الكاتب: ديفيد لينش
ترجمة وعرض: حسين باسم عبد الأمير
القوات الأمنية تدافع عن مقراتها ضد الدولة الإسلامية خلال عاصفة رملية في مدينة الرمادي، في 14 مايو 2015.
استهل الكاتب مقاله بالإشارة الى إن استيلاء الدولة الاسلامية على مدينة الرمادي العراقية يهدد بانهيار استراتيجية أوباما في العراق الساعية الى هزيمة الجماعة السنية المتطرفة من دون إرسال قوات برية أمريكية.
ثم يُعقب الكاتب بالقول، إن سقوط الرمادي الذي حصل بعد يومين فقط من تصريح لجنرال امريكي إذ قال بإن الدولة الإسلامية “تخسر” في العراق لم يكن سوى أكبر نجاح للمتشددين الذين اجتاحوا شمال العراق منذ عام مضى. فقد قاموا بأطلاق موجة من السيارات المفخخة وإعدام العديد من الجنود الموالين للحكومة وكذلك المدنيين، ثم تم رفع راية “داعش” السوداء على عاصمة محافظة الانبار بعد فرار القوات الحكومية.
وفي يوم الاثنين، أصر مسؤولون امريكيون على التأكيد بعدم وجود الحاجة لتغيير اعتماد الادارة على القوة الجوية وتدريب القوات الموالية للحكومة العراقية. وقالوا سوف يتم تحرير الرمادي في نهاية المطاف.
فقد صرح الكولونيل “ستيف وارن” المتحدث باسم البنتاغون، الذي نفى أن تكون القوات العراقية تخلت عن مواقعها كما فعلت العام الماضي في وجه الحرب الخاطفة للدولة الإسلامية في شمال العراق وقال بإن “استراتيجيتنا ما تزال فعالة” ثم أضاف بأن “المسألة مجرد مسألة وقت حتى تعود القوات العراقية تنتشر في مواضعها من جديد.”
ثم يعرب الكاتب عن وجود قلق داخل الأوساط العامة ويقول: وفقا لبعض المحللين فإن استمرار مزاعم الإدارة بالنجاح الاستراتيجي يهدد بعودة حقبة الحرب الفيتنامية “فجوة المصداقية“. وعلى الرغم من استمرار مساعي الإدارة من اجل تحويل النتيجة إلى النصر، “إلّا أن ذلك غير فعال” تبعا لـ“انتوني كوردسمان” المحلل العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وهكذا ينعكس عدم تحقيق الانتصار على تصورات الجمهور الأمريكي. ففي استطلاع قامت به نيويورك تايمز سي بي اس نيوز، قال 64 في المئة من المشاركين بأن الحرب ضد الدولة الإسلامية تدار بشكل سيئ. وقد اشتمل الاستطلاع على 1027 من البالغين في الفترة بين 30 نيسان الى 3 أيار.
“النكسة الكبيرة”
وحول سيطرة “داعش” على الرمادي، قال الجنرال المتقاعد “ديفيد بارنو” القائد السابق للقوات الأميركية في أفغانستان: أن سقوط الرمادي هو نكسة كبيرة، لكل من الحكومة العراقية والولايات المتحدة. كما أن هذا الأمر مدعاة للتساؤل حول ما إذا كانت قوات الأمن العراقية قادرة على القتال بفعالية واحتراف.
انتقاد بوينر
كما ومن الملاحظ تعالي أصوات المنتقدين وانضمام أعضاء كبار من كلا الحزبين السياسيين الى جوقة المنتقدين. فقد قال رئيس مجلس النواب “جون بوينر” وهو جمهوري من اوهايو وصرح: لقد فشل أوباما في التعاطي مع الدولة الإسلامية على محمل الجد. كما وأضاف بوينر للصحفيين وقال: خطة الرئيس غير فعالة، وقد حان الوقت بالنسبة له من أجل التوصل إلى استراتيجية حقيقية، شاملة لهزيمة التهديد الإرهابي المستمر.
وبالمثل فقد قال “آدم شيف” الممثل عن كاليفورنيا والديمقراطي البارز في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب عندما وصف احداث الرمادي في وجبة إفطار مع الصحفيين: أنها انتكاسة كبيرة وخطيرة. وهو ما صرح به عدد من ضباط الجيش المتقاعدين ومحللين اخرين بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في نهجها للصراع.
وما يجدر ذكره أن أوباما، الذي انتخب في العام 2008 بعد أن وعد بإخراج الولايات المتحدة من عقد من الحرب، كان قد استبعد استخدام القوات البرية الأمريكية ضد جهاديي الدولة الإسلامية، والمعروفة أيضا باسم “داعش”. كما أن المستشارين الأميركيين قد دربوا 7000 عراقي حتى الآن، مع عدد إضافي يٌقدر بـ 3000 إلى 4000 جندي يتلقون الآن التدريبات. وفي هذا الصدد قال “بارنو” يجب الإسراع بوتيرة جهود التدريب.
دعوة استيقاظ
وقال “مايكل باربيرو” الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي الذي قاد تدريب القوات العراقية خلال واحدة من رحلاته الثلاث الى العراق: دعني أرى بعض النجاح. ثم أضاف: لم يتم تقديم ما هو فعال، لذا ينبغي أن يكون ذلك دعوة للاستيقاظ.
إن فقدان الرمادي التي تبعد نحو (100 كيلومتر) غرب بغداد، يكشف ظهر العاصمة العراقية ويعرّضها لهجمات محتملة على مطارها الدولي، إن لم يعرض المدينة نفسها للاستهداف.
إن ضرورة استعادة الرمادي، التي اشتبكت فيها وحدات من مشاة البحرية الامريكية مع تنظيم القاعدة لعدة أشهر في عام 2006، من المرجح له أن يؤخر الهجوم العراقي الذي طال انتظاره لتحرير الموصل. كما أن قرار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدعوة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران للقتال في المدينة السنية الآن – على الرغم من أنه تم تأييده من قبل القادة المحليين – يهدد بتفاقم العداوات الطائفية.
الأجندة السياسية
أما النائب السني أحمد المساري الذي حدثنا من بغداد عبر الهاتف فقال: هناك أجندة سياسية خلف قرار رئيس الوزراء لإرسال الميليشيات. وأضاف أنه يخشى من تكرار أعمال القتل الطائفية التي يقول بأننا شهدناها في مناطق أخرى حيث كانت تقاتل تلك الميليشيات.
إن وحدة العراق كدولة واحدة قد تكون على المحك الآن. ومع الهجمات المسلحة التي شنها المتشددون في الأسابيع الأخيرة، اشتكى ممثلو الطوائف السنية والكردية في العراق ان الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة كان بطيئا في تزويدهم بالأسلحة والذخيرة.
كما طالب مسؤولي الانبار وشيوخ العشائر وزير الدفاع بإرسال القوات الحكومية العراقية إلى الأنبار وتزويد مقاتلي العشائر بالأسلحة والذخيرة كي يتمكنوا من مقاومة الهجمات العدوانية التي يقوم بها مقاتلي الدولة الإسلامية. كما وتحدثت عبر الهاتف أيضا النائب في البرلمان السنية “ناهدة الدايني” وقالت “إن الاستجابة كانت دائما ضعيفة“.
كما وتمكنت القوات المسنودة من قبل الولايات المتحدة في الشهر الماضي من استعادة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، أهم معاقل السنة. وبعد هذا الانتصار الذي برزت الميليشيات الشيعية بأنها تعتمد على إيران، ثم أعلنت الحكومة العراقية عن خطط لاستعادة السيطرة على كامل محافظة الانبار.
الموقف دفاعي
وفي يوم 15 مايو/آيار قال رئيس هيئة الاركان المشتركة العميد في سلاح البحرية “توماس وايدلي“: إن الدولة الإسلامية أصبحت “في موقف دفاعي في كل من العراق وسوريا.
ومع ذلك، فإن قدرة الدولة الإسلامية على تعبئة عدة مئات من المقاتلين من أجل السيطرة على الرمادي، كشفت حدود القوة الجوية. فمن دون وجود الأفراد الأمريكيين على الخطوط الأمامية ممن يستطيعون تحديد الأهداف، سوف يكون من الصعب توظيف الغارات الجوية بشكل فعال ضد قوات العدو داخل المدن.
وفي ذات الصدد فقدقال برنو: “لا يوجد شك بأن هذه ليست حملة أرضية-جوية لا هوادة فيها”.ومع أن مصير الرمادي كان يمضي الى نهايته الحتمية، فإن طيران قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة كان يُجري ثمان غارات جوية يوميا فقط وانتهت في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الاثنين. وإن حصيلة قتلى عناصر الدولة الإسلامية كانت متواضعة، فوفقا لوزارة الدفاع كانت الحصيلة الإجمالية مجرد: أربعة مواقع قتالية وخمسة مبان وعربتان مدرعتان وآلية واحدة لحمل قوات المشاة وموقع للقيادة والسيطرة.
كما قال “مايكل موريل” نائب المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية في واشنطن يوم الاثنين: سوف يكون هناك تقلبات في هذه المعركة تقدما وتراجعا، وتقدم الرمادي مثالا كبيرا في التراجع.
الثقة الكبيرة
ومع ذلك، فقد أضاف “موريل” بانه “واثق جدا” إذ أنه يؤمن بأن الوقت الممزوج بالضربات الجوية، جنبا إلى جنب مع المقاتلين الأكراد والميليشيات الشيعية وإعادة تدريب قوات الأمن العراقية، كفيل بأن يتم دفع الدولة الإسلامية الى خارج العراق.
كما أن لدى الولايات المتحدة حاليا 3040 جندي متواجدين في العراق وينخرطون مجال التدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية، بما في ذلك قاعدة الاسد الجوية داخل معاقل السنة.
أما بالنسبة للجنرال العسكري “مارتن ديمبسي” رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي تعرض للانتقادات من قبل بعض أسر قدامى المحاربين في العراق الشهر الماضي عندما قال “ان المدينة لا تشكل رمزية بأي حال من الاحوال” ثم أضاف الاثنين ان الولايات المتحدة سوف تواصل دعم القوات العراقية.
الجهد كبير
كما وصرح ديمبسي بأن “النكسات مؤسفة، بيد أنها ليست غير مألوفه في الحروب“. وفي الوقت ذاته كان قد أقر بأن “الحاجة الآن الى جهد كبير أصبحت ماسة بُغية استعادة المدينة.”
كما أشار “معهد دراسات الحرب” بأن الإدارة أضحت بحاجة الى إعادة دراسة نهجها. حيث كتبت “جيسيكا لويس” وهيضابط سابق في الاستخبارات العسكرية وقالت “يجب أن تعترف الولايات المتحدة بأن سياستها لهزيمة الدولة الإسلامية غير كافية“ ثم أضافت “الأمن القومي الأمريكي يتطلب سياسة إقليمية قادرة على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.”
وهكذا فقد سارع الجمهوريين إلى مهاجمة نهج الرئيس. حيث دعا عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا “جون ماكين” رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ واصفا خسارة الرمادي بأنها “هائلة” وقال ما زالت هناك حاجة الى القوات البرية الأمريكية لتحويل هذا المد والجزر.
وكان قد تذمر حاكم ولاية نيو جيرسي “كريس كريستي”أثناء حملته الانتخابية في نيو هامبشاير يوم الاثنين، وهو المرشح الجمهوري المتوقع للرئاسة، فقد قال: إن استراتيجيتنا التدريجية المتبعة حتى الآن في التعامل مع داعش، لا توحي بالثقة.”
ثم يختتم الكاتب مقاله مشيرا الى أنه ما يزال ينتظرنا المزيد من المعارك، فقد يسعى المسلحون الى إعادة السيطرة على تكريت أو مصفى بيجي الذي وصفه العميد “وايدلي” بأنه طريق مسدود وذلك في الأسابيع التي تسبق الذكرى السنوية لإقامة الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا.