حوراء رشيد مهدي الياسري
باحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء .
حزيران/2015م .
يعد النظام السعودي من أبرز أنظمة الحكم الملكية الدكتاتورية في الشرق الأوسط وقد مرت الدولة منذ تأسيسها الى الوقت الحاضر بثلاث مراحل أساسية هي:-
– الدولة السعودية الأولى (تأسست عام 1744م في الدرعية وشملت أجزاء واسعة من شبة الجزيرة العربية).
– الدولة السعودية الثانية (تأسست عام 1818م على يد تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود بعد سقوط الدولة الأولى على يد القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا).
– الدولة السعودية الثالثة (القائمة حالياً منذ عام 1932م وهي وريثة الدولتين السابقتين، وتم تأسيسها على يد عبد العزيز آل سعود).
من المعروف أن هذا النظام يختلف عن الأنظمة الملكية في قاعدة انتقال السلطة؛ لكون السلطة تنتقل فيه من الأخ إلى أخيه مما يثير التصدع داخل هذا النظام بسبب كثرة الأخوة واستحقاقهم في تقلد السلطة، فالملك عبدالعزيز لديه (36) من الاولاد أقواهم السديريون؛ لكونهم يمتلكون معظم الثروة النفطية والنصيب الأكبر من وسائل الإعلام السعودية والذي ينتمي الملك الحالي إليهم بعد أن وصل إلى السلطة عقب وفاة أخيه عبد الله. ومع تسلم سلمان بن عبد العزيز للسلطة أجرى عدداً من التغييرات المفاجئة وغير المتوقعة أبرزها:
- التعديلات الأولى/ قبل أن يوارى جثمان الملك الراحل عبد الله أعلن الملك الجديد عن سلسلة من الأوامر الملكية التي تتطلب تعيين ابنه محمد وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، وتعيين ابن أخيه محمد بن نايف ولياً لولي العهد إلى جانب منصبه وزيراً للداخلية، وإعفاء خالد التويجري من رئاسة الديوان الملكي والحرس الملكي.
- التعديلات الثانية/ بعد مرور ثلاثة أشهر على تولي الملك سلمان مقاليد الحكم قام بإجراء تعديلات جذرية على سلّم الحكم السعودي، حيث أصدر الملك مرسوماً في يوم الأربعاء الموافق 28/4/2015م أجرى فيه التغييرات الآتية:-
1- إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء.
2- تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد.
3- تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، مع احتفاظه بمنصبه كوزير للدفاع.
4- إعفاء الأمير سعود الفيصل من منصبه لظروفه الصحية وتعيينه وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء ومشرف على الشؤون الخارجية.
5- تعيين عادل الجبير وزيراً للخارجية.
6- تعيين الأمير منصور بن مقرن مستشاراً لخادم الحرمين بمرتبة وزير.
7- تعيين خالد الفالح وزيراً للصحة.
8- تعيين د. مفرج الحقباني وزيراً للعمل.
9- تعيين خالد اليوسف رئيساً لديوان المظالم بمرتبة وزير.
10- إعفاء د. محمد الجاسر وزير الاقتصاد والتخطيط من منصبه وتعيينه مستشاراً في الديوان الملكي بمرتبة وزير.
11- إعفاء خالد فقيه من منصبه وتعيينه وزيراً للاقتصاد والتخطيط.
12- إعفاء خالد العيسى نائب رئيس الديوان الملكي من منصبه وتعيينه وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء وعضواً في مجلس الشؤون السياسية والأمنية.
13- تعيين حمد السويلم رئيساً للديوان الملكي بمرتبة وزير.
14- تعيين عمرو رجب نائباً لرئيس هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بالمرتبة الممتازة.
15- تعيين ناصر الشهراني نائباً لرئيس هيئة حقوق الإنسان بالمرتبة الممتازة.
16- تعيين منصور المنصور مساعداً للرئيس العام لرعاية الشباب بالمرتبة الممتازة.
17- إعفاء نائبي وزير التعليم نورة الفايز وحمد آل شيخ من منصبيهما.
18- إعفاء عبد الرحمن الهزاع وتكليف عبد الله الجاسر بمنصب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون.
وعند تحليل هذه التغييرات وتأثيرها على المملكة يمكن القول:
(أ) إن إعفاء الأمير مقرن من منصبه كان يعود لسببين: أحدهما: ضعف شعبيته في حال استلامه للحكم بعد الملك سلمان وإن كان هذا الإعفاء هو إعلان حرب على الأمير متعب وأخوته من أجل إبعادهم عن السلطة نهائياً، وثانيهما: موقفه المحايد من عمليات عاصفة الحزم على اليمن.
(ب) إن قيام الملك سلمان بتسليم ابنه ذا الثلاثين عاماً منصب ولي لولي العهد ووزارة الدفاع يعود إلى رغبة منه في مكافئته على المهام التي قام بها في عمليات عاصفة الحزم من قتل ودمار ضد أبناء الشعب اليمني، ورغبة منه في دخوله وإبرازه بقوة في معترك الحياة السياسية السعودية.
(ت) رغبة الملك سلمان القوية في انتقال السلطة إلى ولده في المستقبل من أجل إبقاء السديريين في الحكم وتقوية مكانتهم مع تولي الجيل الجديد (الأحفاد) من آل سعود للحكم.
(ث) إن السلطة السياسية داخل المملكة العربية السعودية تتغير بالكامل من خلال انتقال الحكم إلى أحفاد الملك عبد العزيز بعد عقود من الزمن سيطر فيها أبناء الملك المؤسس على السلطة وبالتالي فإن هذا الجيل هو من سيتولى الحكم في المملكة مستقبلاً.
(ج) مع تولي كل من محمد بن نايف ومحمد بن سلمان ادارة المؤسسة الأمنية فأن المسائل الأمنية أصبحت من أولويات سياسة المملكة العربية السعودية الداخلية والخارجية بسبب الأحداث التي تشهدها دول المنطقة خصوصاً بعد انتشار ما يعرف بـ (داعش) داخل أراضي المملكة وما يوكد ذلك التفجيرات الأخيرة التي حدثت أثناء أداء المصلين للصلاة، مع العلم أن أغلب المنضمين إلى هذا التنظيم التكفيري هم من السعوديين.
في ضوء ما تقدم يمكننا القول إن المملكة اليوم تواجه تحديات تُلزِمها الابتعاد عن النزاعات والصراعات الداخلية ما بين أفراد الأسرة الحاكمة من أجل الحفاظ على أمنها الداخلي خصوصاً بعد انتشار خطر داعش ووصوله إلى أراضيها، فهي اليوم تواجه من الجنوب التقدم الحوثي وسيطرته على أغلب المناطق اليمنية، ومن الشرق تواجه الحراك الشعبي البحريني الشيعي الذي يسعى إلى إسقاط النظام الحاكم منذ عام 2011م، ومن الشمال تواجه حكومة شيعية تقود الحكم في العراق وماتزال العلاقة بين الطرفين غير مستقرة، فضلاً على الأزمة السورية ومدى تأثيرها على طبيعة العلاقة ما بين النظام السوري والمملكة والتي تتصف بعدم التوافق بسبب الدعم الإيراني لهذا النظام والذي تعده المملكة عدواً لها . وما تزال المملكة تتمتع بمكانة مهمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية لكن هذا لا يعني أن علاقتها جيدة مع دول الاتحاد الأوربي الأخرى، وعليه فإذا أرادت المملكة أن تحافظ على بنائها داخلياً وخارجياً عليها أن تتخذ عدد من الإجراءات التي تبعدها قدر الإمكان عن ما يهدد أمنها واستقرارها وفي مقدمة ذلك إيقاف دعمها للجماعات المسلحة، واعتمادها منهج الاعتدال في سياساتها الداخلية والخارجية.