بمرحلة الغليان “على نار هادئة” بشكل دائم؛ حيث يعتقد بعض مسؤولي الدفاع الأمريكي أنهم يدركون أن الاستراتيجية السياسية تحل محل الاستراتيجية العسكرية؛ لأن هناك فتوراً شديداً لدى الرأي العام الأمريكي تجاه إرسال قوات برية إلى العراق وهناك إحباط من الفساد داخل الحكومة العراقية, وأنه ليس هناك نهج بديل وواضح.وأوضح أحد المسؤولين: “أن (ما يحدث ما هو إلا) استجابة سياسية. وتحاول (الإدارة الأمريكية) فعل شيء لكي تنأى بنفسها عن الانتقادات اللاذعة”. فالولايات المتحدة لم تقدم أي استراتيجيات بديلة في محاربة داعش حتى الآن، بل وفى الآونة الأخيرة، لم يقم التحالف الذي تقوده بتكثيف ضرباته الجوية حتى بعد أن أعلن داعش سيطرته على مدينة الرمادي، ومنذ ذلك الحين، لم تشن قوات التحالف سوى ثلاث ضربات يومياً فقط في المتوسط، مستهدفة المركبات ومواقع القتال. وختاماً يمكن القول بأن المسؤولين الأمريكيين يصرحون علناً على التزامهم بعراق موحد، إلا أن العمل غير المعلن وما تسير عليه الإدارة الأمريكية باستراتيجيتها العسكرية والسياسية في العراق هو السير وفق خطة بايدن في تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أسس طائفية وعرقية. فالولايات المتحدة الأمريكية غير جادة في إنهاء التنظيم المتطرف ووضع الحلول النهائية له, بل تعمل على احتواء التنظيم وتحجيم قدراته وجعل المعارك مع الحشد والقوات الأمنية عملية استنزاف للطرفين لا غير. هذا المشروع – مشروع بايدن- يفرض على الحكومة العراقية وصانع القرار العراقي أن يتعامل بأحد موضوعين دون خسارة صداقة الولايات المتحدة الأمريكية:
الموضوع الأول: يتمثل في أن تثبت الحكومة العراقية مسؤوليتها, وأن تكون حكومة عراقية لكل العراقيين على الرغم من وجود تحديات ومعوقات كثيرة, وعليها أن تتغلب على كل تلك التحديات باحتواء الوضع السياسي والعسكري في البلد، وأن تجد استراتيجية عسكرية وطنية لمحاصرة تنظيم داعش وطرده, وتعمل على مشروع وطني جامع للكل, وأن تصل إلى صيغة معينة بإشراك العشائر السنية وتسليحها ومسك حدود المحافظات داخلياً وخارجياً بعد تحريرها، وحل الخلافات بين الحكومة الاتحادية وتلك المحافظات؛ لكي لا تكون تلك القضايا وتراً تضرب عليه الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية بشكل طائفي، لتضع الحكومة في موضع الاتهام.
أما الموضوع الثاني: فيتمثّل في المضي باتجاه النظام الفيدرالي وتفعيل الدستور العراقي، وهو ما تريده الولايات المتحدة من خلال مشروع التقسيم وفق خطة بايدن؛ لأن الكرد منفصلون لا محالة. وفي ظل رغبة الطرفين – السنة والشيعة – بضرورة إقامة الأقاليم فما الضير من إقامة الإقليم وفق ما نص عليه الدستور العراقي وفي ظل مطالب المكون السني بالتسليح أيضاً. فمن الممكن أن يقر قانون الحرس الوطني ويسلّح مع أبناء العشائر أو انخراط الاثنين تحت مسمى واحد “الحرس الوطني”, وتناط به مهام تحرير المحافظات الخاضعة لسيطرة داعش ومسك الحدود, ومن ثم تكون هناك تفاهمات صريحة بين تلك الأقاليم والحكومة الاتحادية وفق ما نص عليها الدستور العراقي. فمن الممكن السير وفق هذا النقطة وتفعيل الدستور والمضي باتجاه النظام الفيدرالي ليس فقط في ظل رغبة المكون السني, وإنما للرضوخ أمام رغبات ومطالبات المكون الشيعي في الوسط والجنوب. فما المانع إذا كان هذا المشروع يحقن دماء الشعب العراقي ويصل بالعراق إلى بر الأمان. وقبل ذلك يجب أن يزيل التصور الخاطئ لمفهوم الفيدرالية السلبي في العراق.